الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٧ صباحاً

الديوان الاخضر بالضرائب

عصام مصلح مهدي
الجمعة ، ١٥ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠١:٥٨ مساءً

الديوان الأخضر وطبقة النبلاء
ربما قد يتبادر إلى ذهن البعض أن هذا الديوان هو أحد مخلفات معمر القذافي في ليبيا أو في سرت ، تماشياً مع الكتاب الأخضر والعلم الأخضر ، ولكنه ليس كذلك ، فهذا الديوان يشبه إلى حد كبير دار الندوة التي كانت تعقد فيها قريش اجتماعاتها وتحيك وتدبر مؤامراتها على المسلمين ، للأسف أن هذا الديوان موجود لدينا في مصلحة الضرائب ، ففي هذا الديوان يتم تناول القات الأخضر الفخم (طبعاً فخم لأن من يقتات به هم من طبقة النبلاء في مصلحة الضرائب ) وفي هذا الديوان يتم صرف معظم اعتمادات الوحدة التنفيذية لكبار المكلفين من بند الإضافي خاصة ، والذي لا يصرف معظمه إلا لمرتادي هذا الديوان ، وهم نفس الأشخاص الذي يرتادون هذا الديوان كل يوم ، فبند الإضافي بحسب كشف الحساب الختامي لعام 2012والمصرح به يبلغ (76,173,000 ريال) وهو المصرح به لديوان عام المصلحة وكبار المكلفين ، بالطبع أن جزء ليس بالبسيط من هذا المبلغ ، يصرف لمرتادي هذا الديوان كل شهر ، قد يقول البعض أنه إذا كان هذا هو مبلغ الإضافي فقط ، فهو قليل جداً ، ولكني أقول أنه كثير وكثير جداً لأنه لا يصرف إلا لمجموعة بسيطة من الموظفين من الطبقة الراقية (طبقة النبلاء) وجزء يسير ضئيل جداً يصرف لعدد بسيط من الموظفين الذين يستحقون بدل إضافي مضاعف ، وهم العاملين الحقيقيين بعد العصر ، فهم يعودون للعمل في مكاتبهم ، وليس لتناول القات في الديوان الأخضر ، ولؤلئك الذين يزعمون أن هذا المبلغ قليل جداً ، أقول لو أن هؤلاء النبلاء اكتفوا بذلك وتركوا بقية البنود للموظفين المساكين لكنا في خير ولكن ، هناك بنود أخرى كثيرة تصرف للنبلاء من مرتادي الديوان الأخضر ، وهي تتنوع في الحسابات الخاصة ، فمثلاً هناك كشف المميزين ، وهو عبارة عن مكافأة تصرف للنبلاء من حساب الغرامات ، هذا الحساب الذي كان يصرف لكل الموظفين بلا استثناء كل شهر أو كل ثلاثة أشهر في عهود المدراء السابقين (مع صرف مكافأة استثنائية للموظفين المتميزين الحقيقيين) ، لم يعد يصرف منه في هذه الأيام إلا مكافأة العيدين التي توزع لكافة الموظفين ، أما بقية أيام السنة فتذهب هذه الغرامات إلى كشف المميزين ،أقول وأكرر ( المميزين وليس المتميزين ) فهناك فرق بين الإثنين ؛ فالمميز يتم تمييزه لأن هناك من يريد تمييزه ، أما المتميز فهو من يثبت تميزه عن الكل بعمله وبجهده وكفائته ، علماً بأنه وحسب كشف الحساب الختامي فقد بلغت النفقات الفعلية من بند المكافآت والحسابات الخاصة خلال عام 2011م والتي تم صرفها في الديوان العام لمصلحة الضرائب و الوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين (2,411,302,469 ريال) بمعنى أن قرابة المليارين ونصف ريال يمني صرفت في عام 2011 على الموظفين البالغ عددهم (1774موظف ) في الديوان والوحدة التنفيذية لكبار المكلفين فإذا كان متوسط المكافأة الشهرية للموظف في عام 2011 (50,000 ريال على الأكثر)فمعنى هذا أن إجمالي ماتم صرفه لكافة الموظفين (مليار وأربعة وستون مليون ) بينما ما تم توزيعه على طبقة النبلاء هو أكثر ( من مليار وثلاثمائة مليون ) ، فلو تم جمع هذه المبالغ وإضافتها في بند المرتبات والأجور لكل الموظفين ، لتضاعف مرتب الموظف إلى أربعة أضعاف ؛ لأنها ستوزع عليهم بعدالة كاملة .
بالطبع أن لمرتادي الديوان الأخضر نصيب كبير من هذه المبالغ في عام 2011 ، وأنهم لهم نصيب أكبر في عام 2012 ونخشى من استمرارية طغيانهم في عام 2013م ، بعد أكثر من عامين تقريباً من قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية ، وبعد أكثر من خمسين عاماً على قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، التي كان الهدف الأول من أهدافها (إزالة الفوارق بين الطبقات ) ، وللأسف أن طبقة النبلاء مازالت تتناول القات في الديوان الأخضر وغيره من الدواوين المشابهة له ، لتستولي على مقدرات هذا الشعب ، ثم تفكر في ابتكار آليات وقوانين وأنظمة خاصة تستولي بها على بقية مستحقات الموظفين ، مثل نظام التقييم الذي ابتكر خصيصاً لملاحقة المأمور الضريبي ، ففي كل شهر يتم خصم جزء كبير من مستحقات هذا الموظف بحجة عدم الإنجاز ، وهو ما يخالف قوانين الخدمة المدنية وتشريعاتها والتي تم مناقشتها في مقال سابق ، فإلى متى يستمر الديوان الأخضر ، وإلى متى يستمر مرتادوه في أكل حقوق الموظف وسحقه ، وإلى متى يصبر الموظف على هذا الظلم ، لا أعتقد أن الوقت سيطول لتنتهي هذه المؤامرات على الثورة وجيل الثورة ،والتي ينفذها ويخطط لها أتباع النظام السابق في كل مرفق حكومي ، وصدق الله تعالي القائل " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ، وهنا أحب أن أختم بأبيات الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني في قصيدته عتاب ووعيد – التي قال فيها :-
لماذا لي الجوع و القصف لك ؟ يناشدني الجوع أن أسألك
و أغرس حقلي فتجنيه أنـت ؛ و تسكر من عرقي منجلك
لماذا ؟ و في قبضتيك الكنوز ؛ تمدّ إلى لقمتي أنملك
و تقتات جوعي و تدعى النزيه ؛ و هل أصبح اللّصّ يوما ملك ؟
لماذا تسود على شقوتي ؟ أجب عن سؤالي و إن أخجلك
و لو لم تجب فسكوت الجواب ضجيجٌ ... يردّد ما أنذلك !
لماذا تدوس حشاي الجريح ؛ و فيه الحنان الذي دلّلك
و دمعي ؛ و دمعي سقاك الرحيق أتذكر " يا نذل " كم أثملك !
فما كان أجهلني بالمصير و أنت لك الويل ما أجهلك !
غدا سوف تعرفني من أنا و يسلبك النبل من نبّلك