الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٤ صباحاً

تهامة للجميع...

د . محمد حسين النظاري
الخميس ، ٠٧ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٢٩ مساءً

الحديدة عاصمة تهامة تلك المدينة المسالمون الودودون الطيبون أهلها، الذين كان لأهل اليمن قاطبة بسببهم فضل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الايمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان)، ولهذا فمن غير المستوعب أن نخرج كتهاميين عن هذا النهج المحمدي، وإن خرج عنه بعض أهلنا في مناطق اليمن المختلفة.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن لأهل تهامة حقوق لم ينالوها كاملة، ومطالب حقيقية لم يحصلوا عليها كغيرهم في المحافظات الأخرى، بالرغم من أن تهامة ترفد الاقتصاد الوطني بنسبة كبيرة من الإيرادات عبر المنتجات الزراعية وتصدير النفط واستيراد البضائع عبر المنافذ البحرية والجوية، ناهيك عن الضرائب والموارد المالية الاتية منها باعتبارها من أكبر المدن كثافة على مستوى محافظات الجمهورية.
من يستنكر ان يعبر التهاميون عن مطالبهم، فهو ينتقص منهم حقهم الطبيعي في التعبير عن أرائهم.. ولكن يبقى السؤال المهم كيف يتم التعبير عن ذلك الرأي؟ ومن خلال الاجابة على هذا التساؤل الهام نستطيع ان نصف طريقة التعبير باللائقة أم لا.. دعونا في البداية نتحدث عن التسميات التي خرج بها المطالبون عندما شكلوا الكيانات التابعة لهم، منهم من سماه بالحراك التهامي السلمي، ومنهم من سماه تهامة للجميع، ومنهم من اطلق عليه بملتقى ابناء تهامة... الخ.
مسميات عديدة وجدت لما يفترض ان يكون كياناً واحداً يجمعنا كتهاميين، لنا قضية مطلبية واضحة.. ولكن تعدد الجهات التي خرجت تتحدث عن تهامة في وقت قصير يدل على أن اهل تهامة انفسهم غير متحدين في الجهة التي ينبغي ان تقودهم، لاعتبارات عديدة، من منطلق هذا معي وهذا ضدي، وهذا من حزبي وذاك لا ينتمي إليه وهذا من منطقتي، وهذا كنا نعمل انا وإياه في مكان واحد... الى غير ذلك من الاعتبارات التي بدأ التهاميون –الغير منضوين في تلك الكيانات- يشعرون بها، وهذا ما شتت القضية التي هي اهم من كل تلك المسميات ومن يتزعمونها.
لن يزايد احد على تهاميتي، فأنا ابن تهامة مولود بها ومن ام تهامية، ترعرعت وتعلمت وعشت حياتي بها، واعرفها اكثر من الذين ظهروا بين عشية وضحاها ليتحدثوا عنها.. تكلمت في كل المنابر وكتب ما يربوا عن 20 مقالاً عن القضية التهامية، عندما كان البعض ينعمون في النعيم وما ان فقدوه حتى عرفوا ان لتهامة مطالب حقيقية... لهذا فكل تهامي معني بالقضية وليس انا أو غيري.. بل على العكس المساكين في تهامة هم أشد حبا وولائاً لها، لأنهم يكتوون بالنار ولم يروا شيئا من النعيم.
ان ما يحصل هذه الايام في الحديدة من حراك تهامي يبشر بالخير، فالناس قد قامت تطالب بحقوقها.. ولكن ما ينبغي الانتباه إليه، ألا ننجرف، أو بالأصح ألا يجرفنا البعض للتيار الذي يريده، بغية تحيق مآربه الشخصية فقط، وعندما تتحقق يعود للمربع الاول حينما كان يعيش بالنعيم.. القضية التهامية تحتاج منا ان نسوقها بصورة صحيحة، تحبب الناس فينا، وتجعلهم يساندوننا، لا أن نستعديهم علينا، ونجعلهم يقفون ضدنا، وهذا ما يدعوا اليه علماء تهامة.
