الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٤ مساءً

المشاركة المجتمعية في الحوار الوطني

د. عبدالله أبو الغيث
الاثنين ، ١٨ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٨ صباحاً

المشاركة المجتمعية في إنجاح الحوار الوطني لا تقل في أهميتها عن الحوار الرسمي الذي سيدور في أروقة مؤتمر الحوار، لأنه من الأهمية بمكان أن يتم تهيئة المجتمع لتقبل مخرجات مؤتمر الحوار، فبدون تهيئة المجتمع لقبول نتائج الحوار سنكون في حوارنا كمن يغرد خارج السرب.
والتهيئة التي نقصدها تتمثل بتكريس ثقافة الحوار لدى المجتمع، والتسليم بأن الحوار هو طريقنا الوحيد والآمن لإخراج الوطن اليمني من المشاكل التي باتت تحدق به، بما يعنيه ذلك من تعميم لثقافة التعايش والتسامح والقبول بالآخر، على أساس الشراكة الوطنية في السلطة والثروة، وفقاً لمبادئ العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، ورفض سياسات الاقصاء وادعاء احتكار الحقيقة.. ساعتها فقط سنعرف بأن اليمن سيتسع لكل أبنائه؛ بكل انتماءاتهم السياسية والمذهبية والمناطقية والقبلية والفئوية، وستعم خيراته لتشمل الجميع.
وعندما نتحدث عن المشاركة المجتمعية في انجاح الحوار الوطني إنما نعني بأن تُفعِل فئات المجتمع اليمني - بمختلف تكويناتها- طاقاتها القصوى خلال فترة مؤتمر الحوار، بحيث تصبح بمثابة فرق مساندة لأعضاء مؤتمر الحوار، من أجل إخراج اليمن من النفق الذي تردت فيه، وإيصالها إلى بداية طريق آمن يدفع بها صوب مستقبل زاهر.. وتتمثل أهم هذه الفئات بالتالي:

منتسبو المؤسسات الحكومية
تقع على عاتق مسؤولي المؤسسات العامة للدولة اليمنية مهمة توعية منتسبيها بالحوار وأهميته، بحيث تُعقد في إطار وزارات الدولة ومصالحها الحكومية محاضرات توعوية بأهمية الحوار، الأمر الذي سيجعل من موظفي الدولة بمثابة فرق توعي الناس بأهمية الحوار في إطار محيطهم الاجتماعي؛ خصوصاً أن الموظفين في اليمن ينتمون إلى مختلف الشرائح الاجتماعية.
وينطبق ذلك أيضاً على قواتنا المسلحة والآمن، بحيث تعد التوعية في إطارها بأهمية الحوار وتقبل نتائجه فرض واجب، لأن قوات الجيش والشرطة ستكون هي الضامن الأول لتنفيذ نتائج مؤتمر الحوار، بوقوفها أمام أي قوى ترفض الاحتكام لنتائج الحوار إن لم ترق لها وتقرر اللجوء إلى وسائل أخرى بعيدة عن الحوار.
أما الوحدات الادارية للدولة في المحافظات والمديريات فدورها جد مهم، لأن منتسبيها ينتشرون في عموم الرقعة الجغرافية للدولة اليمنية، وتتمثل مهمتهم بالترويج للحوار ومخرجاته، خصوصاً في المجتمعات الريفية القصية التي تروج فيها الشائعات، وذلك من أجل منع القوى الرافضة للحوار من بث سمومها في إطار تلك المجتمعات؛ مستغلة بساطتهم وعدم متابعتهم للأحداث التي يمر بها الوطن اليمني.

الأحزاب والتنظيمات السياسية
يجب أن لا تكتفي الأحزاب والتنظيمات السياسية بمهمتها الحوارية في إطار مؤتمر الحوار، بل عليها توعية أعضائها وأنصارها بالحوار، وتكليف فروعها وخلاياها للترويج للحوار في الأطر المجتمعية، وسيتحتم عليها من أجل ذلك أن تترفع خلال اللحظة الراهنة والحرجة التي يمر بها الوطن اليمني فوق مصالحها الآنية والأنانية، وأن تحصر تفكيرها في إخراج الوطن إلى طريق آمن.
بحيث تؤجل – ولا نقول تتخلى – مشاريعها الخاصة ورغباتها في المحاصصة والتقاسم ، وتجعل من إنجاح مؤتمر الحوار مهمة مقدسة لها، لأن فشل مؤتمر الحوار سيقودنا إلى هاوية من التناحر والتشظي، وساعتها لن تجد تلك القوى ما تتقاسمه إلا الخراب والدمار، ومآسي ستتحمل وزرها أمام الله والناس والتاريخ.

