الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٠ صباحاً

الرحلة العلمية الاولى

د. علي مهيوب العسلي
الثلاثاء ، ٢٢ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
تشرفت بالأشراف أنا وزميلي الدكتور طه الاديمي على طلبة السنة الثالثة والرابعة لقسم الاقتصاد والارشاد الزراعي ،وهي الرحلة الأولى لي منذ تعيني كأستاذ مساعد في عام 2004م بسبب ان الزيارات العلمية وحضور المؤتمرات العلمية والندوات والورش كانت حصراً على مَن ينتسبُ بولائه للزمرة الحاكمة وهذه أولى قطاف ثورة التغيير التي أتاحت لأمثالي أن يتعرف على طبيعة الرحلات العلمية ،ولذلك سأبدي ملاحظاتي للرحلات العلمية لما لها وما عليها!

انطلقت الرحلة في عصر يوم الثلاثاء الموافق الخامس عشر من يناير 2013م باتجاه الحديدة للاطلاع على المزارع والهيئات والمكاتب الزراعية لكي يتعرف الطلبة على المحك العملي والإداري لتلك المنشآت في سبيل التهيئة لانتقالهم لممارسة الوظيفة بعد أن كانوا طلابا سيصبحون غداً موظفين ،كما قلت انطلقت الرحلة بباصين من جامعة صنعاء لعدد ما يقارب الخمسين وعندما صعدنا على الباصين لم يكن العدد المتواجد فقط ما يقارب الخمسة والعشرين أي يمكن استيعابهم بباص واحد ،وعندما سئلنا المشرفين المساعدين وهم من الفنيين في القسم الذين تابعا الامانة العامة من أجل أن ترى هذه الرحلة النور أفادا بإن هناك عدداً من الطلاب قد سبقوا إلى مدينة الحديدة فلم أعترض على ذهاب الباصين ،وبسبب كذلك عدم حضور كل الطالبات بهذه الرحلة العلمية المفترض أنها هادفة ،وبالرغم من أن نيابة شئون الطلاب قد كلفت مشرفة لترعى الطالبات أثناء الرحلة وقد حاول زميلي المشرف إقناعها بالعودة طالما وهي الوحيدة إلا انها رفضت ذلك وصممت على السفر معنا، ولقد لعبت حقيقة دوراً بارزا ً في تذليل السكن للطلاب في بيوت الشباب في المحافظات التي زرناها !

وبينما نحن في السفر وفي الطريق تفاجئنا بطابور كبير جدا من القاطرات في جانبي الخط الرئيسي في الحيمة متوقفة بسبب قِطَاع (من قبل مسلحين بما فيها أطقم شرطة) ، ومهما كانت الأسباب ..إلا أنه يؤكد غياب الدولة على بسط نفوذها في كل شبر مما تبقى من أراضي الجمهورية !

نعم! الرحلة كانت ممتعة جداً ففيها فوائد كثيرة يصعب حصرها ولكن أهمها : تعزيز العلاقة مع الطلبة وربطهم بالولاء والتواصل بعد التخرج مع أقسامهم ، تعميق الولاء والمحبة لوطنهم اليمن ،المساهمة في ردم الفجوة التي صنعتها الانظمة المتعاقبة في نخر نسيج المجتمع اليمني ،التعرف على العادات والتقاليد في كل محافظة يمنية ،ومن الفوائد العلمية : التعرف على المعارف والمهارات العلمية في المنشآت التي يَتكمن الطالب من زيارتها ، التهيئة للانتقال إلى الحياة الوظيفية بعد استكمال الدراسة في الكليات التي درس الطالب فيها ، محاولة التذكر لما درسه الطالب عبر أربع سنوات من خلال الدروس العملية التي يمكن شرحها من قبل العاملين في المنشآت التي زارها وبشكل متسلسل ومترابط بحسب طبيعة المنشآة!

