الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٧ مساءً

تاريخ جمهوري بائد

جلال غانم
الأحد ، ٢٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
تتالي الجُمهوريات في حياتنا كُل شهر جُمهورية , كُل سنة جُمهورية , كُل عقد من الزمن سُقوط قناع وظُهور آخر لتستمر سلسلة التسُاقط والقيام والقُعود على رؤوسنا وأوجاعنا وزفراتنا دون أن تُحقق الحد الأدنى من واجبات ومُتطلبات هذه الجمهوريات الكثيرة .

غرق مُستمر , ضرب كُل أوجه العدالة , استمرار سياسة الفيد , التقسيم , القتل , التفريخ , التسلُح , التفرقة الحزبية والطائفية وكُل تلك الصفات ميزت حُكامنا وحكوماتنا بحكومات كراسي ونُخب سُميت بـــ (الشلة) وأمتد مفهوم الشلل والشلليات في كل أوجه ومرافق الحُكم .

غياب مفهوم الذمة المالية والرقابة الإدارية المصحوبة بقانون نافذ أدى إلى تحويل البلد إلى قطاعات مُستثمرة ذاتيا في السياسة وفي الاقتصاد , في الكذب وفي الظُلم والقتل وغير ذلك وكُل استثمارات الجُيوب هذه عكست الصورة السلبية لكُل أشكال الحُكم الفردي القمعي الفاسد وعززت من مكانه سُلطة الفرد النافذ القادر على التوغل وإيجاد مكانه له داخل البرلمان , داخل صالة الأفراح , داخل الخدمة المدنية , وحتى داخل البيت الواحد لكُل مواطن .

تسقُط ثورة , تندلع ثورة أخرى , تتالى الثورات , تتساقط الرؤوس , تموت الآمال , تتجدد سياسة العُنف والقوة وكل ذلك ولا زلنا متمسكين بقُطاع الحُكم وصائدي الأحلام .

شيخ ثري , وشيخ جائع , شيخ مُتسلق , شيخ مُثقف , شيخ سُني , شيخ شيعي وكل الشُيوخ هم من شكلوا العبء السيئ على شكلية حياتنا وعلى حُلم القانون المدني الضائع بين كُروشهم وشركاتهم الذين استثمروا المُثقف وأبن الشارع ودكتور الجامعة والثائر وحتى الشهيد الذي بعثوه من جديد .

دائما ما نعزف على كمان المُخاطرة كي ننشد حياة أفضل لكن كُل آلات العزف تتكسر بوجة كُل نبيل , كُل قلب طاهر , كُل وطنية خارجة عن قطاعات الهزل والمحسوبية .

تزداد بريق ألوان الجُمهوريات , سياسات التقرب , التطبيل , كتابة تاريخ حاكم لا يُجيد قراءة كتاب شعري أو حتى رواية لــ (مكسيم غوركي) .

في الغد تراه وقد تحول هذا التاريخ الناري الذي كُتب في لحظة بحث عن أرضية على شارع الستين أو على طريق المطار إلى بطلجي وقاتل ومُغتصب للسلطة والثروة وكُل أدوات الحُكم .

وآخر من لص إلى ثائر و((دون هادى)) في زمن الثورات المُرتبكة

جيشوا البلاد , جيشوا العباد , أكلوا ثروات الجنوب , قتلوا أحلام الشمال , كُل ذلك ولم نكتفي ما لحقوه بنا , وبأي طريقة نزيحهم وهم القابضون على جمر الثورات كما يقولون .

مارسوا السياسة بجواربهم وبياداتهم , مارسوا المشيخة بسرقهم , مارسوا الثورة بقتلهم , مارسوا ومارسوا حتى التعليم وهواية بناء جيش من دُمى كُل إنجازاتهم تمثل في فر البلاد بشمالها وجنوبها بأكثر من عشرة حُروب قتلت كُل الناس من مُجندين وباحثي الخُبز ومن مُرتزقة وبياعي سلاح ومن مواطنين كُل حلمهم العيش بأمان .

جُمهورية للابتسامة وجُمهورية للضحك , جُمهورية لتسييل الُلعاب وجُمهورية أخرى للمضغ , جمهورية للصُداع المُلازم وجُمهورية للعافية .

جُمهورية للجيب وُجمهورية للقبيلي

ونحن بين كُل جمهورية وأخرى نصرخ , نُنادي , يا ناس كُل هذه المُمارسات التي تُلصق بنا خاطئة , كُل سياسات التنطع لكسب الناس ومليء جُيوبهم خطاء , كُل ما ترسموه خطاء إن لم يكن قائم على نظام ديمقراطي يحترم حقوق المواطنة ويُوزع الثروة بين الناس بشكلها الحقيقي بعيدا عن المحسوبية وشقي الحُكم القبلي التقليدي , بعيدا عن خارطات الحُكم المُفتعلة والارتجالات التي تحكم وتقضي على الحُكم لمجرد ردة فعل مُعين لشخص ما .

بقى لنا الحوار الوطني الذي يريدوا أن يحولوه إلى قطاع جُمهوري مُصادر , قطاع قبلي , قطاع يُنادي بثقل أفضل وأقوى للقوى النافذة , بصلاحيات أوسع للنشل , بامتيازات سياسية واقتصادية أفضل كي تستمر سياسات الحُكم البليدة القابعة بين أقبية مزالق جبال صنعاء كمنفذ منقُذ لكل الجهابذة المُوزعين على مشيخة البلاد بطولها وعرضها ويريدونا بعد كُل هذا أن نؤمن بهم لقيادة أي مرحلة مُقبلة .

حسبوا كُل جُمهورية بُرمة يتم الاصطياد من عُمقها بأسهل الطُرق المُمكنة , حسبوها لسيس يتم مضغة في ساعات الظهيرة كي يشعروا بحُمى الحُكم ودورهم القوي فيه .

حسبوا كُل شيء ثورة ,كُل شيء ثروة , كُل ثورة جُمهورية , وكُل جمهورية طريق أسهل للتقسيم , وكُل تقسيم يعود بالإمعان والشبع على ضميرهم كي يزدادوا في كُل يوم ضراوة وقوة وفساد وتوظيف وسرق ونشل وقتل تحت كُل هذه المُسميات .