الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢١ مساءً

أنا الفلسطيني الأخير

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمن برس - خاص -محمود منير
[email protected]


تشكل فلسطين استفزازاً حقيقياً لجميع الأنطمة العربية وهي كذلك بالنسبة للكيان
الإسرائيلي وجميع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، هذا ليس تنظيراً جديداً
بل هي مقولة جوهرية صاغها المفكر الراحل إدوراد سعيد، حيث نجح في تحليله الخاص لطبيعة
الصراع العربي الإسرائيلي لأسباب عدة من أبرزها ابقاءه مسافة نقدية لا تجعله ينجر وراء
أي شعار سياسي يميناً أو يساراً.


رأى إدوارد سعيد لفلسطين معادلاً موضوعياً للحرية، ومشروع تحرر من الكولونيالية الغربية
(الإستعمار) حيث إسرائيل إحدى حلقاتها، لذا فإن مواجهة أسرائيل كانت لا وتزال نقطة
محورية في مواجهة الإستعمار الإمبريالي، وفلسطين أيضاً نقيض لجميع النظم العربية
الإستبدادية التي تعادي الحرية من جهة، وتمثل (أي معظم الأنظمة الإستبدادية) امتداداً
للكولونيالية مشروعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وفلسطين أيضاً هي التحرر من السلطة
بمفهومها الجبري والقدري وتوليدها لأساطير وآلهة تختزل السلطة فيها .. وبذلك كانت
فلسطين بالنسبة لسعيد بداية لا أصلاً، واختياراً واعٍ للإنتماء.

إن "فلسطين" إدوارد سعيد، وهو المفكر الفلسطيني الأبرز وعضو المجلس الوطني الفلسطيني
سنين عديدة ومن صاغ خطاب الإستقلال، دفعته لرفض اتفاقية أوسلو حيث قرأ مبكراً أنّ
"فلسطينيه" لا دخل لها بأوسلو التي جاءت بشروط لا تتفق وإياها.

إن مفكراً فلسطينياً آخر يجيب على اسئلة الواقع الفلسطيني بعد أسلو وهو جوزيف مسعد،
أستاذ الفكر الحديث والسياسة بجامعة كولومبيا والذي يؤكد في كتابه "ديمومة المسألة
الفلسطينية" أن القضية الفلسطينية لم تحلّها عملية السلام، فالسلام وجد لحل أزمة
إسرائيل والأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية.

لقد أوجدت أوسلو - حسب تحليل مسعد - خمسة طبقات ابتدعها مهندسو اوسلو لضمان استمرارية
العملية السلمية وهي: الطبقة السياسية، وطبقة أمنية ومهمتها الدفاع عن أوسلو في مواجهة
الفلسطينيين الذين يحاولون إضعافها، وطبقة بيروقراطية ملتصقة بالطبقتين السياسية
والأمنية تشكل جهازاً إدارياً قوامه آلاف العاملين الذين ينفذون الأوامر، وطبقة جمعيات
أهلية غير حكومية، ويعتمد تمويل هذه الطبقة البيروقراطية التقنية كلياً على مدى خدمتها
لعملية أوسلو، وطبقة رجال أعمال منهم المغتربين والمقيمين في فلسطين، يجنون من الصفقات
النفعية التي تسهلها السلطة الفلسطينية.

اليوم تدافع قوى السلطة الفلسطينية عن مشروعية بقائها عبر الإعتماد على أي طبقة من
الطبقات الخمس حتى لو كانت الطبقة الأمنية في مواجهة الشارع، ناهيك عن الدور الإسرائيلي
في الموضوع.

أما حماس فإنها وبقيادتها للحكومة لا تملك سوى إعاقة مشروع السلطة حيث لا تمتلك غير
مشروع واحد هو المقاومة والذي نحّته أو أجلته جانباً منذ تولت السلطة، إن الخطر لا يكمن
فقط في إرباك حماس وإنما في استعارتها أدوات الحكم للأنظمة الإستبدادية - كما استعارتها
من قبل فتح- والمشاركة من حيث تدري أو لا تدري في الوقوف ضد مصالح الشعب الفلسطيني.

على حماس أن تختار بين المقاومة وهو ما يتطلب منها بعض الخطوات قبل أن تترك السلطة، أو
التخلي عن قيادة الشارع الفلسطيني لصالح مشروع فتح، أما فتح فعليها الإختيار في هذه
اللحظة التاريخية بين مواجهة الشعب الفلسطيني أو مراجعة مشروعها النضالي الذي اخترق منذ
أن قررت مقايضة ما يسمى "ارهاب الشعب الفلسطيني" بالسلام وهو ما تشهد له مقدمة
اتفاقية أوسلو.

من جهة أخرى فإن الحديث عن مشروع حكومة الوحدة الوطنية يتطلب إجابة على سؤال موّجه
لحماس وفتح معاً: هل تكون حكومة الوحدة مراجعة حقيقية لسياسة فتح أم سياسة حماس؟ أم
محاولة لتجميل الصورة فترة من الزمن؟!

بين التخوف من حرب الشارع، والإنصياع للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، والجمود الحمساوي،
وحكمة الفصائل التي لا تحكم(!)، يتيه الفلسطيني حيث يريد الجميع نزع "فلسطينيته" عنه،
أما هو فغارق في تيهه ويصيح: أنا الفلسطيني الأخير.