الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٧ مساءً

تاملات عامين في احداث سورية

عبدالوهاب الشرفي
الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:١٢ مساءً

مقال: بعد عامين من الصراع في سورية لا يمكن ان يستمر القول بان ما يحدث هناك هو ثورة شعب على النظام , فلم ينشقّ جيش ولم تنشقّ حكومة ولم تتفلّت اجهزة الدولة ولم تنشق دبلوماسية . وببساطه اما ان الجيش والحكومة بأجهزتها والدبلوماسية بأعضائها هم من الشعب السوري وبالتالي فالشعب السوري لم يثرّ على النظام او بعبارة اكثر دقه لم تثرّ غالبيته العظمى على النظام , او ان الجيش والحكومة بأجهزتها والدبلوماسية بأعضائها من الصين الشعبية وحينها لا يحتاج من يقول بهذا القول الى نقاش وانما الى مصحة عقلية .

بعد التصريحات الرسمية من استراليا ومن فرنسا والتصريحات من جماعات التطرف في الاردن وفي ليبيا وفي تونس و في مصر والتسريبات من جماعات في تركيا و السعودية وقطر واليمن وحتى من صربيا بان مواطنيهم يشاركون في معارك سورية , لا يمكن القول بان من يثور هم الشعب السوري او نصفه او ربعه او حتى ثمنه , فثمن الشعب السوري هم 3مليون مواطن , لو وجد فيهم فقط 100,000 مقاتل لكان ما يسمى بالجيش الحر قد اكتفى بهم ولا حاجة له في فرد واحد من غير السوريين .

لا يمكن الحديث عن " جيش " حر وعن ألوية وكتائب , وعن اسقاط طائرات واقتحام مطارات و مواجهات و تفجيرات , وعن مهاجمة معسكرات ومبان حكومية وقصور رئاسية , وعن " سيطرة " على شوارع و أحيا وبلدات بل ومدن , وفي ذات الوقت الحديث عن نظام يقتل مواطنين ثوارا لا حول لهم ولا قوة ويجب الدعاء لهم بالنصر وبتفريج الكرب .

لا يمكن ونحن لا نرى حضور يذكر لمن يقال بانهم قيادات " الثورة " السورية في الخارج , ونراهم يشكّلون ويستبدلون لأكثر من مرة , و نرى ان الحضور الابرز في تلك الاحداث هو لتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وقطر والسعودية ومصر , ان تقبل عقولنا بأن تلك الاحداث هي " ثورة " فضلا عن ان تكون " وطنية "و لا دخل للخارج بها , ولا يمكننا حتى ان نضعها ضمن " باقة ثورات " ما يسمى بالربيع العربي وعلى علّات ذلك الربيع .

كيف نقبل الحديث عن السعي لحريات السوريين ولرفع معاناتهم من النظام ووقف الظلم الواقع عليهم منه , ونحن نرى من يتحدثون عن ذلك يمثلون طرف في معارك ومواجهات تتم داخل الاحياء وفي الشوارع وبين المنازل و من داخلها , ونرى القتل والدمار والخراب والتهجير والترميل والإيتام وتعطيل كامل لحياة اغلب السوريين نتيجة تلك المعارك . وكيف " نبلع " الحديث عن جهاد وعن معارك مقدسة وشهادة في سبيل الله وعن ضمان الجنة و" احياء عند ربهم يرزقون " وعن حور عين , ونحن نعرف ان الصراع هو بين طرفين كلاهما مسلم , و نعرف ان نبي الاسلام صلى الله عليه واله وسلم قد قال " للمؤمنين " " اذا إلتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" , و قال " للمؤمنين " عندما اراد ان يبعث سريّه " سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله. لا تغلوا و لا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها " وهولاء قد فعلوا او تسبّبوا في فعل كل شيء من ذلك .

لا يقنعنا القول بان استخدام السلاح كان ردا على قمع النظام للشعب السوري في بداية " الثورة " التي كان قد خرج فيها للمطالبة بحريته وحقوقه سلميا كما خرج غيره في بعض الدول العربية . وما رأيناه في تونس وليبيا ومصر واليمن , وما نراه في الاردن والبحرين والجزائر والمغرب , هو مواجهات بين افراد امن او جيش وبين المواطنين , رأيناهم يتدافعون ورأيناهم يتلقون الغازات ومسيلات الدموع ورأيناهم يواجهون الرصاص الحي ويداسون تحت العربات , وراينا المصفحات وسيارات الاطفاء والعربات المدرعة , ورأيناهم حتى وهم يحرقون منها او يقلبونها , وعبر الفضائيات كنّا نرى قيامات قائمة , وكانت بالأسابيع و بالشهور والبعض منها جاوز العام . بينما لم نرى شيء من ذلك في سورية , وكل ما رأيناه هو مجموعات " تتنطّط " ولوحات كتب عليها اسم مكان في سورية وعليها تاريخ ما , وصوت يقرا تلك اللوحة ليس حتى من بين " المتنططين " . كما اننا لم نرى حشدا " للشعب السوري الثائر " كالحشود التي رأيناها في غيرها من دول العرب , بما في ذلك حشود شعب البحرين الذي عدد مواطنيه مليونا واحدا مقابل 23 مليون هم مواطني سورية .

