الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥٣ مساءً

الحوار .. " الوسيلة الانسانية " لتحقيق الهدف

عبدالوهاب الشرفي
الاربعاء ، ٢٠ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٢١ مساءً

ما من عمل كامل , هذه حقيقه ليس السبب فيها سواء النية والعمل دائما , وانما لابد للقصور الانساني الذي نتسم به جميعا من تأثير على كل ما نعمله , وينطبق على مؤتمر الحوار الوطني ما ينطبق على اي عمل اخر من اعمالنا . بذلت جهود منها ما يناسب البعض ولا يناسب بعضا اخر , تم الترتيب والاعداد وهناك من يرى انه ترتيب واعداد سليم وهناك من لا يراه كذلك , خلقت الفعالية وهناك من يراها فعالية في المستوى المطلوب وهناك من يراها دون ذلك بكثير . وكل هذا الكلام يجب ان نجاوزه الان ونمضي الى الامام ونأخذ بالموجود . هناك مؤتمر حوار وطني بداء البلد السير فيه ويجب على الجميع التعامل معه وتقديم ما يقدر عليه لإنجاحه .
في ضل التعقيدات التي تمرّ بها البلد يجب ان يعي الجميع ان الوصول لشيء مثالي هو امر غير ممكن حاليا . فالواقع ابعد ما يكون عن ان يمثل بيئة صالحة لإنتاج شيء مثالي , وهذا الامر ينطبق على مؤتمر الحوار الوطني . هناك عيوب وهناك قصور بل وهناك اخطاء , ولكن كل هذا يجب ان ينظر اليه كحال طبيعي انطلاقا من وضع البيئة التي تم العمل فيها للوصول الى هذا المؤتمر .
مع عدم امكانية التوصل الى شيء مثالي في مثل هذه البيئة يجب ان نعي ان التوصل لشيء مهما كانت مثالبه هو انجاز بحد ذاته , فالوصول في ضل التعقيدات الحاصلة في البلد ليس بالأمر الهين . ومن هذا المنطلق فالوصول الى مؤتمر الحوار الوطني على كل مثالبه يعد انجازا لاشك , وهذا الانجاز يقربنا نفسيا ومزاجا واداريا ومواقفا وتجربة من الانتقال بالبيئة الوطنية نفسها الى الأمام و لتصبح اكثر قابلية للوصول الى انجازات اكثر ايجابية واقل عيوبا .
وعلى ذلك فمؤتمر الحوار الوطني المنعقد حاليا يمثل فرصة يجب على الجميع الا يفوتها , وان يعمل من خلالها ومعها ما يستطيع فعله لزحزحة البلد كي يغدو بيئة اكثر صلاحا لإنتاج الايجابيات , خصوصا ان البيئة الحالية تحتم على الجميع ان يقتنص اضيق الفرص التي تتاح والعمل على تنميتها وانجاحها وليس الهروب منها تذرعا بعدم مثالتيها . وباختصار في ضل الاوضاع التي تمر بها البلد يمكن القول " لم يكن بالإمكان اكثر مما كان " .
لم يكن بالإمكان اكثر مما كان عباره يجب ان نسقطها على الفترة الماضية التي تم العمل فيها للوصول الى مؤتمر الحوار, وخلال فترة انعقاده يجب ان تكون عبارتنا "بالإمكان تنمية ما كان " . هناك واقع تراكم على مدى عقود , هذا الواقع هو ما يعمل المتضررون منه على تغييره , وهو واقع لن يسلم بتغييره بالسهولة التي يتصورها البعض او" بالانقلابة " اللحظية , فهو ايضا سيضغط بقوه في اتجاه بقائه دون تغيير . وبالمقابل لم يعد ذلك الواقع ممسكا بأزمة الامور في البلد كما كان في العقود الماضية ولنقل انه قد كسر احتكاره ,وهو ما يحتم عليه تقديم تنازلات - ان اراد ان يستمر- كقضية واقعية وليس كنتيجة إنغلابه في صراع , وعلى ذلك فمن تكّون بسببهم ذلك الواقع سيكون لديهم الاستعداد النفسي لتقديم التنازل اذا عرف الطرف الاخر كيف " ينتزعه " منهم .
