الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٧ مساءً

أشباح الفساد المدمر

إبراهيم القيسي
الاربعاء ، ٢٧ مارس ٢٠١٣ الساعة ١١:١٣ مساءً

أصبح شبح الفساد يمثل بؤرة الرعب المخيفة,يسري سريان الزمان ,لا يتوقف عن التدفق المريب ,يتلبد تلبد السحب الكثيفة ,ويتصاعد كالدخان المميت,يخنق الحياة في دقائق قليلة,ويهيج كهيجان البحر في ظلمات الممات,يحلق في سماء الكون كتحليق دخان البركان الهائج ,ويغمر الأرض كطوفان غاضب ,يطوف شرق الأرض ,وغربها ,فلا يرى مستقره إلا في بلاد ما يسمى بالشرق الأوسط ,يعشق العرب كعشق قيس ليلى ,ويتخذ منهم ركائز المقام ,ومستعمرات الهيام ,ويبني في أوطانهم قصور الأحلام.
,لقد فتت النظام ,وأشاع الفوضى ,وأهلك الحرث والنسل ,جعل الحكام يخوضون في لججه ,ويركبون على ثبجه ,ويجادلون بحججه,أحال الواقع إلى جحيم موقدة,ومعيشة الناس إلى نار مؤصدة,يلتحفون السماء في برودة الشتاء القاتل ,ويفترشون الأرض في رمضاء الصيف الحارقة, رفد الحياة بفقر مدقع ,وأهدى الضعفاء العوز الناحل,والمساغب القاتلة.
لقد أطلق علينا منتجي الفساد ,أسماء نعرف بها ,ونلقب بألقابها,وأصبحت أعلاما يتنابز بها مخرجي الفساد ,ومهلكي العباد ,فلقد أسمونا بأسماء ثلاثة ...الشرق الأوسط ,والعالم الثالث,والدول النامية ,وهذه الأسماء هي محطة الوقود ,وملتقى بحار الفساد ,وهي بؤرة الدمار ,ومثلث الرعب الخفي ,عشش في أوكارها عبث المفسدين ,وكيد المعتدين ,وإخطبوط الفقر,وسرطان الفناء.
إننا نعيش في عبثية رعناء مزعجة,وهمجية مطلة من عصور التحجر السحيقة,نتيه بين صحاري الأغوال الضالة,ونتشرب سراب الأوهام المائجة,وجوه كالحة وتجهم مظلم ,وقلوب تحمل حسرات الضنى ,وصدور تهدر بزفرات الأحزان ,ألفاظ تتنزى بقيح الجروح المؤلمة,ومشاعر تضطرب اضطراب البحر الهائج,كلنا نعيش أزمات مقلقة ,في واقع مجروح ,يزحف على شفرات الأسى ,ويعب من حميم آن ,ويطارد من أغوال المفسدين .
تعكر صفو الحياة ,واستحال الأمن ,وتكدرت ينابيع الحياة ,وسرى البؤس ينعق كغراب بائس,وتربدت سماء المعيشة بسحب كهام ,واربد وجه الحياة بظلام المسغبة ,وبتراب الغوغاء ,وبسوافي رياح القهر ,لقد تفجر الفساد بالسلب ,والاغتصاب الحقير ,لمعايش الناس ,ومنابع الحقوق ,وآفاق الحريات.
كلما برقت بارقة من أمل ,أو بزغت إشارة من نور,أخذت سدم الفساد تعصف بها ,وتغطي أنوارها ,وتحيلها إلى عدم محض ,وإلى فناء شامل ,لقد تفوق الفساد العربي على غيره من الفساد العالمي ,بأطروحاته المتميزة ,وبقواعده الضخمة ,وبأسسه القائمة على دراسات هندسية مخضرمة ,تستمد الخبرات الفنية ,من ديكورات العبث العالمي ,والمكر الدولي ,وتعززه روافد استخباراتية ,تريده يخدم مصالحها الاستعمارية,على حساب المواطن المغلوب ,الذي ينظر عن كثب إلى غواشي الفساد ,فلا يقدر على تغيير ,ولا يفصح عن نصح ,فأخذت أخاديد الفساد الملتهبة ,تشوي لحمه بجمر العوز وبنيران النكبات.
إن العقول الممنهجة للفساد مافتئت تعد "إستراتيجية "الحرب الشاملة ,على الأنظمة والقوانين ,وتكرر الاستعداد المتواصل ,لقمع أي حركة من شأنها توصيف الفساد وتعريفه ,والوصول إلى حقيقته ,والحد من هيمنته وطموحه,والغريب في الأمر ,أن كثيرا من المفسدين يتحدوثون عن الفساد وهيمنته ,ويشكون من أضراره الفادحة ,وهذا من قبيل المثل العربي "رمتني بدائها وانسلت "من أجل تمييع الحقائق وتظليل الرأي العام ,عن معرفة ثكنات المفسدين ,والوصول إلى أماكن تواجدهم ,وهنا تختلط الحقائق ,وتضيع المعلومات ,فنعيش بين غبش التمويه ,وظلام المفسدين.
وإذا تمعنا الحقائق بفكر حاضر ,وبتحليل دقيق,لوجدنا عمليات الفساد واضحة جلية ,لا تحتاج إلى بحث مضن ,ولا استقصاء دقيق ,فنجد المفسدين يحتمون بأسوار عالية ,وبحصون منيعة ,وبقلاع يقف دونها حمام السيف ,وبلوغ المستحيل ,إن هؤلاء المفسدين ,قد وصل كيدهم الماكر ,وحيلهم الخبيثة ,إلى درجات تفوق ما وصل إليه الشيطان ,وأصبح إبليس اللعين يشكو سطوتهم ,ويستعيذ من عبثهم الهادر ,ومن كيدهم الماكر ,فكيف بمواطن لا يملك قرار ,ولا يقدر على فعل صغير ,ولا دفع مكر جليل.
إن الفساد قد عاث في البلاد ,وأرهق العباد ,غمر الحياة بطوفان قاتل ,وألقى ركاما من كثبانه السافية ,وأثار الأعاصير المدمرة,فأحرق وجه الأرض بناره ,وكوى جباه الناس بعوز المعايش الضيقة,وبمياسم الفقر المدقع ,أخذت روافد المتنفذين ,وأودية المسئولين ,تستوعب روافد المواطنين ,وتسرق نموهم المالي ,وعيشهم الرغيد ,فأصبح الغني يزداد غنى ,والفقير فقرا ,هذا يعيش في بحار النعم ,وهذا يعيش في جحيم النقم.