الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٢ صباحاً

(ليلة قدر) تقضي على (ليالي الغدر)

د . محمد حسين النظاري
الأحد ، ٢٨ أغسطس ٢٠١١ الساعة ٠٢:٣٠ مساءً
الحمد الذي بلغ اليمنيين شهر رمضان بعد اشهر عديدة من الضياع والفوضى والحرمان ،والحمد لله الذي أعانهم على صيامه مع أن قلة من لم يصوموا عن قطع الكهرباء ،ولم ينفطموا عن التلذذ بحرمان الناس من خدمات المشتقات النفطية والتي أضحت الأساس في كل ما يحتاجوه من ضوء وماء وزراعة وتعليم وعلاج .

الحمد الله الذي قدَّر على اليمنيين كل هذا البلاء طيلة سبعة اشهر (عجاف) ونسأله عزَّ من منعم متفضل أن يخلف علينا بعدها ليس فقط بسبعة اشهر (سمان) ،بل بسنوات مديدة وأزمنة عديدة ،علها تمسح الأسى وتزيل الحزن من قلوب من انفطرت أفئدتهم سواء من جراء فقد أهاليهم وأقربائهم استشهادا ،أو آلامهم عليهم مرضا مؤقتاً أو عجزاً دائماً ، أو حسرتهم على فرص عيش وان كانت لا تفي باحتاجياتهم إلا أنها كانت متوفرة ،وانقطعت لان الخير انقطع من قلوب بعض إخوتنا (هداهم الله).
الحمد لله الذي بلَّغ اليمنيين ليلة القدر لما لها من الفضائل والأجر ،فلم يكن في مخيلة من بدؤا الأزمة السياسية الخانقة (إطلاقا) أن يمتد بهم الحال ليشهد اليمنيون (ليلة القدر) ،وهم مازالوا يرزحون تحت وطأة المعاناة من (ليالي الغدر) ، نعم لقد عانى الشرفاء في اليمن أكثر من (200) ليلة غدر ،ابتداء من فبراير الماضي وحتى هذه اللحظة .

ليالي الغدر تنوعت وتعددت ،وأضحت في كل ليلة ترتدي حلة مخزية من الإمعان في تعذيب الناس ،ولم يسلم من ويلاتها احد سلطة ومعارضة ،وامتد سعيرها ليتلظى به الغني قبل الفقير ،والكبير قبل الصغير ،والرجال قبل النساء ،والأدهى والأمَّر أن اكبر المتضررين هو وطن بأكمله ،يقع على مساحة تزيد عن نصف مليون كليو متر مربع ،ويعيش فيه ما يزيد على أربعة وعشرون مليون نسمة ،انه المتضرر الكبير من عواقب ليالي الغدر .

نسأل الله أن تقضى ليلة القدر في عامنا هذا على ما خلَّفته كل ليالي الغدر التي إصابتنا ،وان تنزل بسكينتها على كُلِّ أُم باتت تبكي فلذة كبدها الذي ذهب ضحية أهواء شخصية ،ومآرب مريبة ،وان تُعوض ليلة القدر كل ربَّ أسرة فقد عملاً كانت أسرته تقتات منه ،وكان يسد بعض رمقها من كده وتعبه طيلة اليوم ليعود عليهم بما يقيم أودهم ،ويشبع جوعتهم ويسقي ظمأهم .

وان تُخلُف ليلة القدر بخير على أولئك الشباب الذين كانوا يحلمون بوظائف ،فأتت ليالي الغدر وأخذت ما كان يُعدُ لهم ،فلا يظن الشباب بأن ليلة الغدر والمتمثلة بالأزمة السياسية قد أثرت على الأفراد فحسب ،فهذا هو المفهوم الخاطئ الذي يريد أن يسوقه البعض وللأسف الشديد ...فالأزمة قصمت ظهر الاقتصاد الوطني وان ظهر علينا بعض السياسيين (مكابرا) بعدم التضرر ،لقد أصابت اقتصادنا في مقتل ،فحدت من نموه ،ونفَّرت رؤوس الأموال ،وأوقفت المصانع ،وزادت من تدهور العملة الوطنية ،وقد نصل لا قدّر الله في يوم لا تستطيع الدولة فيه على دفع رواتب الموظفين ،وعندها فقط تكون (الطامة الكبرى) وسنقعد جميعا لا سمح الله نبكي على أطلال الماضي ،والذي سنتمناه ،لان تغييرنا المنشود مبني على العداء الشخصي ،لا على تصور علمي مدروس .