أما الملاحظات النقدية التي يمكن تسجيلها في عُجالة هي على النحو الآتي:

فالملاحظة الأولى : هي النقد الذاتي لي شخصيا باعتباري أحد المشرفين لكنني لم أشترك في إعداد البرنامج للزيارة ، وتفاجأت به كغيري من الطلاب وهذا في اعتقادي معيب ، الملاحظة النقدية الثانية: أن نيابة شئون الطلاب تخصص مبالغ غير كافية بتاتاً لتنفيذ زيارة علمية ناجحة ،حيث تُخصص لكل طالب مبلغ مقطوع يساوي 3500ريال لا غير ولمدة تقترب من أسبوع ، واذا اضفنا لهذه الفترة اتساع المناطق، فإن هذا المبلغ لا يكفي للرسوم الرمزية لسكن الطلاب في بيوت الشباب الحكومية ،بمعنى أوضح لا تتوفر البيئة العلمية السليمة وعلى القائمين على الرحلات مراجعة هذا الأمر لما له من أهمية في إنجاح راحلة علمية ،الملاحظة الثالثة: وهي مهمة إذ أن الرحلة تنفذ بالاعتماد على متابعة المشرفين وفي أي وقت من أوقات السنة دون النظر للهدف من الزيارة فإذا كانت الزيارة تتعلق مثلا بقسم الوقاية فالمفروض أن تقتصر الزيارة على المناطق التي تتواجد فيها حشرات مستوطنة أو فطريات وأصداء وبالتالي فإن الأمر يتعلق ربما بنهاية الموسم أو منتصفه بحسب ما يتطلب الأمر ذلك ،وفي قسم المحاصيل ربما تكون الرحلة مفيدة في المناطق التي تتوفر فيها مواطن النباتات وبالتالي تعرضها للانقراض أو على وشك ان تنقرض بحيث تُجمع عينات من تلك النباتات ولمختلف البيئات ، وكذلك تجميع الحشرات في الوقاية بحيث تكون في الكلية بنك معلومات موثق وتقام التجارب عليها وتكون دروس عملية للطلبة الجدد وهكذا ،وكذلك فسم الاقتصاد والارشاد الزراعي الذي كانت رحلتي العلمية مع طلابه ،فإنه ينبغي على طالب الإرشاد التعرف على برامج ارشادية حقلية وكيف ينفذ البرنامج وغير ذلك مما درسه الطالب في فصوله الدراسية ،وفي شعبة الاقتصاد فإنه ينبغي على الطالب في رحلته العلمية التعرف على إدارة المزارع والمصانع ،وكذلك السجلات المزر عية ، وأعتقد أنه في نهاية الرحلة على الطالب أن يرفع تقريره هو وليس المشرف يوضح فيه ما تم من زيارته موثقا ذلك بالصور والعينات التي جمعها وهذا كله لم يحدث من خلال هذه الرحلة العلمية ،ولكن بالمقابل لا نقلل أبدا ً من الرحلات حتى لو رحلة ترفيهية فإنها مفيدة للطالب وللأستاذ معا، من أجل ان يجدد نشاطه ويأخذ قسط من الاستجمام!

في الحديدة عروسة البحر الأحمر زُرنا هيئة تطوير تهامة بقيادة الدكتور الطيب عبد السلام الطيب الذي يقود الهيئة بكل اقتدار بالرغم مما تتعرض له الهيئة من بعض الاعتداءات في صُورها وإحداث ثقوب به لكي يتم التسلل والسرقة ، وتراه في نهاية كل يوم يتجول بسيارته ويتفقد هيئته ثم يعود الى الحراس وينبههم عما رأى ،فلقد أستقبلنا بحرارة فله جزيل الشكر على حفاوة الاستقبال ،كذلك لقد كانت الرحلة فرصة للقاء بالاحبة الزملاء الذين درسنا معا وتقاسمنا حلاوة العيش في العراق العظيم ومرارة الغربة والحصار والحروب فلهم جميعا مني التحية لذلك اللقاء الدافئ في منزل الدكتور عزي هبة الله شُريم وإخوانه النجباء ماجد ومحمد !