منظمات المجتمع المدني
أصبحت منظمات المجتمع المدني تلعب دور مهم في صناعة ثقافة المجتمع؛ خصوصاً في العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية، وذلك يلقي على عاتقها جزء من مهمة إنجاح مؤتمر الحوار، بحيث تخصص نشاطاتها في فترة الحوار الوطني لمساندة عملية الحوار، وذلك بإقامة الندوات التخصصية؛ سواء لأعضائها فيما يخص الاتحادات والنقابات المهنية، أو لعامة المجتمع بالنسبة للمنظمات والهيئات الحقوقية والجماهيرية.
ولا تخفى المهمة التي يمكن أن تقوم بها الجمعيات التعاونية والخيرية بهذا الخصوص، فأهميتها تكمن بأنها تنتشر في المناطق الريفية، وتصل إلى أماكن لا تتواجد فيها منظمات المجتمع المدني الأخرى.

العلماء والخطباء
يتصف المجتمع اليمني بالتدين، الأمر الذي يجعله يتقبل من العلماء مالا يتقبله من غيرهم، وذلك يحملهم مسؤولية تاريخية أمام الله والناس، بحيث يوضحون للناس أهمية الحوار من حيث كونه فريضة شرعية ووطنية.
وهو ما يجعلنا نتوقع من العلماء والخطباء والوعاظ تخصيص خطب الجمعة في الأسابيع القادمة، وكذلك دروسهم الوعظية بين الصلوات لإقناع مريديهم بالحوار وأهميته، فذلك أهم وأنفع وأجدى للأمة من التنابز والصراع السياسي والمذهبي الذي صرنا نراه يطل بقرونه من على منابر بعض الجوامع، وصار يهدد بتفتيت الأمة وإشعال نار الصراع بين أبنائها.

أساتذة الجامعات والمدارس
أساتذة الجامعات هم خبراء الأمة وعلماءها المتخصصين في مختلف علوم الحياة، وهم أهل الذكر في تخصصاتهم، فمنهم أساتذة الشريعة والقانون والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا وغيرها من التخصصات التي سنعتمد عليها ونحن نصيغ مستقبل حياتنا في مؤتمر الحوار، ويفترض أن تتشكل منهم الفرق المساندة لمختلف أطراف الحوار لتكون على بينة من أمرها فيما تقرره.
وعلى أساتذة الجامعات والمدارس تقع مسؤولية توعية طلابهم بالمشاكل التي يمر بها الوطن اليمني، وكيف أن الحوار هو وسيلتنا المثلى للخروج منها، الأمر الذي سيجعل من الطلاب يتولون مهمة توعية أسرهم بأهمية الحوار، خصوصاً أن الجامعات والمدارس باتت تنتشر في مختلف ربوع الوطن، وما من بيت إلا وله طالب يدرس في هذه الجامعة أو ذلك المعهد وتلك المدرسة.

أهل الأدب والفن
الأدباء والفانون لهم جمهورهم الذي يتابعهم، وذلك يجعل من مهامهم الوطنية خلال هذه الفترة توعية الناس بالحوار، بحيث نرى القصائد الشعرية الرسمية والشعبية التي تمتدح الحوار وتوضح مزاياه، وكذلك الأغاني والتمثيليات التي تمجد الحوار وتهيئ المجتمع لتقبل نتائجه.
ويدخل في ذلك أيضاً الوسائل الأدبية والفنية الأخرى؛ مثل المسرحيات والرسومات التشكيلية والكراكتورية، وأيضاً الفعاليات والمهرجانات الأدبية والفنية التي تقيمها الجهات المختصة العامة منها والخاصة بغرض الترويج لإنجاح الحوار.

