الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٤ مساءً

الآن بدأت تفهم !

د . أشرف الكبسي
الجمعة ، ٠٨ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:١٢ مساءً

مقال: ذهبت مؤخراً لزيارة صديق لي ، يقبع في غياهب الحجز (الإحتياطي) لحين البت في قضيته يوماً ما ، بعد أن أدار الزمن له ظهره بجفاء ، وعانقه الحظ العاثر بحرارة ، تماماً كما يفعل معنا جميعاً ، مع الفارق في أبعاد الزمان والمكان وحجم العناق. بجوار بوابة الدخول الرئيسية المتهالكة ، كان الحارس يجلس في (كشكه) الأكثر تهالكاً ، يلتهم أوراق القات في إيقاع سريع وشره ، ودون أن يقف استوقفني بتعنت حازم: وقت الزيارة انتهى ! بعد أن باءت محاولاتي بالفشل ، لإقناعه العدول عن قراره ، سألته ببراءة لا تخلو من خبث: هل يتوجب دفع رسوم للزيارة ؟ فجاءني رده سريعاً وحاسماً: الآن بدأت تفهم..!

صعدت السلالم المتسخة بأنواع المظالم ، وصولاً إلى بوابة الحجز الحديدية الصدئة ، حيث تجمهر العشرات بفوضى – وبعد انتهاء مواعيد الزيارة – يحشرون رؤوسهم وحناجرهم المتعبة ، في فتحات ضيقة ، هي الحد الفاصل بين حرية البؤس وبؤس الحرية... من الجانب الآخر ، علا صوت أحد النزلاء ، عارضاً خدماته ، بالنداء الصوتي (العالي) على من جئت لزيارته ، مقابل أن أفهم ..!

في مجتمع الفساد ، أينما ذهبت ، وأياً كانت حوائجك التي ترغب قضائها ، وسواءً أكانت مشروعة أم لا ، لابد أن تعي الدرس جيداً ، فإما أن (تفهم ) وتدفع ثمناً قد لا يخلو من انتقاص لقيمك وفضائلك ، أو أن (لا تفهم) فتعود أدراجك خالي الوفاض ، منتقص الحقوق ، ودون أن تفهم.
لم يدرك صاحبي في سجنه ، أنني وإياه سجينان على حد سواء ، وأن حرية العبور وتجاوز الحواجز ، ومن الخارج إلى الداخل أو العكس ، رهن – في كثير من الأحيان – فقط بقدرتك على تقديم التنازلات ، والإجابة على سؤال واحد: هل بدأت تفهم !