الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٧ مساءً

اقترب موعد الحسم السوري مع : " أمريكا" التي تجاوزت كل خط أحمر .

سعيد سليمان سنا
الخميس ، ٢١ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٣١ صباحاً

مقولة : " ايام الاسد باتت معدودة " .
قالها الكثيرون منذ بداية الحرب العالمية على سوريا ،
واحلى شئ في هذه المقولة انّ كل من قالها انتهى الى مزبلة التاريخ وتلاحقه الفضائح الاخلاقية والسياسية .
فعلى سبيل المثال وليس الحصر الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ووزير خارجيته كانوا من السباقين لتكرار هذه المقولة على سمعنا , فأين هما اليوم ؟ .
هيلاري كلنتون وبترايوس رئيس الاركان الجيش الامريكي ليسوا افضل من ساركوزي .
اما اردوغان وحكام الخليج فينتظرهم مستقبل اسوء من ساركوزي مع فضائح بجلاجل .
وفي الحقيقة هم مفضوحون في الوقت الحالي فلطالما وعدونا :
بالصلاة في المسجد الاموي في دمشق اكثر من مرة ومنذ سنتين تقريبا ونحن لم نراهم في دمشق .
بل نرى " الشبل " ابن الاسد يصلي في المسجد الأموي ونرى جيشه يسطّر الملحمة تلو الاخرى في احباط مؤامرات :
اردوغان وحمد وأل سعود اللذين ينفذون خطط الامريكان والصهاينة .
التحدّي الأكبر الذي كان يتهدّد سوريا هو أن تقود أمريكا عملية غزو مباشر لسوريا على غرار ما جرى بالعراق وكذا على غرار ما جرى في ليبيا .
كانت واشنطن تتمنى أن ترى بشار الأسد متدلّيا على حبل مشنقة في المرجة أو ساحة الأمويين .
وكانت تعتقد أن غزو سوريا نزهة أسهل مما سبقها من أمثلة عرفتها المنطقة .
ولعلهم سخروا من جواب الأسد على سؤال صحفي إذا ما كان مصيره هو :
مصير حسني مبارك ،
يومها قال :
سوريا ليست مصر .
عمليّا ، تأكّد أن بشّار كان على حقّ .
وسنتان من عمر التحدّي في سوريا يؤكّد أن الذين سخروا من هذه العبارة هم خارجون عن فهم ما يجري في المنطقة .
ولا زال حبل الكذب في سوريا وعلى سوريا طويل .
كم كان الأمر صعبا أن تُقنع العالم بأن أبناء الجيش السوري الوطني وهم مواطنون وأبناء كل أطياف الشعب السوري يُذبحون بالسلاح الذي تقدّمه أطراف إقليمية للمجموعات المسلحة المتطرفة .
ففي سوريا تشرمطت الحقائق وأصبح من الممكن القول أنّ :
القاعدة إرهابيّة في أفغانستان والعراق لكنها ديمقراطيّة في سوريا .
وبما أنّ أمريكا وتحت ضغط الانهيار الاقتصادي .
تدرك أنّ أي مغامرة غير محسوبة ستجعلها تنهار ليس فقط كإمبراطورية بل كدولة عظمى فهي لا تضع البيض في سلّة واحدة .
والصين التي تصرّ على استعمال الفيتو ضدّ التدخل في سوريا هي من ضخّت الكثير من الكتلة المالية لإنقاذ الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي .
وهذا كان يكفي ليجعل الصين التي لم تعسكر سياستها الدولية منذ عشرات السنين ،
تبعث بسفينتها الحربية إلى منطقة الشرق الأوسط .
حينما أدركت أمريكا ذلك فكّرت في الهروب الناعم من الورطة السورية .
فلقد أدركت واشنطن أنّ الشرق الأوسط لم يعد خالصا لها .
وليتها سمعت نصيحة " هينتينغتون " يوم قال بأنّ :
( أمريكا لن تستطيع أن تهيمن على العالم ( .
وعليه ، كان لا بدّ أن تتراجع واشنطن قليلا ولا تظهر في واجهة الحدث السوري .
فهي خبرت المعارضة في الخارج وعرفت من خلال استخباراتها أنّها ليست معارضة حقيقية .
ولذا ما زال الكومبارس الإقليمي يحاول المستحيل لإقناع واشنطن بجدوى التعويل على المعارضة من خلال إعادة تشكيل فريقها المرة تلو الأخرى عبثا .