وعندما تحركنا باتجاه تعز وعلى مقربة منها وتحديداً في مفرق المخا إذا بعبق الثقافة يتدفق كالسيل الهادر في العقل ،وبينما أنا أفكر خطرت لي فكرة أعتقد أنه يمكن أن تكتب لها النجاح فيما لو وصلت إلى عقل الأخ العزيز شوقي هائل محافظ المحافظة ومفادها " أخي العزيز شوقي لقد أنجزت في الآونة الاخيرة مؤتمر التنمية المستدامة ونحن قد وعدناك في مساعدتك فيما نستطيع ،فحاولنا تحقيق الوعد باصطحاب طلابنا في السنة الاخيرة وفي السنة السابقة من قسم الاقتصاد والارشاد الزراعي بزيارة علمية كنا نُفكر أن يكونوا في مقدمة المُفيدين والمستفِيدين في تنميتك المستدامة ، وأن تتحقق تلك التنمية المستدامة قولاً وفعلاً بأن تتبنى أخي المحافظ مشروع المهندس الزراعي للتنمية المستدامة لمحافظة تعز وأن يكون طلابنا المشُار اليهم طليعة التنمية لمحافظتنا الرائدة على أن يوكل لكل واحد منهم ما بين 15-20 هكتار ويكونون هم مدراء لتلك المزارع ،وبالتالي يقومون باختيار المهندسين الزراعين من زملائهم في التخصصات الأخرى وتتولى أنت البحث عن عملية تمويل لإقامة مساكن لهم في المخا في مزارع الدولة أو في مزارع مجموعة هائل سعيد تنتج ما يفيد مصانعها وما يتطلب السوق التعزي والتصدير إن أمكن ،وذلك كله بعد دراسة الجدوى الضرورية ،فيستقرَّ الخريجون في المنطقة ويُديرون مزارعهم وينتجون ، ثم يُسدِّدون بعد فترة تحددها دراسة الجدوى ، فإذا كانت الفكرة مناسبة يا معالي المحافظ فنحن على استعداد للنزول بهم مرة أخرى وبتشجيع ومباركة من الاخ الدكتور عبد الحكيم الشرجبي رئيس الجامعة وأمينه العام الذين يتطلعان إلى اليوم الذي يأتي فيه توظيف مخرجات الجامعة وبالأخص كلية الزراعة وكذلك عميدنا المنتخب هو الأخر يسعى للارتباط بسوق العمل وما يطلبه من مخرجات لكي يتم تكييف المناهج على ضوء ذلك فهل يا محافظنا ستقوم بهذه الخطوة نحن بانتظار الرد"!

وعندما وصلنا تعز العز كان الفضل لزميل الدراسة في البكالوريوس المهندس الاستاذ عبد القادر ردمان القباطي مدير التسويق في مصانع المرحوم هائل سعيد والتي كانت بحق مفيدة جداً للطلاب ،ولقد أعادني الزميل العزيز إلى أواخر الثمانينيات عندما فاجئني بالعديد من زملاء الدراسة في حلب الشهباء في مقيل نادر لم ولن أنساه فله مني التحية على كرم الضيافة وحسن الاستقبال وطيبته المعهودة !

هذه كانت زيارتي وملاحظاتي الأولية عليها ،أتمنى أن تتاح لي مثل هكذا زيارات علمية لكي يتسنى لي عمل بحوث ميدانية خصوصا وأن ما يُخصص للبحث العلمي يخجل المرء أن يذكره خوفاً من ازدراء القارئ من حكوماتنا المتعاقبة التي لا تهتم بالبحث العلمي ولا بمتطلباته لأنها لا تعمل به اصلاً!

وفي الختام الشكر كل الشكر لكافة الطلبة الذين كانوا محل فخرنا واعتزازنا نتيجة لتصرفاتهم الراقية في هذه الرحلة والشكر موصول للأخوين المشرفين الفنيين العزيز سعيد الراجحي والعزيز طلال القدسي وكذلك السائقين الصبورين الاخ عبد الله الشيبة ورفيقه عمرو ،وبالطبع لا أنسى المشرف الأول للرحلة العزيز الدكتور طه الاديمي وكذلك مشرفة الرحلة من شئون الطلاب التي وفرت للطلبة المبيت في بيت الشباب في كل من الحديدة وتعز ،مع تمنياتي للجميع بالموفقية الدائمة في أعمالهم ! ؛ والتحية والتقدير لثورة الشباب الشعبية السلمية التي أتاحت لي الاستمتاع بكل ما ذكرت ولولا ها ربما لبقيت سنوات دون أن أنال شرف الاشراف على طلابي في رحلة علمية وترفيهية وودية!!