السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٧ مساءً

العيش بـــ نقاء أفضل

جلال غانم
الاربعاء ، ٢٠ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٠٠ مساءً
أسوا من أن نعيش حالة حُب خاطئة , تواطؤ يستمر للحد من حالات الضجر , الفراغ , للحد من مواسم الخوف الخارج من عفوية الحُب الصادق القادر على منحنا طُرق جديدة تتفتح مع ازدهار قُلوبنا والمُغطى بأكثر من عطر لـــ (الفانيلا) والموشم بذُكرية الحب الساهري لتمنحنا أكثر من قُدرة عشقيه , أكثر من حالة إخفاق وجدانية تتكلل بالنجاح ومُمارسة أعلى درجات الأمل للعيش دون هذا التواطؤ , دون الخيبات والمرارات الكثيرة والمتكررة والتي عادة ما تًصاحب كُل أفراحنا , كل شكلية حياتنا الأخرى .
فالذهاب بعيدا في أقاصي الذاكرة للشعور بلحظات الخُلود دائما ما تحتاج لكمنجات درويش وصوت مارسيل خليفة (جبل الباروك) الذي يأتي مُتجاوز كُل خارطات الألم ويسكن مع الدمع , مع حالة ثورة كُل لحظة نراها تتجدد خارج ضغوط الحياة اليومية لنرى فيها مصدر عشقنا الأوحد والأزلي وجُنوننا الذي عادة ما يتجاوز المُربعات المرسومة للتوحد مع كُل ما هو إنساني وللتغلب على ألوان الحُزن وتبديد كُل هواجس الفجيعة والاغتراب .
ما ذا يُليق بنا اليوم ؟
ماذا يعني لنا الأسود ! والذي سبق لـــ احلام مستغانمي الروائية الجزائرية على كتابته بتأني برواية حملت كُل دلع النساء , كُل رغبات العشق وشبق الجُنون في (الأسود يليق بك) والتي قالت في إحدى مقاطع الرواية ( لا أكثر أناقة من وردة لا تُثرثر كثيرا , نحن لا نهدي ورودا تتكلم عنا , بل لتحمي التباس ما نود قولة ) .
إن أروع الروايات في زمن عاق كهذا لا تكمُن في مُراقصة الألم بل في فاكهة اللُغة وأروع السُطور التي تُقال هي ما تحمله من شجن يتعدى أمكنة الرجولة والشقاء , وأروع ما في الكُلام هو ما لم يقال كأمل منا في تصحيح كُل خطيئة تاريخية , كُل حالة عُهر تُحاصر شكلية حاضرنا الرمادي .
فـــــ خُطب الكتابات , كخُطب الدعاة ورجال الدين دائما ما تكون صارخة عند الحُكم على التاريخ بنتائج لا تليق به , عند وضع كمامات الكلمات في حاشية سُفلية لسرقة عقلية القارئ , عند توجيه الضربات لخصم سياسي بقداسة روائية كأدنى خُطب للكتابات الضيقة التي لا تتعرف على الوجدان ولا تسرق كُل لحظات القداسة العشقيه لتردينا صرعى بنص لا يحمل أكثر من انتصار على التاريخ نفسه دون أن نرى في ذلك روائح لواقع نكتبه كي نكسب منه فُتات حقير لا يتعدى قبضة جُنيهات في لحظة سافرة .
والموسيقى أيضا مثلها مثل ما نكتب ونقرا نتصالح معها أحيانا ونرفضها ونتقيأ على ضجيجها أحيانا أخرى فهُنالك موسيقى نشعر أننا نولد معها في لحظات سريعة وفنانون يُلامسون الوتر الداخلي لنا بأكثر من همس يُذيب حالات الصمت مثلا وأنت تسمع لــــ إيلي شويري (روحي أنا) أو لموسيقى موتزازت أو لمقطوعة من بُحيرة البجع لـــ (تشيكوفسكي) التي ألهمت الأوروبي والشرقي والغربي معا كتوحد نادرا ما يخرج عن القيمة المادية والصراع الأزلي إلا في لحظات رائعة كهذه .
فالوجود إن لم يكن محمولا بالفن والعشق وحالات الإبداع المُستمرة فلا فرق بينه وبين حالة تجمد يعيش ساكنيه من البشر على إيقاع العُنف والاقتتال والبشاعة بأبهى صورها .
فاكتبوا لتعيشوا مع نقاء أفضل للضمير وأقرأو لترون كيف تُفكر بقية الشعوب وكيف تتألم وتسقط وتفرح وتعيش ولتتذكر ما كتبه الروائي الروسي العظيم ليف تولستوي في (سيباستوبول القوزاق):
( لكي تعيش بنقاء ضمير
, يجب أن تقتحم
, أن تتعثر
, أن تصارع
, أن تقع في خطأ
, أن تبدأ في أمر
, و تتركه
, ثم تبدأ من جديد
, ثم تتركه مرة أخرى
, و أن تكافح ابداً
. و تعاني الحرمان
. أما الطمأنينة فهي دناءة روحية)