واشنطن تريد أن تهرب قبل حلفائها لذا تركتهم يتناطحون أمام حقائق غامضة في المنطقة .
حينما تنسحب واشنطن إلى الخلف قليلا يتقدّم ( ابن آوى ) الفرنسي للقيام بما يسمّى بالعامية بالـ :
" بعورة " .
أي قطف ما تبقى من الثمار وما بقي من أوراق مبعثرة .
لكن الأثر الفرنسي في الأحداث الأخير شكّل مهزلة حقيقية .
لأن فرنسا لا يمكنها أن تناطح روسيا والصين وإيران في منطقة الشرق الأوسط .
ربّما نزولا عند أمر الراعي القطري الذي بات يموّن على الاقتصاد الفرنسي ،
أراد أن يجاريهم في هذه اللعبة التصعيديّة الأخيرة .
لكن يبقى حظّ فرنسا الاستعماري حاضرا في الأحداث السورية وإن بصورة غبيّة .
ليس أغبى من فرنسا ولا عملائها في الداخل أكثر من ( صانعيها ) باستبدال علم الانتداب الفرنسي بالعلم الوطني السوري كما هو علم الجيش الحر اليوم .
تحاول فرنسا الثّأر الأدبي من حركة التحرر الوطني السوري .
أما الطّامّة الكبرى فحينما نصّبوا معاذ الخطيب على رأس جمهورية الضباب السورية التي لم يستطيعوا أن يظفروا بشبر واحد منها ،
بينما معاذ الخطيب هو ابن لكبير عملاء الانتداب الفرنسي الذي وضعته فرنسا يومها حاكما على سوريا .
نهاية المعضلة السورية كمن في جملة من النقاط منها :
1 ) التصريح الأمريكي .
في حفل الترشيح الرئاسي خطب الرئيس الأمريكي أوباما أمام ناخبيه قبل أن يخاطب العالم ،
بأنّه لا تدخّل بعد اليوم .
2 ) نصب بطاريات صواريخ باتريوت .
قرار واشنطن بنصب بطاريات باتريوت على الحدود التركية ـ السورية يستهدف روسيا وليس سوريا .
وهذا مؤشّر على أنّنا عدنا مرة أخرى إلى مربع الحرب الباردة .
فالصواريخ هنا تعني حماية القواعد الأمريكية في تركيا .
وهذا ليس مطلبا تركيا كما أوحى بذلك تصريح أوردوغان ، بل هو مطلب أمريكي .
ولذلك كان الجواب الروسي جاهزا حينما نصب صواريخ اسكندر وطور صواريخ أخرى قادرة على اختراق قبة ستينغر ،
مما يعني استئناف لسباق صاروخي في المنطقة .
في الحرب الباردة نتحدث عن صواريخ باليستية وعابرة للقارات وعن تدمير للأرض والكون ولكن في الحرب الباردة لا يكون التّدخّل في منطقة الأحلاف نزهة .
إنّ صواريخ ستينغر مؤشّر على أن التدخّل بات مستحيلا في سوريا .
3 ) فوبيا السلاح الكيماوي .
تدرك واشنطن أن خصومها وحدهم من يملك الرؤية ،
وهي لذلك تحترمهم أكثر مما تحترم الكومبارس المتشعبط في ذيولها .
لأنهم ضعاف .
ولذلك تدرك أنّ سوريا تدرك أنّ الخطر الاستراتيجي لم يعد قائما بفعل توازن القوة ومناورات قوى الممانعة .
وعليه ، ما تبقى في سوريا هو حكاية تنظيف للمظاهر المسلحة التي تستهدف عشرات الألوف جيدة التسليح والمدربة على حرب المدن .
وهي تريد بتعبير أو بآخر أن تقول لروسيا انتبهي سأكون مضطرة أمام الرأي العام الأمريكي أن لا أسمح بأي تصرّف إبادي للمقاتلين .
تعبير آخر تريد أمريكي أن تبلغ رسالة من خلال منطوق الخطاب ،
مقاده :
نظفوا ما شئتم وكيف شئتم لكن من دون كيماوي فهو خط أحمر .
وأصل الحكاية هي خدعة للجيش السوري لمواجهة ألوف من المقاتلين الذين يتمترسون بالمدنيين .
وهكذا جاءت فكرة أن تقوم بعض الطائرات بإفراغ أكياس من الطحين فوق بعض المناطق التي يختفي فيها المسلّحون .
