الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥١ مساءً

خارج المكـــــــــان

جلال غانم
الاثنين ، ١٨ مارس ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٢ صباحاً

إن كتابة الواقع من خارج أسوار المكان , من خارج البطولات والعذابات الأولى يحمل أكثر بوح ذاتي وإنساني , خاصة عندما نرى في هذه البدايات جُزء من تشكيل الوعي , جُزء من العيش بتشظي الواقع وبمرارات البقاء والشتات .
ما هي ردة فعلك وأنت تقرءا سيرة ذاتيه كي تتخلص من كُل ما تحمله من عبئ في ذاكرتك , عندما تُفرغ كُل همومك , عندما تريد أن تصرخ بهدوء رفضا لكل سياسات القمع والقوة والظلم , ما موقفك وأنت ترى كُل ذلك يتجسد في سيرة إدوارد سعيد الكاتب والمُثقف العربي والفلسطيني المتنقل بين مدينة القُدس والقاهرة وجامعة كولومبيا الأمريكية .
خارج المكان هي السيرة الذاتية لــــ إدوارد سعيد والتي نالت إعجاب النُقاد والمُثقفين في الشرق والغرب كتتالي لسلسة نجاحات كتاب الاستشراق .
فكُتبت هذه السيرة دفاعا عن الحياة مُقابل الموت , دفاعا عن الصُراخ مُقابل الصمت والتواري خلف سرير المرض فكانت عند المُستوى ونالت العديد من الجوائز العالمية كــ جائز نيويورك لفئة غير الروايات وجائزة أنيسفيلد لفئة غير الروايات أيضا وغيرها .
فـــ عندما تقرءا إدوارد سعيد بكُل مُذكراته وميوله لقول الحقيقة فأنت تقرءا الإنسان بكل أبعادة الفكرية والأيدلوجية , تقرءا القضية الفلسطينية بأبعادها الحقيقية وتقرءا غباء الحكومات العربية وتعامُلاتها مع شُعوبها على أنهم فائض عن الحُكم , تقرءا كُل أسباب التخلف والإخفاقات المرافقة للثورات , وتقرءا إرهاصات المراحل التاريخية لهذا الحاكم ومدى قُدرته على خلق بيئة مُناقضة لكل ما هو حقيقي .
خارج المكان مرآه حقيقية تعكس مدى تشبُثنا بالتاريخ , بالمُنعطفات المُهمة في حياتنا , بالتفاصيل التي منحتنا ذات يوم قُدرة على مُناهضة كُل أشكال الحياة السيئة .
وهذا التشابك في عُنف الحياة وتناقُضاتها ما بين الطالب المُشاغب , إلى نُكران حُصوله على شهادة في مدينة القُدس إلى مُقابلته ثقافات عدة في بلد العم سام أمريكا أدت إلى تربعة على رأس الأكاديميين الغربيين لدراسة الثقافة الغربية والإستشراق .
شُعوبنا اليوم مُحتاجه لأكثر من سيرة ذاتية , لأكثر من مكان لسرد كُل تفاصيل الحقيقة , ولتعرية كُل إشكال الخداع , وتحتاج لأكثر من أي وقت مضى لأكثر من صوت أدبي وثقافي وفكري , وتحتاج لإدوارد سعيد لعصر ما بعد الخواء الثوري , عصر التكتلات والتشابُكات في المصالح والتي تُؤدي إلى مُمارسة القوة والعنف وإلصاقها باسم الله , وضد مشاريع الحياة والإنسان المُسالم الباحث عن الحياة الهادئة والوديعة .
أكثر من مكان , وأكثر من سيرة ذاتيه , أكثر من إعاقات ثقافية تحتاجه هذه الشُعوب للمضي في طريق تأسيس دولة الحُريات والديمُقراطية التي لا تتنافى مع حُريات الأفراد وتوجهاتهم .
فهل يا تُرى بعد مضي أكثر من عقد من الزمان على مُذكرات إدوارد سعيد تتحقق كُل سياسات القوة , كل الثورات الحالمة والصارخة بنفس المُنعطفات التاريخية لما بعد عصر الاستعمار الثني ..؟
هل نحن نسير باتجاهات وطُرق أكثر أمانا ...؟
ما هو دور المُثقف اليوم في صياغة مُستقبل هذه الأوطان ...؟
وهذا المُستقبل عندما يتم إلصاقه اليوم بنفس الأوغاد ونفس آلات النفخ من يا تُرى بعد كُل هذه التضحيات , بعد كُل هذه الثورات يقوى على البُكاء مرة أخرى , من يقوى على الإيمان بضرورة التحلي بالصبر والأمل .....؟
وهل نحن فقط خُلقنا أمام كُل هذا القُبح لنتأمل ولنحلم فقط ...؟
أم أننا خُلقنا لنعترض كما قالها مكسيم غوركي ذات يوم ..!
هذه هي السيرة الذاتية لشعوبنا والتي نحتاج لفك كُل طلامسها كي نستطع أن العيش في مُجتمعات مُسالمة وأكثر قُدرة على فهمنا ومنحنا مزيدا من الأمان والسلام الاجتماعي الكامل .