الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٠ صباحاً

دُون تكلُف

جلال غانم
السبت ، ١٩ يناير ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
جميل جدا أن نعيش حياتنا دون تكلف , دون اهتمام بالتفاصيل الصغيرة , بروتين الحياة اليومي القاتل , وقلما تجد في زمن كهذا هذه النوعيات من البشر التي تصغي أكثر من ما تقول , تتأمل أكثر من ما تكتب , تبكي أكثر من ما تغضب .
وقلما نجد كُتاب ومُثقفين لا يحملون من وراء نضال الكلمة أكثر من بوح ذاتي , أكثر لحظات صارخة كي يصبون حبرهم على عجل في انتظار من يفهمهم .

هل حقا حياتنا أصبحت مُكلفة بالتفكير وبالتكفير بالعيش والملح بالقبيلة وصناديدها , بسُراقها ورمتزقيها ؟
متى نرى كائنات يمنية تعيش بامتياز خارج جُغرافيا الحسابات السياسية الضيقة ؟

ومتى نرى وطن يتقبل أبنائه من مُتحزبين ومن مُتدينين ومن مُلحدين ويهود ومسيحيين دٌُفعة واحدة ؟

أن نرسم أفق بقلب نابض , بفكرة ناضجة , بمصلحة تتعدى لُغة الطاقية والبطاقة المُهترئه , أن نعبر شوارعنا دُون أن نلعن سائق الباص , دون أن نلتفت لجلباب امرأة مع الريح , دُون ودُون ودُون تكلف .

أن نُقيم الأشخاص وفق لإنتاجهم , أن نعتبر رصيد النجاح بالثمرة التي نجنيها , أن نحمل أسمائنا دُون صرخة القبيلة التي تقتل وتُلوث أسمائنا الرُباعية بــــ الهلالي - المزحاني - الصنعاني - الحرازي - المطري - الشبواني - الريمي - السنحاني - الشرعبي ؟

متى نرى أنفسنا وقد تحررنا من عبئ هذه الألقاب , من وساخات القوة التي تحدثها في وجه المُتلقي لها , من أيدلوجيا الوساطات السياسية , من مُعلقات النصع والذم والقتل والكيد ؟

أن نعيش في وطن مطحون , وطن تتشابه في كُل اللغات والأسماء , كُل الروايات والقصص القصيرة , كُل الثورات الناجحة والفاشلة , كُل القتلى والجرحى والشُهداء .

حقا نحن نعيش خارج سرب العدالة , خارج سرب القانون المُفترض , خارج عصر التقنية والاتصالات , نحن مازلنا نعيش عصر المداعه , عصر البردقه , عصر الثائر العظيم (اللص الكريم ).

ما معنى أن تتبدد كُل الطرق , تحترق كُل المسافات ؟

ماذا يعني لنا الوطن أكثر من علاقية أسماء نحملها , أكثر من جربة قات نحرسها في أول الليل كي نصبح أكثر قذارة , يحتلنا ويُحاصرنا قُمقم الجهل , رائحة الماجنين , ضياع في كُل شكلية الحياة اليومية .

متى نبتكر شكلية أفضل للحياة , تفاصيل غنية عن ذكر مصدر القُبح , ابتسامة خاليه من أي تكشيرة مُمكنة ؟

مازال القادم أمامنا بحر ومدينة , ولا زالت المدينة طلاسم تختفي في إطلاله الأمل البعيد .

ومازلنا مُثقلين حتى هذه اللحظة بأسمائنا , بألقابنا , بديدنات الكُره وضغوط الحياة .

سوف تشعر في لحظة أنك تعيش دُون كُلفه تُذكرعندما ترى اسمك مُتحرر من نتانة قبيلة أو حزب أو طائفة , عندما تنظر للسماء دون أن تنتظر المطر , عندما ترى من الدعاء مصدر للخير والسعادة .

حقا نحن بحاجة إلى حياة أخرى نعيشها دون تكلف .