وبدأت التنسيقيات تتحدث عن الكيماوي وغيره .
هذا بينما لا زال الأسد يطيل امد الحسم العسكري حماية للمدنيين .
4 ) إدراج جماعة النّصرة في قائمة الجماعات الإرهابية .
لأن واشنطن كما ذكرنا تذرك أن أمد اللعبة انتهى فهي تصفّي ذمتها وتغلق مسبقا كل ملف ممكن أن تضطر إلى فتحه .
ومنه علاقتها بالقاعدة .
5 ) تصاعد العمليات الانتحارية .
حينما أوشكت سوريا " الافتراضية " أن تعلن عن احتفالها الكبير بنهاية نظام الأسد ، ارتفع معدّل العمليات الانتحارية العبثية .
وهذا مؤشر على الفشل لا على الانتصار .
فقسم هائل من القاعدة يعيش إحباطا في سوريا .
ولذا ليس أمامهم إلا الانتحار ، لأن السجون العربية وغوانتانامو تنتظرهم من جديد .
6 ) مقتضى نظرية الألعاب .
وواشنطن هي لاعب كبير يعرف قواعد اللعبة .
بينما الكومبارس الذي يفتقر إلى معرفة كل السيناريو وطبيعة اللعبة فهو يدخل من دون فهم لقواعدها .
لذلك سيبقى هؤلاء مثل الصحاف يهتفون بسقوط الأسد بينما تكون أمريكا أكملت لعبتها مع اللاعبين الكبار .
وعليه ، فإن مقتضى اللعبة أن :
لا تعمل واشنطن على مساعدة سوريا في التّخلّص من حالة الاستنزاف التي تخدم في نهاية المطاف المشروع الأمريكي في سوريا .
فسوريا اليوم تعاقب على مواقفها القومية وعن ممانعتها وامتناعها عن تسليم القوى الفلسطينية ووضع حدّ للمقاومة .
الإبقاء على الجرح مفتوحا في سوريا يخدم مصلحة من يريد إضعاف سوريا سياسيا وعسكريا .
فإذا فشلوا في الإطاحة بسوريا فعلى الأقل يحاولوا إضعافها على المدى المتوسط. وفي الوقت نفسه هناك رغبة أمريكية لنوع من الاحتواء المزدوج لسوريا والقاعدة معا .
إن إطالة أمد اللعبة لا يعني سقوط النظام .
فوجود جيوب مسلحة في أي دولة لا يعني انهيار النظام .
لكنه قد يشغلها ويخضعها للابتزاز .
وفي المثال السوري ستكون هذه المقاربة قاصرة جدّا ، لأنّ لسوريا خبرة طويلة في الضّبط الأمني .
وبأنها في فترة ما كانت ترعى أمنها وأمن لبنان ، واستطاعت أن تسيطر على الحرب الأهلية في لبنان.
7 ) أخير وليس آخرا ، يبدو أنّ :
تداعيات الأزمة في سوريا بدأت تلقي بظلالها على الجوار .
فالخليج يخشى اليوم الذي سيواجه فيه استحقاقات الربيع العربي .
فهو يعيش على صفيح حامي من الاحتقانات الاجتماعية .
فالثورات هناك مؤجّلة يدغدغها الريع ويسكتها إلى حين .
لكنه لا ينهيها .
وهمّ واشنطن أن لا يمتد الربيع العربي إلى حيث يوجد النفط .
بقي القول أنّ تركيا التي تعاني من تململ الشارع التركي للإطاحة بأوردوغان وأيضا دول الخليج المتورطة في تسليح القاعدة في سوريا ،
سيضطرون لإعادة الوضع الطبيعي للعلاقات إلى استحقاقات كبيرة .
وهنا ليس أمام تركيا والخليج الذي لا يزال يحتفظ بعلاقات مع طهران أن يجعل طهران وسيطا لإعادة ترتيب العلاقات بين دمشق وأنقرة وكذلك بين دمشق والرياض .
وليس هناك غير هذا السيناريو .
وهذه قضية تتطلب بعض الوقت .
لكن يبدو أنّ عملية الإعمار لسوريا سيدفع ثمنها الخليجيون .
وهم لذلك سيضطرون أن يخصموا من الدعم الذي كانوا يقدّمونه لحلفائهم العرب .
هذا إن قبلت سوريا العودة بالعلاقات إلى وضعها الطبيعي .