ليالي الغدر حرمت 70 بالمائة من التلاميذ من الالتحاق بالمدارس خلال هذا العام بحسب إحصائيات الدولية المختصة ،بسبب امتناع الأساتذة المعتصمون من أداء دورهم العلمي ،وهنا ينبري سؤال مهم .. لماذا لم تلقى هذه الكارثة أصداء لدى الشباب الراغبين في التغيير ؟وهم يرون من يريدون التغيير من اجلهم يجبرون اكتساب الجهل ،بل ويتم إغلاق المدارس والجامعات بدواعي التغيير ذو المفهوم الخاطئ ،والتطبيق الأكثر منه خطأً .

ما أحوجنا ونحن في أجواء ليلة القدر أن نستلهم فضلها ،فنتفضل على الوطن والمواطنين بترك أذيتهم ،وان نستحضر قدرها ،فنرفع من قدر وطننا وأنفسنا أمام الشعوب الأخرى ،بان نريهم بأن تغيرنا المنشود لا يقوم فقط على كلمة (ارحل) ،ولا فقط عبر الالتفاف حول من لهم عداء شخصي مع ولي الأمر - لا اقل ولا أكثر – والدليل بأن ما إن يحظوا بجانب من السلطة إلا ويولون وجوهم شطرها ، ويتركونكم خلف ظهورهم ،وليس أدل على ذلك من المجالس التي تكالبوا عليهم ،وجعلوكم تتحسرون على اشهر قضيتموها تناضلون من اجل قضيتهم التي خسروها عبر صناديق الاقتراع .

ما أحوجَ مَنْ ولِيَّ من امرنا شيئ أن يجمع من ليلة القدر بعضاً من رحماتها ،فيرحم الناس ويخفف من معاناتهم ،وان يُصغي إليهم قبل أن يُفسد الغوغاء والمغرضون ما بينه وبينهم ،وان يولي عليهم في قضاء حوائجهم من يرفق بهم ،ومن يكون جسراً للتواصل بين الحاكم والمحكوم ، لا أن يحجب عنه مظالمهم ،ويصور له عكس ما يعيشونه .
ما أحوجنا أن نطيع ولاة أمورنا ،لان في الخروج عليهم مفسدة هي اكبر من إفسادهم ،وما يُغير بإفساد اكبر فبقاءه على ما هو عليه خير ،وان نجعل من ليلة القدر مناسبة للدعاء بهدايتهم وإصلاحهم ،وان يقيض لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير ،فنحن قد ابتعدنا عن الدعاء لولي الأمر ،حتى ظنه البعض نفاقا للحاكم ،مع في صلاحه بالدعاء له صلاح لأنفسنا.

فاللهم اشفي رئيسنا وأصلحه، وحفه بالبطانة الصالحة واكتب علي يديه ما يجنب ما فيه صلاح البلاد والعباد ،واجعل من طاعته في قلوب اليمنيين ما يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ،اللهم من أراد به كيدا في غير حق ،أو بوطننا الإفساد فاشغله بنفسه ،واجعل تدبيره في تدميره ،اللهم انك تعلم سبب ما نحن فيه ،فيارب لا تمكنه فينا ،اللهم حقق فينا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،واجعلنا أهل له ،اللهم أصلح الراعي والرعية ،واجعلنا من عتقاء هذه الليلة الفضيلة /اللهم انك عفو كريم تحب العفو فعفو عنا ...أمين اللهم أمين بجاه المصطفى الأمين واله وصحبه أجمعين

(دعاء ليلة القدر)
أخبر سبحانه وتعالى أنها (خير من ألف شهر) فقال عزّ من قائل في سورة اسماها باسمها :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) .وورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفرَ لَه ما تَقدمَ مِنْ ذَنْبِه) ،وعَنْ عَائِشَةَ أُمِ المؤمنينَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".