السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٦ مساءً

أين نسرح .. أين نولي .."بس "..دلونا ؟؟!!

رنا عبدالناصر الحكيمي
الاربعاء ، ٠٦ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
أخر مرة أتذكر أني عشت في هدوء تام لا تشوبه شائبة غير حفيف الأشجار الذي بالكاد يُسمع أو صوت تقليب أوراق كتبي، كان ذلك عندما كنت طالبة في الغربة.

لا أنكر أني بعد هذا اليوم نعمت بالقليل القليل من الهدوء ولكن هناك بعض المفارقة عندما ينعم الفرد بالهدوء بجنبيه "الهدوء النفسي في عدم وجود التوتر والهدوء الذهني بعدم وجود الضوضاء الخارجية"وهدوء لا يكاد يُذكر. لا أنكر أن فترة الغربة كانت قاسية علي بعض الشيء وذلك لما يحمله الطالب المغترب من حنين دائم للأهل والوطن فالطالب المغترب دائما مايرسم في ذهنه تخيلات عن أهله وعن وطنه فهو يحاول دائما إبراز الصورة الحسنة لهم؛ ليعيش في شوق دائم وأفأفة دائمة من الغربة رغم الأيام الجميلة التي يقضيها بين أوراقه والهدوء الجميل، ولا يدرك الطالب المغترب حجم المأساة التي رسمها بصورة مفارقة إلا بعد أن يعود إلى وطنه. فالشوق والحنيين قد لغى الصورة الحقيقية من ذهنه ليأتي وينصدم بالواقع المر، كل شيء مغاير للتخيلات، الوطن لم يحدث فيه أي تغيير تلك هي الأماكن وتلك هي الأركان وكل شيء لم يتغير حتى الشارع المُحَفّر الذي غادره عاد ليجده كما هو.. كل شي .. البالوعة المنفجرة وأكوام القمامة المتراكمة.. إنقطاع الماء والكهرباء الدائم والمتواصل.. كل هذه الأشياء لم تتغير.. حتى الأهل في البداية يكونون في حالة ترحيب حار يدوم لبضع ساعات سرعان ما ينتهي ما كان من شوق وحرارة لقاء.. يُقَلّب أخونا الطالب في ذهنه الأشياء التي كان يتخيلها بمرارة، ليجد نفسه في لحظة وحشة في هذا الوطن وشوق دائم إلى الكتب وتلك الأرض التي كوّن فيها الأصدقاء وسمع همسات أشجارها بهدوء دون ضوضاء ..يعود أخونا الطالب ليمحو مارسمه في ذهنه من صورة أخيرة ويلعن الشيطان فهو في أحسن حال وأنَّ ما يشعر به هو لمجرد أنه ترك أصدقاءه، ويواسي نفسه بأن هناك وسائل حديثه يمكنه التواصل معهم.. يهدأ باله ويمضي يومه وتتوالى الأيام التي يُمَضِيها ويكتشف في كل مرة كم كان غبيا في حكمه ونظرته للأمور .. تبدأ رحلة أخونا الطالب وذلك طبعا بعد زيارة لا بد منها إلى المبنى الموقر " مبنى التعليم العالي" ليقوم بمعادلة أوراقه وبعد الإنتهاء من المعادلة يبدأ في رحلة البحث المضنية عن عمل. يقول أخونا المسكين المقلوب على أمره:" بعمل والله ولو ببلاش كلو عشان الخبرة"، قد يكون أخونا خريج مدني أو هندسة معدات طبية أو دكتور صيدلة أو هندسة وراثية ولكل من هؤلاء هدفه وطموحه الذي رسمه ولكن سرعان ما يتلاشى عند تقديم الملفات .. أول مقابلة عمل تنتهي بإبتسامة باردة من المقابل ليقول:"في حالة حاجتنا ستكون أنت أول واحد نتصل به ".. يحتاج أخونا إلى ساعات أو عدة أيام _يعتمد على نفسية كل شخص_ لينشيء خيط أمل جديد .. ويواصل أخونا تقديم الملفات وفي كل مرة أخونا المسكين يطبع ملف ليقترح عليه صاحب المكتبه أن يعمل له دولاب كامل من الملفات أولاً: كسباً للوقت والسرحة والرجعة.. ثانياً: كسباً للمال، فهو سيعمل له تخفيضاً أو لربما أرتفعت الأسعار وسيكون من ضمنها أكيد طباعة الورق .. في رحلة البحث عن وظيفة يبدأ أخونا الطالب بعد شهور بدق أبواب الخدمة المدنية لتقديم ملفه فهذا هو الحل الوحيد رغم علمه بأنه لن يحصل على الوظيفة إلا بعد مليون قرن وخاصة إذا كان التخصص غريب وغير موجود في اليمن ولا يوجد له رمزا في الخدمة المدنية ولكن "جرَب حظك مش خسران حاجة"، وبعد عمل كل الجهود وبث الشكوى والهموم ومعرفة مصيبة الطالب الذي من الوظيفة محروم أمام الجموع وكل رثى له حاله، يقعد أخونا في البيت، ورغم علم الوالدين بكل ما صار وما حدث وبكل المعاناة التي واجهها ابنهم إلا إنهم يظلون يزنون على وذنه "أنت مش حق شغل أنت مش حق شيء".. أين يذهب أخونا الطالب الغلبان على أمره إذا كانت كل الدوائر رافضة توظيفه والخدمة المدنية بعد مليون قرن ونيف .. أين نسرح أين نولي بس دلونا..


إضاءة
في ظل السياسات الغبية والفساد المستشري والمتمثل بالوساطات والرشاوي لا يسعنا غير أن نسارع في بناء القبور لإدارات متخلفة تتمثل في وزارتي التعليم العالي والخدمة المدنية ..