الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٤ مساءً

و من الموت تُخلق الحياة

محمد هشام مُحرم
الاثنين ، ٠٤ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
في ممر مُظلم مُغلق، ما بين أبواب مُغلقة و أخرى ملحومة، شباب يحاولون أن ببقوا علي قيد الحياة أطول فترة مُمكنة؛ صديق لم يصل في الوقت المُناسب لإنقاذ صديقه، لا يوجد مفر. تُريد أن تحيا؟ لن يعطوك فرصة لتحيا فمُت و أنت تُحاول، حاول أن تصل إلي أرض الملعب، ولكن حاول وأنت تُحاول ذلك ألا تدوس علي جثة صديقك، لاتنظر إليه حتي لثانية فمن المُمكن أن تُقتل في تلك الثانية، إذا وصلت إلي أرض الملعب فعليك أن تخلع قميص مجموعتك أو فريقك، إخلع أي ملابس حمراء ترتديها، جنود الموت حولك لن يرحموك، كما لم تمنعهم براءة أنس وطفولته من قتله. تشعر بالألم، بجرح غائر و لكن من كثرة وتتابع الضربات لم تعُد تعرف أين الجرح و لا أين الضربات و لا من أين تأتي لم تعُد تعرف هل هو ألم جسدي من جراء محاولة قتلك أم ألم نفسي بسبب عجزك عن إنقاذ صديق أو بسبب رؤية صديق آخر جثة علي أرض المُدرج.

إذا كُتب لك الخروج من ستاد الموت سالمآ لتجد نفسك وحيدآ في بلدة غريبة لا تثق في أحد لا تثق إلا في نفسك أو في صديقك , لا تثق في هذا البائس الذي يتصنع مساعدتك ليأخذ ما تبقي في حافظتك , هذا و إن كان مُتبقي معك شيئآ
, حاول ألا يظهر علي وجهك علامات الحزن أو التعب لا تجعل أحد يتشكك إنك " قاهراوي " أو " أهلاوي " حتي لا تُزف بالطوب إلي نهاية المدينة ، عند محطة الأنوبيس تجد من هُم مثلك ، في طريق العودة ابكي كما شئت اذرف دموعآ علي من رأيتهم يتساقطون هُناك في المُدرج و علي من عرفت من الأخبار إنهم سقطوا ، في طريق العودة تسمع " فُلان في ذمة الله " و يأتي فُلان عقب فُلان يتعقبه فُلان أخر . تصل القاهرة وانت فاقد صوابك تمامآ ، وقتها تعلم أن مُدبر خطة قتلك يرسل طائرة لإنقاذك أو بمعني أصح إنقاذ ما تبقي منك ،تمُر عليك أصعب ليلة علي الإطلاق ، لم يُصبح للدموع معني فقد زادت و كثرت حتي ظننت إنها طبيعية و نسيت شكل وجهك دونها ، تذهب صباحآ لتدفن صديق و ظُهرآ إلي المشرحة تنتظر جثة أخر ، من القاهرة للإسكندرية للسويس نفس الحزن نفس الألم ، تُصلي الجنازة علي صديق و تُشيع جنازة أخر .

تجد الناس من حولك منهم المُتعاطف حقآ و المُتصنع لذلك و بائع الدم الذي يتاجر بقضيتك و بدماء أصدقائك الشُهداء و بائع الهوي الذي يُطلق علي نفسه إعلامي الذي يريد أن يحول القضية لقضية شغب و عُنف ملاعب ليس لشئ سوي لخوفه أن ينطق بكلمة حق و لتزداد إعلاناته التي تدر إليه الملايين . و لكن الحقيقة إنك لا تأبه بكُل هؤلاء ، لا يوجد في عقلك سوي صورة واحدة " صورة الشهيد " أمام عيناك شيئآ واحد هو القصــاص .

تقضي عام أسود كل شئ حولك يُذكرك بهم , عندما تُحاول الكتابة أول ما تكتبه يدك هو " المجد للشهداء " حاول أن تُغني لتجد نفسك تُغني أغانيهم أو أغاني عنهم ، حاول أن ترسم ، أن تتحدث ، أن تلعب أن تفعل أي شئ فستجدهم أمامك .

فموت الشهيد كان بمثابة حياة جديدة لك ، حياة هو أعطاها لك حياة نظيفة لا يشوبها دنس , فموت الشهيد جعلك تتعقل و تُفكر و تشعر موت الشهيد جعلك " إنسان " . فحافظ علي تلك الحياة وتذكر دائمآ انه سببآ فيها .

اليوم تمر سنة علي فراقهم و أنت أعدت فقط نصف حقهم . إفرح لأنك أعدت البسمة لوجوه أهلهم ، لكنك بداخلك تعلم انك قطعت فقط نصف الطريق ، و تعلم أيضآ انك تستطيع ان تُكمل الطريق لأخره . و أن القصاص أتِ لا محالة من مُثلث الغدر.

اليوم ، غدآ ، بعد 50 عام ستظل مُتذكرآ صورة الشهيد , سيظل الشهيد صديقك ، سيظل وسام علي صدرك تفخر به . ستتفاخر امام أبنائك يومآ ما أن الشهيد صديقك قُتل لأنه رفض الظلم، لأنه حُر و ستُعلم ابنك أن يُصبح مثله.