ما يجب ان يعيه الجميع من الساعين للتغيير في الواقع ومن المتمسكين بما بقي لهم من ازمة الواقع , انه ما من وسيله اخرى غير " المغالبة الانسانية " والتي تتمثل اليتها بالحوار الوطني لتحقيق كل طرف ما سيمكنه من الهدف الذي يسعى اليه ,باعتبار ان حياه المجتمعات تتزن بحالة من " الشرعية " في المواقف وفي التعاطي مع الاخر وفي كل تصرف ايا كان , وتجاذب الشرعيات هذا هو ما يؤدي الى تحقيق هدف او خسارته . اما غير ذلك من الوسائل الغير انسانية والتي من ابرزها اللجوء للقوة المادية التي قد تتوفر لهذا الطرف او ذاك , فيجب على الجميع ان يعي ان القوة المادية لا تمثل شيئا في تحقيق الاهداف , فاستخدام تلك القوة المادية في تحقيق الهدف يحتاج هو أيضا الى " شرعيه استخدام" , اما بدونها فلا تمثل القوة المادية الا الخدعة التي بسببها " يقرح راس " من يستند عليها دون ان يعول على شرعية .
يجب ان يعمل الجميع على مواجهة الاخر بطريق ايجابي يتمثل في تقديم البدائل التي تمثل مقترحات للحلول , التي تتفق مع اصل المهمة التي تم الانطلاق لها وهي تقويم الاعوجاجات الحاصلة في البلد . وليعلم الجميع ان من لا يقدر على تقديم البديل المقنع سيفشل في تغيير ما يسعى لتغييره ومن لا يقبل بالبديل المقنع سيفشل هو أيضا في التمسك بواقعه الذي يدافع عنه .
الجميع امام " ملحمة " يمكن تسميتها ملحة الشرعيات " من يسعى لتّغيير يجب عليه ان يكسب هدفه هذا شرعية التغيير , ومن يتمسك بواقع عليه ان يكسب هدفه هذا شرعية البقاء . اما القبول و الرفض مطلاقا ما هو الا أكذوبة يخدع بها كل من يقدم عليها نفسه , ويقع بسببها في " فخّ " الإقتيات على ما يتوفر له من شرعية تجعل قوته المادية باقيه في يديه , لكنها تتفلت منه شيئا فشيئا مع كل قبول لذات القبول ومع كل رفض لذات الرفض .
ليعلم الجميع ان ما تعيشه البلد من مشكلات ومعضلات لم يعد من الممكن استمراره , ومالم تجد الحلول اللازمة لها ولو رويدا رويد فسيتفلت الواقع من يد الجميع , و" سيداس " على كل من يتصرف اي تصرف غير منضبط تجاهها , وسيمر الواقع فوقه والمسئلة كلها في حجم التضحية التي سيتحملها البلد للوصول الى واقع له حظ من الاتزان في جميع تفاصيله . وهذه التضحية هي في زمن الوصول وفي ثمن الوصول فقط , اما الوصول فهو حتمي ولا يمكن لاحد ايقافه , وان تمكن البعض من تأجيله لبعض الوقت .
ليبذل الجميع كل قوته في هذا الميدان , وليكن التدافع بالحجة والمنطق والرؤى والمقترحات , اما غير ذلك فيستحيل على اي طرف ان يحقق شيء اعتمادا على اي اسلوب اخر . ولتنزع كل الاطراف من عقولها فكره تحقيق اي هدف لها الا في هذا الميدان . لأنه لا يمكن خارجه لأي طرف الا اهدار طاقاته وتكسير ذاته وإضعاف ما يتوفر له من قوة ماديه , وفي الاخير لن يتحقق له شيء . وسيصل نتيجة ذلك الى مستوى من الضعف يسمح لغيره ان يطفوا عليه وهو الى زوال .