الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٣ صباحاً

للإفلات من المسائلة والمحاسبة ....

عمار عبدالله الصلبة
الخميس ، ١٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
للإفلات من المسائلة والمحاسبة/ حكومة الوفاق تفرض حضراً إعلامياً على هيئة مكافحة الفساد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


طالعتنا حكومة الوفاق الوطني في جلستها المنعقدة يوم الثلاثاء الماضي 8/1/2013م بإتخاذها قرارين هما الأشد غرابة وشذوذ في موضوعهما واللغة المصاغة بهما قضى الأولى بإلزام كافة الوزراء بعدم التعامل مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في حين فرض الثاني حضراً على وزارة الإعلام في بث أي أخبار تتعلق بالهيئة.

إن المتأمل لمثل هذه القرارات سيكتشف مباشرة ليس فقط خروجها السافر عن المبادئ والأعراف الإدارية المستقرة لعمل أجهزة الدولة، بل أن النبرة الفجة والمنفرة التي صيغ بها القرارين سيكشف له دون عناء مكنونات ودوافع ما وراء النص خاصة إذا كان لدى هذا المتأمل قدر من الميول والاهتمام بمتابعة نشاط الهيئة وعلى إطلاع بما تنشره من معلومات عن مساعيها وجهودها في مجال مقارعة الفساد والمفسدين وبالذات تلك الوقائع التي يكون مردها الوزراء في بعض الوزارات ليصل في المحصلة إلى مجموعة من الاستنتاجات أورد أهمها فيما يلي:

1) إن الحكومة في حالة من الذعر الشديد إزاء عمليات الرصد والمتابعة والملاحقة التي تجريها الهيئة للعديد من وقائع ومظاهر الفساد المنسوبة إلى مجموعة من الوزراء فضلاً عن استشعار رئيس الوزراء نفسه وتحرجه من مطالبات الهيئة بإلغاء مجموعة من القرارات والتوجيهات الصادرة منه ثبت للهيئة فسادها، وكذا العديد من الاتفاقيات والعقود الحكومية التي تم إبرامها بالمخالفة لأحكام القوانين والأنظمة النافذة أو تنطوي على إجحاف أو تلحق ضرراً بالمال العام أو المصلحة العامة.

2) إن الحكومة والواقع قد أثبتت من خلال هذين القرارين أنها تفتقد في التعاطي مع مهامها ومسئولياتها المختلفة إلى العقل الجماعي صمام أمان الالتزام بالنظام والقانون فيما تتخذه من قرارات ومواقف.

فظاهر الحال يشهد بأن مقدور نفر من أعضائها وإمكانه طرح ما يعني له من موضوعات على مجلس الوزراء حتى ولو كانت منقطعة في صلتها بمهام واختصاصات الحكومة وأن يوجه موقف المجلس إزاءها وفق مشيئته وأهوائه الشخصية، وهذا ما نجده مجسداً بوضوح في القرارين محل البحث، حيث جاء تبني مجلس الوزراء لهما نزولاً عند رؤية وزير الشؤون القانونية وتلبيةً لرغبته ولا ندري كيف أن مثل هذا الوزير قد سمح لنفسه وهو مستشار الحكومة القانوني أن يجر المجلس لمثل هذا الموقف المجافي لنصوص الدستور والمعطل لنصوص القوانين النافذة وفي مقدمتها قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م بل أنه جعل من الحكومة سلطة فوق هذا القانون مع أن مركزها يأتي في مقدمة الجهات المنصاعة والخاضعة لأحكامه.

3) إن الحكومة قد عمدت على خلاف الحقيقة والواقع إلى تشويه صورة الهيئة وتضليل الرأي العام بزعم أن ولايتها قد انتهت وأنها متشبثة بالاستمرار في مقاعد العضوية دون وجه قانوني متجاهلة في هذا الصدد بأن الهيئة وبمبادرة منها قد سبق لها التخاطب مع الاخ رئيس الجمهورية قبل انتهاء فترة ولايتها بثلاثة أشهر تقريباً مطالبة إياه التوجيه باتخاذ الإجراءات القانونية لاختيار هيئة جديدة وهذا التخاطب معلن على صفحتها الإلكترونية غير أن فخامته كان له رأي آخر وذلك بأن وجه باستمرار أعمال الهيئة حتى نهاية الفترة الانتقالية وهو توجيه تم إشهار وتناقله عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما تم تسليمه إلى مجلسي النواب والشورى باعتبارهما الجهة الوحيدة المعنية قانوناً والمخولة بمباشرة إجراءات تشكيل الهيئة ترشيحا وانتخاباً.

4) إن سلامة وقانونية العمل الحكومي لا يستقيم ولا يمكن له أن يستقر وصولاً إلى الدولة المدنية، وتفرض على فخامة رئيس الجمهورية مسائلة ومحاسبة الحكومة وعدم السماح لها بأي ممارسات معيبة قانوناً وشكلاً وموضوعاً كما هو في حالة القرارين الصادرين منها في مواجهة الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد كما تفرض في الوقت ذاته على مجلس النواب المبادرة بدوره إنطلاقاً من مسئولياته الرقابية على أعمال الحكومة إلى دعوة هذه الأخيرة واستجوابها إزاء ما أقدمت عليه من فعل مشين.