الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٦ صباحاً

الإيجابية والذاتية وتقرير المصير

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الاربعاء ، ٠٦ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤١ صباحاً

من أروع ما حكاه القرآن وسطرته آياته مشهد النبي الملك سليمان عليه السلام وهو يستعرض معسكره المهيب ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) من منا يحمل هم قومه ووطنه كهذه النملة الحاذقة التي ابتدرت بشجاعة نادرة تحذر بني جنسها من جيش عرمرم يزحف في مهمة تدريبية قد يمرون عليهم فيؤذونهم ويوقعون بهم الضرر دون أن يشعروا بهم ، ويتفقد سليمان عليه السلام عالم الطير فلا يرى الهدهد ! وما كان له أن يغيب عن هذا الحشد دون أن يعتذر منه أو أن يرسله في مهمة ! ويعلم سليمان عليه السلام أنه لم يرسله أو يكلفه بمهمة ما !! ويتوعد سليمان عليه السلام هذا الجندي الغائب عن طابور ه الاعتيادي بالعذاب الشديد إلا أن يقدم بين يديه ما يبرر غيابه ويكون بيناً واضحاً مقبولاً ، وحين يمتثل الهدهد بين يدي الملك النبي المهاب يفصح عن مبرر غيابه كالواثق من خطواته والمسئول عن تصرفاته ، بل يخاطبه بلسان الإيجابية الذاتية التي ألهمته مهمة الاستكشاف ودراسة الخريطة الجديدة وفق التوسع الرسالي الدعوي لفتح جديد يمليه على النبي الكريم الملك الذي يمتلك من القدرات والإمكانيات ما يؤهله لذلك ( أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدنها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) . وهكذا تجاوز الهدهد وعيد سليمان عليه السلام واستطاع بعرضه الرائع المنطقي أن يفتح بلاد اليمن للإسلام وينهي ما بها من الشرك والوثنية ، لماذا ينتظر دعاة اليوم إلى الله تعالى حتى توسد إليهم المهمات أو لا يتحركون ؟! إننا اليوم بأمس الحاجة لذاتية الهدهد الذي انطلق وفق أهداف ورؤية دعوية واضحة بهمة وروح وثابة تتطلع لنشر الإسلام وتوسيع نطاقه . وإننا اليوم نريد الوعي الأمني والحضاري كنملة سليمان التي خشيت على قومها من دهس جنود سليمان وكانت أول من ابتكرت منهج الالتجاء للمساكن والتحصين بها ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) فأمنت أرواح بني جنسها فاستحقت بهذا الدور العظيم أن تذكر ، فهل ندرك خطورة هذه الإيجابية الذاتية في تقرير حياة الدعوة ونجاحها وحياة الأرواح والأوطان ؟ ونعرج في آخر المطاف على دور الفيل الذي أتى به الحبشي أبرهة لينال من بيت الله الحرام ويهدمه حتى يتسنى له صرف الناس إلى بيته القُليس وهي كنيسة بناها في صنعاء اليمن ودعا إليها العرب ليأتوها وينصرفوا عن البيت الحرام وإذا بهذا الحيوان الضخم وقد أتاه العربي الحر ( نفيل بن حبيب ) وهمس في أذنيه : ابرك محمود أو عد راشداً من حيث أتيت أنت في بيت الله الحرام . فما أن انتهى نفيل من مما قال حتى برك الفيل وأبى القيام إلا أن يوجهوه نحو اليمن أو الشام فيقوم نشطاً مسرعاً فإذا وجهوه تجاه البيت الحرام برك من فوره وصمد أمام كل أنواع الضرب والتنكيل والإيلام حتى أرسل الله عليهم الطير الأبابيل . أيعجز أحدنا أن يقوم بدور ينتصر فيه لدينه ووطنه ويكون إيجابياً تحركه الذاتية النابعة من حبه لله ولدينه وأمته ووطنه !! ليت أني ذلك الهدهد الذي سجل له القرآن قولته الإيمانية المجلجلة ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) أو ليت أني تلك النملة الوطنية الواعية الحاذقة الأمينة على قومها وأهلها ويسجل لها القرآن تحذيرها المتردد صداه بين ثنايا سورة النمل حتى تقوم الساعة ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) أ و ليت أني كذلك الفيل الذي أبركه تعظيمه للبيت الحرام ولم يهن أو يضعف أمام التهديدات وجميع أنواع التنكيل .
عبد الرحمن محمد أحمد الحطامي