تنبذ فطرتنا تصوير البعض بكثير الفتاوى وكثير الخطب والرسائل وكثير الاناشيد ان ذلك الصراع في سورية منطلق من دين الله ,وانه "جهاد في سبيل الله " لتحرير سورية من نظام بعثي علماني واحيانا " علوي " , وهناك ارض من اراضي المسلمين مغتصبة ومدنّسة ولم تحظى بالفتاوى والفعاليات " التجّهيدية " التي حظيت بها سورية " المحتلة " ؟! , وكانت فلسطين المحتلة فرصة أتيحت للبعض لعشرات السنوات لم يفكروا في اقتناصها لمره وحدة , في الوقت الذي اقتنصوا اول فرصة لاحت لهم في اخوان لهم ومسلمين مثلهم .و لم يعنوا بالجهاد في فلسطين كما عنوا " بالجهاد " اليوم في سورية , و لم يهلّلوا لحفر انفاق الى القدس كما هلّلوا للأنفاق الى دمشق .

لا يمكن لمن تسانده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطرو تركيا ومصر وغيرها كثير ان يعلق خيبته على مساندة روسيا وايران والصين للنظام السوري , ونحن نعرف ان روسيا والصين وايران لم تقف لتمنع مرور ما يسمى بثورات الربيع العربي في اي بلد , بل ايدتها جميعا دون استثناء . ونحن نسمع أيضا ذات الحديث عن دور ايراني في البحرين , ولعامين لم نرى الثوار هناك قد كسروا زجاجا لمنزل , بينما من يساند هولاء قد خربوا بهم كل سورية الا قليل .
لا يمكن القبول بان " الثورة " تسير الى الامام وانها تحقق انجازات يوما عن يوم وان الجيش الحر قد سيطر على احياء وشوارع وبلدات وعلى معسكرات ومطارات ومقرات ونحن نسمع ان المعارك والمواجهات تتكرر في كل الاماكن التي يتم الحديث عنها , ونرى الجيش الحر كل ما دخل على غرّة الى مكان فر منه بعد مواجهات مع الجيش السوري الى مكان اخر وهكذا , ولم يسيطر الجيش الحر على شيء ولكنه شارك او تسبّب في خراب كل شيء في سورية .
الاحداث في سورية هي تلاقي لأطراف متعددة و " توليفة " من اهداف مختلفة . واقل تلك الاطراف حضورا وأولوية هم " مجموعة السوريين " فيها . فهناك اهداف للكيان الاسرائيلي ينفذها بنفسه وبحليفه الذي لا يفوت فرصه الا وتعهد جهارا نهارا بالتزامه بضمان أمن ذلك الكيان , ذلك الامن الذي تهدّده سورية بعدم إنخراطها في عملية التطبيع معه , ويهدّده التحالف القائم بين النظام السوري وبين " العدو المزعج " للكيان الاسرائيلي - ايران - وهو الحلف الذي يرى فيه الكيان الاسرائيلي تواجدا لإيران على حدوده ويسعى من خلال تلك الاحداث الى إسقاط النظام وكسر ذلك الحلف .

وهناك اهداف للولايات المتحدة التي ترى في حلف المقاومة - الذي لسوريا حضور في قلبه وتمثل ايران راسه وله شيء من التقارب مع روسيا والصين - خطرا يستهدف امنها القومي , وكاسرا لاستفرادها بمنطقة الشرق الاوسط , ومهددا لتحكّمها في اقتصاد النفط وفي ممرّات نقله . وهي لا تخفي ان اكبر ما تندم عليه في الشرق الاوسط هو الثورة على نظام الشاه في ايران ووقوع ايران في ايدي نظام " غير صديق " , ولا تخفي أيضا خوفها من التمدد السياسي والتحالفي لروسيا والاقتصادي لصين في المنطقة التي ترى انها منطقتها . وهي تعتبر الاحداث في سورية مواجهة لمحور المقاومة وبداية للمعركة مع ايران – النظام غير الصديق الذي يزداد يوما عن يوم قوة ومنعة وتأثيرا وتهديدا لوجودها في المنطقة – وزيادة في الحواجز التي تواجهها روسيا والصين في المنطقة بتصويرهما مانعا امام مرور " الثورة " و استكمال " ربيع العرب " .

وهناك اهداف لمنظومة الاخوان المسلمون التي تسعى الى السيطرة على ما امكنها من الانظمة في الدول العربية والإسلامية , لتتمكن من إسناد بعضها البعض في مواجهاتها مع غير الاخوان في بلدانها . ولذلك يعملون على ان يصل الاخوان الى الحكم في سورية كما وصلوه في بلدان اخرى . كما ان هناك هدف خاص لإخوان سورية هو الثائر من النظام البعثي الذي قتل منهم وشرد وسجن , ويجب الانتقام من بشار على ما اقترفته يد ابيه بحقهم في حماه .

