الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٣ مساءً

تعز وأخواتها ..أيقونات التمدن المرفوض

عارف الدوش
الثلاثاء ، ٢٦ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٥١ مساءً
الكتابة المتواصلة عن تعز وأخواتها “عدن وحضرموت وتهامة” ليست لذاتها أو تعصب لمناطق أو مذهب أو طائفة ولكن باعتبارها نماذج لمشروع مدني يجسد التصالح والتسامح والتعايش والسلام ويحترم حق الاختلاف ويعلي من شأن الممارسات المدنية ويسمح بتلاقح الأفكار والمذاهب والتنوع أنه مشروع يمتص المتطرف المنغلق دينياً وسياسياً وثقافياً فيمزجه بالمعتدل ليصبح سهل القبول ومرن السلوك بعد التهذيب والتشطيب ومن انتقل إلى تعز وأخواتها “ عدن وحضرموت وتهامة” من محافظات ومناطق أخرى سادتها أو تسودها مشاريع العنف والقتل والثأر والاستحواذ والقوة والسيطرة وحكم الأسلاف والأعراف والتمزيق وتقسيم الناس إلى أبناء أصول “مشائخ” والى “رعية وناقصين” يدرك ما نقول وتشتهر «تعز وأخواتها» بنزوعها إلى السلمية والتصالح والتسامح وتفضيل أبنائها لحياة التمدن والعمل والإنتاج وكرههم لحياة الحرب والثأر.

• وظل مشروع التمدن والسلمية يتخلق في تعز وأخواتها «عدن وحضرموت وتهامة» يمارسه أبناء هذه المحافظات ويروجونه للغير من خلال حياتهم وسلوكهم أينما انتقلوا وعاشوا وهذا بشهادة الجميع في داخل اليمن وخارجها وعلى الدوام يحاول المشروع المدني النهوض منذ فترات طويلة ليصبح مشروعاً مطبقاً على مستوى اليمن لكنه كان ولازال يتعرض لكبوات وضربات موجعة يضمحل فترات فلا يتلاشى وينتهي بل يظل يتخلق بأشكال جنينية عبر مسارات الثقافة والفكر السياسي والممارسات السلوكية اليومية العادية التي منها يتراكم الفكر وتزدهر الثقافة فكان يخبو ويصغر ثم يظهر ويكبر وينتشر بحسب طبيعة المرحلة ونوعية الحكام ودرجة قسوتهم أو سلميتهم وتمدنهم وقد تحمل رجال التنوير والثقافة المبشرون بالمشروع المدني الويلات وصنوف القهر والعذاب ومن يعود إلى أضابير التاريخ سيجد قادة سياسيين وشخصيات اجتماعية ومثقفين وكتاب حافظوا على تخلق مشروع التمدن الذي كان يتعرض للضرب بهدف القضاء عليه وليس هنا المجال لسرد الأسماء فهم معروفون وكتب التاريخ والسير أوردتهم كرواد للتنوير والتغيير والتمدن والتعايش والتسامح والسلام.

•ومن باب التذكير كان مشروع التمدن والتعايش والتسامح والتصالح كلما طل برأسه يتشكل ضده تحالف قوى متعددة ترى فيه خصماً لمصالحها وتطلعاتها في الحكم والاستحواذ والسيطرة كونها ترى أنها هي الحاكمة أباً عن جد وغيرها رعية وناقصين ما عليهم إلا الطاعة والامتثال وهذه القوى منتشرة ومتواجدة في كل محافظات البلاد بما فيها تعز وأخواتها “عدن وحضرموت وتهامة” نفسها “أيقونات شروع التمدن المرفوض من قبل البعض” ولسنا بحاجة إلى التذكير أن ضرب مشروع التمدن دائماً يأتي من قبل القوى الرافضة للتغيير سواء لبست لبوس التقليد أو تدثرت بعباءة الثورية والتاريخ يعلمنا أن القوى الرافضة للتغيير هي التي تخشى على مصالحها فإما تركب موجة الثورات لتنخرها من الداخل أو تختلق المبررات لتوصم قوى التغيير بأوصاف كثيرة في مرحلة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي «أو قوميون ناصريون موالون لعبد الناصر ثم يساريون شيوعيون جبهة موالون لعدن» في مرحلة التسعينات «حزبيون اشتراكيون انفصاليون» في أيامنا هذه بعد ثورة 2011م الشبابية السلمية «دعاة الدولة المدنية والفيدرالية والتمزيق انفصاليون ومناطقيون وطائفيون» كل ذلك مبررات كانت ولازالت بهدف تدمير قوى التغيير والتمدن وهزيمتها بالصراعات والحروب.

• ومن عاصر فترة ما بعد قيام الثورة السبتمبرية تحدث عن تهديد بسحق تعز المسالمة بالدبابات في منتصف الستينات وكل ذلك مسجل وموثق وما تبعه من إقصاء وتهميش وتصفية وإبعاد للكثير من القادة العسكريين والمدنيين في إطار الصراع على السلطة والثروة والاستحواذ وتكرر الأمر فيما بعد وكان أكثر وضوحاً في حرب صيف 94م المشئومة حيث تحالفت في تلك الصراعات السابقة واللاحقة القوى التقليدية وشاركت فيها شخصيات وقادة عسكريون ومدنيون من تعز وتهامة قبل الوحدة ومن تعز وأخواتها “عدن وحضرموت وتهامة” بعد الوحدة والصراع كان ولا زال ينحصر في نوعية المشروع السياسي وشكل النظام والدولة ولمصلحة من يحكم الحاكم؟ وليس من هو من يحكم ومن أين؟ باختصار ماهي القوى الاجتماعية التي تحكم وتسيطر على مقاليد السلطة والثروة؟!

• دائما وأبداً تبقى القوى المناهضة للتغيير تبحث عن تغيير لا يقلق راحتها ويحفظ مصالحها ولو على حساب أغلبية أبناء الشعب الفقراء والمضطهدين والمستضعفين سواء جاء التغيير إزالة الفوارق بين الطبقات كما كان مشروع ثورة سبتمبر الذي تم القضاء عليه بحركة 5 نوفمبر وأحداث أغسطس 68م أو بمضمون “ وثيقة العهد والاتفاق بعد الوحدة الذي انتهى بحرب صيف 94م أو بمضمون دولة مدنية وفيدرالية ستمنح المحافظات والأقاليم صلاحيات ستسمح للقبائل والرعية بأن يرفعوا أصواتهم ضد ظالميهم ومضطهديهم وبالتالي ستفقد «القوى التقليدية» مصالح جعلتها تتصدر وتحكم وتملك الشجر والحجر والثروات فوق الأرض وفي باطنها.

•وأخيراً: الآن هل فهمت أيها القارئ اللبيب لماذا يتم استهداف تعز وأخواتها «وعدن حضرموت وتهامة» ويرفض مشروعها للتمدن من زماااان؟! وهل تدري لماذا تنتصر مشاريع القوة والسيطرة والاستحواذ ؟ لأنها تعتمد على قوة السلاح والمال وليس في أفقها وتربيتها وتفكيرها الاعتماد على السلمية والتمدن والسلام والتعايش والتسامح فهذه تتناقض مع مشاريع السيطرة والاستحواذ وأدواتها القوة العسكرية والمال.
[email protected]
صحيفة الجمهورية :الثلاثاء 26 مارس 2013م
ــــــــــــــــــــــ