الأندية الرياضية والشبابية
تنتشر الأندية الرياضية والشبابية بمختلف درجاتها في ربوع المحافظات اليمنية، ولها تأثيرها خصوصاً بين الأوساط الشبابية، والشباب هم مستقبل الأمة الذي نتحاور من أجل تأمين حياتهم القادمة، وذلك يلقي على عاتقهم مسؤولية كبيرة لبذل قصارى جهودهم من أجل انجاح مؤتمر الحوار الوطني,
وعلى الأندية الرياضية العمل بطاقة قصوى فيما يخص نشاطها الثقافي، الذي نريد منها أن تخصصه في اللحظة الراهنة للحوار وإنجاحه. وكم سيكون رائعاً لو تبنت بعض الجهات إقامة مباريات بين الأندية تكون مهمتها الترويج لثقافة الحوار في مختلف المحافظات اليمنية.

المشائخ والوجهاء
مشائخ القبائل والمناطق مع وجاهاتها الاجتماعية هم جزء من ثقافة المجتمع اليمني، ويرتبط بهم قطاع واسع من أبناء الشعب، وذلك يجعلنا ننتظر منهم أن يقوموا بدور ريادي في التوعية بأهمية الحوار وإقناع الناس بمخرجاته.
بحيث تتحول دواوينهم وجلسات مقيلهم إلى مؤتمرات مصغرة للحوار، بدلاً من انشغالها بكلام مكرر وممل، ويمكنها استضافة أهل الاختصاص ليوضحوا لمرتاديها أهمية الحوار لصياغة مستقبل آمن لليمن وشعبها.

الوسائل الاعلامية
الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية صارت وسيلة الناس لمتابعة أخبار الشأن العام، ولذلك فمن الأهمية بمكان أن تفسح خلال فترة الحوار الوطني مساحة واسعة من برامجها لتغطية الحوار والتوعية بأهميته.
ولا تقع تلك المهمة على عاتق الوسائل الاعلامية المملوكة للدولة فقط، لكنها تمتد لتشمل الوسائل الاعلامية الحزبية والخاصة، فإنجاح الحوار مهمة تاريخية تقع على عاتق الجميع، وهي مسؤولية سيحاسبنا عليها التاريخ أمام أجيالنا القادمة.. والتاريخ لا يرحم ولا يعرف المجاملة.

رجال المال والأعمال
تأخيرنا لرجال المال والأعمال إلى آخر القائمة لا يعني التقليل من دورهم، لكنه من باب ختامه مسك، فكثير من الفئات السابقة لن تستطيع القيام بدورها في خدمة الحوار من غير توفر الدعم المادي من رجال المال والأعمال، فالمال هو الدينمو الذي يحرك هذا النشاط أو ذاك.
ومن بداهة القول أن رجال المال والأعمال لا يفعلون ذلك كهبة أو صدقة منهم، لكنه واجب وطني يلقى على عاتقهم، وقبل ذلك هم يحمون أنفسهم واستثماراتهم بدعمهم للأنشطة الداعمة لإنجاح الحوار، لأن فشل الحوار سيعني دخولنا في مرحلة صراع ينعدم فيها الأمن والاستقرار، وهم يعلمون بأنهم الخاسر الأكبر في مثل هكذا وضع.

خلاصة القول
إن تكاتف جميع أبناء الشعب اليمني بمختلف قطاعاته وفئاته هو وسيلتنا لإنجاح الحوار الوطني، ونجاح الحوار هو نجاح لجميع أبناء الشعب اليمني، وتأميناً لحياتهم، وازدهاراً لمستقبلهم. وواهم من يظن أن بإمكانه أن يختزل اليمن في تياره أو حزبه أو جماعته من دون الآخرين، فمن أراد أن يستأثر بكل شيء لنفسه سيكتشف أنه قد خسر كل شيء.. ولكن بعد فوات الأوان.
ولا ننسى أن سفينة الوطن تقلنا جميعاً على متنها، وخرق البعض لها سيؤدي إلى غرق الجميع، وبنجاتها ووصولها إلى بر الأمان سينجو الجميع.. وهو ما نأمل أن يخرج به مؤتمر الحوار الوطني بجهود الجميع.