وهناك اهداف لتيار السنه والجماعة - وليس تيار السنه - والدول القائمة بتبنّيه في مواجه " منافسه " اي تيار الشيعة والدولة والكيانات القائمة بتبنيه . ويعمل تيار السنة والجماعة – الوهابية والسلفية - من خلال الاحداث في سورية على ضرب اهم حلف " لمنافسه " و لإنهاكه واستنزافه و تشويهه اعلاميا بهدف وقف زحفه بتجاهه ,وهو الزحف الذي بات اشد ما يكون ازعاجا له ... وهناك اهداف لمن هم صغار بحجمهم ويرون ان اثبات وجود لهم فضلا عن استمرار الوجود ذاته , لا يكون الا بتوظيف " كبرهم المالي " في الاتجاه الذي تريده القوى التي تمثل السند اللازم لهم .

وهناك اهداف لتركيا التي صعب عليها تحقيق هدفها في الاتحاد الأوربي وتسعى لاستبداله - مرحليا - بالحضور المنسجم و المؤثر في بلاد العرب , وليكون انسجامها هذا ورقة بيدها تعزّز موقفها في تحقيق هدفها الرئيس في بلوغ الاتحاد الاوربي وفي حضور فاعل لها في " الناتو " , هذا بالإضافة الى سعي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لضمان استمرار المساندة له من الولايات المتحدة امام التيارات التركية الاخرى . وتمثل احداث سورية فرصة أخرى تمكن تركيا من العمل على إيصال نظام للحكم يضاف الى الانظمة المنسجمة معها في الدول العربية , وكذلك وقوفا بجانب اجندة الولايات المتحدة والغرب التي يحتاج حزب " العدالة والتنمية " الى مساندتها .

تلك هي ابرز اهداف التوليفة التي تحارب في سورية , وقد ساق القدر سورية لتلتقي عندها أهداف كل اولئك , ولاشك انها ليست اهدافا وطنية فيما يتعلق بسورية والعمل " الثوري " فيها , ولا تحافظ على البعد العربي والقومي لها ولا تبقي على البعد المقاوم فيها .

لا يجب ان يفهم ان ما كتبته هو بهدف الدفاع عن النظام السوري ولست معنيّا بذلك . كما لا يجب ان يفهم انه لا وجود لمطالب محقّه للشعب السوري وكان من حقه ان يعمل للحصول عليها . ولكن ما قصدته انه لا حضور للشعب السوري ولا لمطالبه المحقة تلك في كل ما يحدث اليوم في سورية . فمن يتواجد في تلك الاحداث هم فقط "مجموعة سوريين " لا يمكن الاعتبار بانهم الشعب السوري ولا حتى انهم ممثلين له . كما ان اهدافهم هي الاقل حضورا بين تلك الاهداف , وشاءوا ام ابوا فأهداف الاخرين هي التي ستحكم وستوجّه اهدافهم , بل قد تغيرها تماما اذا ما احتاج الاخرون لذلك .

ما يجب ان يدركه " مجموعة السوريين " هولاء ان اسقاط النظام السوري في ضل وجود كل تلك الاهداف يعني ان سورية لن تعرف بعد سقوطه شيء اسمه دوله او نظام . فكل من له هدف من بين اولئك الاخرين , وكل مكوّن من المكونات السورية التي ستبقى بعد سقوط النظام سيعمل على ان يستأثر بجزء من سورية . و سيتصارع كل هولاء حتما في ما بينهم تبعا لاختلاف توجهاتهم ولتنوع اهدافهم . وستكون سورية قد دخلت في نفق مظلم من التنافس والصراع و المواجهات وما سيخلفه ذلك من الدماء والخراب والدمار, و لا يعلم الا الله متى ستتمكن من الخروج من ذلك النفق .

ويجب ان يعي " بعض السوريين " هولاء ان وجودهم في تلك الاحداث التي تشهدها سورية على مدى العامين الماضيين لا يمثل سوى المضلّة التي تغطّي كل من له هدف ويريد ان يحققه عن طريق تلك الاحداث , بينما لم يعد بإمكان " بعض السوريين " هولاء ان يحققوا شيئا مما يريدونه هم عن طريق وجودهم ضمن هذه الاطراف . واذا كانوا يرون ان النظام السوري نظام غير وطني فعليهم ان يكونوا هم الوطنيون , ويجنبوا بلدهم سورية كل هذه الدماء وكل هذا الخراب والدمار والويلات , وان يبحثوا لهم عن الية جديده تمكّنهم من التّشارك مع غيرهم من السورين وبلوغ اهدافهم جميعا , ودون اهدار لسورية ولسوريين .