السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٠ صباحاً

الخطاب السياسي بين الحوار والخمار !

د . أشرف الكبسي
الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٠٥ صباحاً
مازالت العقلية السياسية كما كانت منذ عقود لم تتغير ، تقدم مشاريعها للجمهور ، مخاطبة رغباته ومخاوفه لتسوقه ، لا عقله وضميره لتقوده ، فالمبادرة والانتخابات الرئاسية المبكرة ، وصولاً إلى الحوار ، ليست – في حقيقتها- أكثر من مجرد أدوات ووسائط ، لها بدائلها وتحتمل – كغيرها- النجاح والفشل ، وليست – قطعاً - الممكن الأوحد والوحيد ، حتى يتم توصيفها ، وفي كل مرة – وعبر استغلال الذاكرة القصيرة للشعوب – بالفرصة الأخيرة في قدر المصير الوطني الجامع (نكون أو لا نكون) ، ليصبح نجاحها – تضليلاً - نجاحاً أسطورياً للوطن ، وإخفاقها – لا سمح الله – فشلاً يهدد بتلاشي البلاد والعباد عن الخارطة.

لطالما تعاطا الخطاب السياسي – وما يزال - مع (الوطن) باعتباره ورقة رهان يضعها كل مرة على طاولة القمار السياسي ، موظفاً الماكنة الإعلامية ، للترويج الزائف ، والدعاية الخادعة ، عبر تحريك الشعور الجمعي (اللاواعي) ، وسوقه - ترغيباً وترهيباً- في اتجاه أحادي قطعي لإنجاح رؤية أو ممارسة سياسية قائمة بذاتها ، وإعادة إنتاج مباركة شعبية (قسرية) لكل ما تتبناه وتقوم به – دون أن تتحمل مسؤوليته - نخب السياسة والنفوذ.

من المؤكد أن هذه البلاد وشعبها (ثابت) وأن التجارب والممارسات والأفراد (متغير) ، وإذا كان مشروع الحوار الوطني الشامل (لقوى النفوذ) ، يمثل بالفعل مخرجاً للكثير من الأزمات ، وحلا للعديد من العقبات ، فإن علينا – وبالرغم من كل آمالنا وأمانينا –التخلي عن (النعامة) التي تسكننا ، ومواجهة مشكلاتنا وتحدياتنا ، باعتبارها نتاجاً لممارساتنا وأخطائنا ، لا قدراً مكتوباً علينا ، وأن نتساءل: هل يمكن لهذا المشروع (التحاوري) أن يفشل – كلياً أو جزئياً – في تحقيق تطلعاتنا ؟ وإن حدث ذلك ، فهل سنرفع بالتسليم أيادينا ، ونبدأ نزوحاً كونياً ، وهجرة جماعية على غرار ما حدث بعيد انهيار السد؟
كي لا يتحول الحوار الراهن – على أهميته - إلى (خمار) يحجب عنا حقيقة ما جرى ويجري وسيجري ، وحتى لا يصبح محطة تالية في مسار خيبة الظنون المتلاحقة ، ينبغي النظر إليه باعتباره محاولة أخرى لا أخيرة ، وتبني خطاباً سياسياً إعلامياً مغايراً ، يضع الأمور في نصابها ، ويسمى الأشياء بمسمياتها ، خطاباً يعتمد الموضوعية في طرح المشكلات ، والمصداقية في تقديم الحلول بوصفها مقترحات وبدائل ممكنة - بل ومؤلمة أحياناً - تحتمل الصواب والخطأ ، لا نتائج ومصائر ملزمة ، فالنتائج ليست رهناً فقط بما تفرضه التوقعات، وتقتضيه الرغبات ، ولكن بحجم العمل على استعادة الثقة والصدق في تحمل المسؤوليات..!