القضية التهامية لا تعني اطلاقاً ان ادعوا للعصيان المدني وبالقوة، أو نذهب لطرد هذا المسؤول او ذاك بسبب انه ليس تهامي، فيما ينبغي المطالبة بتغييره ان كان غير كفؤ للوظيفة ولو كان من ابناء المنطقة، ولا تعني كذلك ان أصب جامّ غضبي على كل وافد اليها من صنعاء او تعز او حجة او غيرها من المحافظات، او أن ادعوا لمغادرة من عاشوا فيها طيلة عقود ماضية، فهذا السلوك هو محاكاة خاطئة لما يجري في الجنوب.. وعلينا ان نفرق بين ما يدعوا اليه الحراك الجنوبي، وبين مطالبنا، فهم كانوا دولة مستقلة لها كيانها ولهذا فطالبهم تختلف كلية عما خرجنا إليه... ولا ينبغي ان نسير خطوة خطوة فيما ذهبوا إليه.
اذا كان ساكنوا المناطق الجبلية قد فضلوا المجيء للحديدة بعد المناداة الغير منطقية في المحافظات الجنوبية، فإنهم سيعزفون عن النزول بها.. كيف لا وهم يرون نفس ما يحدث لهم في تلك المحافظات يتكرر بذات الصورة في تهامة.. ان هذا لا يساعد ان يتعاطى الاخرون بايجابية مع مطالبنا.
ان ما يحتاجه التهاميون يتلخص فيما يلي:
1. إعطائهم النسب التي تتفق مع حجمهم السكاني في الوظائف المدنية والعسكرية والأكاديمية والقضائية، وتفضيلهم –مع وجود الكفاءة- في ميناء ومنشئات النفط بالحديدة.
2. حصولهم على المقاعد الدراسية داخليا وخارجيا في التخصصات العلمية والإنسانية والعسكرية والرياضية، بما يتناسب والكثافة السكانية التي يتمتعون بها.
3. تعيين الكوادر المؤهلة منهم في المناصب الهامة كالوزارات و المؤسسات والأسلاك القضائية والأكاديمية، والدبلوماسية، والعسكرية، والإدارات العامة سواء داخل المحافظة نفسها، أو في بقية المحافظات بالنسبة للوظائف داخل الوطن.
4. الزام المصانع وكل من يفتح مشروعاً بتهامة ان يشغل الكفاءات من أبناءها، فمن غير المنطقي ان يجلب العمال من منطقته فيما يُحرم ابناء المنطقة الاصليون من العمل فيها.
5. تخفيض التعرفة المحتسبة على الكهرباء والمياه باعتبار المنطقة حارة وسكانها يستهلكونها بقدر كبير، مع تحسين خدماتها خاصة المجاري.
6. المحافظة على المدن التاريخية والآثار القيمة التي توجد في مختلف مناطق تهامة، ومساواتها على الاقل بغيرها، والحفاظ على وجود زبيد ضمن مدن التراث العالمي.
7. الاهتمام بقضية التعليم في كل المناطق التهامية، وليس على مستوى المحافظة فقط، فالمتسربون من التعليم في تهامة يفوقون غيرهم بكثير.
8. انشاء مؤسسة اعلامية على غرار الثورة في صنعاء والجمهورية في تعز وأكتوبر في عدن وباكثير بحضرموت.. مع تخصيص حيز معتبر للحديث عن اخبار وقضايا تهامة ضمن الوسائل الاعلامية الرسمية الاخرى.
9. توفير مستشفيات حكومية على قدر كبير من الجاهزية، حتى يستطيع المواطن التداوي بها، في ظل تنامي مخيف للقطاع الخاص في هذا المجال وتردي واضح للمرافق الحكومية.
10. إدخال القضية التهامية في محاور المؤتمر الوطني للحوار، باعتبارها لا تقل عن القضايا الاخرى المدرجة فيه.
إن تلك النقاط هي ما يحتاجها المواطن في تهامة، بعيدا عن فرض المناطقية التي تفرق بين افراد الشعب الواحد.. والدولة بدورها معنية بالتعاطي الفعال مع مطالب ابناء تهامة، حتى لا تسيطر عليهم اطراف اخرى تحرفهم عن مسارهم المطلبي... فالله الله يا ابناء تهامة، فالوطن يحتاج لأن تكونوا يداً واحدة تبني هذا الوطن بعيدا عن اي اغراض أخرى... فتهامة ستظل كما هي تهامة للجميع.
.أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
الثورة..