الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٨ صباحاً

ألإخوان المسلمون من ضجيج المنابر إلى نعيم السلطة

يحي محمد القحطاني
السبت ، ٣٠ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٨:١١ مساءً

تتمحور الذهنية الحاكمة لفكر الإخوان المسلمين في العالم العربي وفي اليمن(في قضية السلطة والحكم التي يسعون إليها)على نمطين من الفرضيات السياسية العملية والنظرية في نهجهم بعد قيام ما سمي بالثورة،هما ثنائية القوة وثنائية المنفعة،وتعتمد على مبدأ القوة في ثنائية الغالب والمغلوب،واعتماد المنفعة في ثنائية الربح والخسارة،في علاقته السياسية بالآخر المستحكمة في تاريخ العرب قبل الإسلام،هذان المنهجان في سلوك أتباع الإسلام السياسي هما حصيلة اجتهاداتهم النظرية والعملية،وأيضا من تراكم خبراتهم ونشاطهم الفكري والحزبي،وكانت مؤسسات وهيئات أحزاب ألإسلام السياسي في البلدان العربية معامل تكرير ومخزون إمداد للذين ينجرفون منهم نحو الإرهاب من المدارس،والمعاهد،والجامعات،ومدارس تحفيظ القرآن بالمساجد،هذه المنشآت التعليمية تحولت إلى بؤر فكرية تخرج منها بعض العناصر المتطرفة،والتي تحترف الإرهاب والتمسك بالقوة والسلاح والعسكر والمليشيات وطلائع المجندين الجدد بطرق رسمية وغير رسمية،واليوم وقد استلموا رأس السلطة في أربع دول عربية هي اليمن،ومصر،وتونس،وليبيا،ويتأهبون في غيرهما من دول الاحتجاجات،ويلاعبون دول الخليج العربي،لحاجاتهم للدعم المالي والعسكري منهم،وبنفس الوقت يرسلون رسائل الطمأنة لكل مؤثرٍ في العالم من الغرب إلى الشرق،لأنهم لم يرتاحوا في الحكم بعد ولم يكملوا استحواذهم على كل مفاصل الدولة،والتغلغل في مؤسسة الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات الأمنية في تلك البلدان،وبدأت جهارا للملأ بعض الإرهاصات والعوائق على طريق ممارسة الإسلاميين للحكم،والذين يتبعون نهجاً مزدوجاً في خطابهم ومواقفهم،واحدٌ مضمرٌ حيث التنظيمات السرية وآخر معلنٌ حيث خطاب المهادنة،هذا النهج المزدوج تستخدمه تجاه فرقاء الداخل من التيارات والأحزاب كما تفعل مع الدول الأخرى،وتمارس خداعا فاضحا في هذا الشأن،فهي في الوقت الذي تقف فيه على رأس المطالبين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية،تمارس بوضوح أبشع صور الانتهاكات لحقوق المواطن العربي .

ونظن أن المشهد السياسي كما حللناه لا يبشر بخير،وأن أغلب عناصره وشخوصه والحوارات المتبادلة فيه تتجه بنا إلى إجهاض حلم الدولة المدنية،كما أنها تجرنا جراً نحو وضع أساس الدولة الإخوانية السلفية،والذين يعتبرون الديمقراطية كفرا بواح،ونزعتهم متعصبة مع مصالحهم ومنغلقة بانغلاق فكرهم المتصلب في سياج الدين،علمهم الديني لا يتجاوز حدود الجنة والآخرة ويوم الحساب والنار ومنقطع عن الحياة الدنيا إلا ما له علاقة بالحياة الباقية،وثقافتهم هي ثقافة يغلب عليها النقل والتلقين والحفظ،ولا علاقة لها بالاجتهاد وإعمال العقل والتحليل،وهو أقرب إلى الواعظ منه إلى السياسي،وكان خطاب الإخوان المسلمين مبنياً على المعارضة بشعاراتها وأيديولوجيتها،وعابوا على الدول العربية وحكوماتها التعاون مع الغرب تحت شعارات الغرب الحاقد والمؤامرة الصليبية،هذه الشعارات تبخرت تماماً حين استلموا السلطة فباتت رموزهم تلتقي كبار الساسة الغربيين بالابتسامات والترحاب،وكانوا يتهمون الأنظمة السابقة بالعنف المفرط في مواجهتها الأمنية ضد الإرهاب والتخريب،وها هم حين استلموا الحكم واستقروا على كراسي السلطة يمارسون الأمر ذاته وإن بعنفٍ أشدّ ولكنّهم يقدمون كل التبريرات التي تدعمهم،وكثير من تصرفاتهم تقول بأن ثقتهم بأنفسهم تكاد تكون معدومة،ويفضلون الطرق الملتوية،والابتعاد عن الخطوط المستقيمة،وحساسيتهم المفرطة من العتاب أو النقد،ويطلقون على من يثور على مسئوليهم في الوزارات و المؤسسات بالثورة المضادة،من قبل أنصار النظام السابق حسب مصطلح حزب ألإصلاح(ألإخواني) في اليمن،والفلول حسب مصطلح(ألإخوان)في مصر ويطالبون بالوقوف لصد تلك الثورة المضادة كما يزعمون،وهم يمارسون الإقصاء لأعضاء المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من الوظيفة العامة،مجسدين الحقد والكراهية التي يضمرونها في حق المؤتمر والأطراف السياسية الأخرى،ويتهمون المقصيين بمعاداة(الثورة)أو بمناصرة النظام السابق،حتى الوزارات التي على رأسها وزراء مؤتمريين حدثت فيها إقصاءات لكوادر المؤتمر الشعبي العام دون أن يحرك هؤلاء الوزراء شيئاً،بسبب التهديدات لهم بأنهم ضمن القائمة السوداء وقتل الثوار،مثلما يحدث في وزارة ألأوقاف والإرشاد.

وبشكل عام،فإن التيار الإسلامي في العالم العربي كان ينتظر بلهفة التجربة الإخوانية في مصر كنموذج قابل للتعميم،لكن الإخوان صدموا كثيرا من المصريين،سواء على مستوى السلوك الفردي أو على مستوى العمل الجماعي،فعلى مستوى السلوك الفردي أدى فتح المجال أمام منتسبيهم وأعضائهم إلى انبهار بعضهم ببريق السلطة والشهرة،دون إحساس بالمسئولية الوطنية وبطبيعة المرحلة واحتياجاتها،وحتى الآن فإن التجربة لا تبشر بخير،وبالتالي يكون الإخوان قد صدموا المصريين بالداخل وصدموا إخوانهم في الخارج وخذلوهم،وعندما كان ألإخوان المصريين في المعارضة أعلنوا مرارا وتكرارا رفضهم القاطع لمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل،ووضعوا فيها كل عيوب الدهر ومحرمات الدين وخيانات السياسة،وقالوا فيها ما لم يقل مثله مالك في الخمر،واغتال بعض أتباع خطابهم السادات لتوقيعه عليها،وها هم اليوم يدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوةٍ،ويقومون فعلياً بحماية أمن إسرائيل قدر ما يستطيعون،واتجهوا بقوةٍ وحماسةٍ لفعل ما كان النظام السابق يفعله تماماً،بتطمين الغرب تجاه الاهتمام بأمن سيناء والمحافظة على المعاهدة السياسية مع دولة إسرائيل،وبذل كافة الجهود للقضاء على الجماعات المتطرفة في منطقة سيناء التزاماً بالمعاهدة،ثم قامت بأمرٍ لم يفعله النظام السابق،وهو التدمير الكامل لكافة الأنفاق مع قطاع غزة،وهذا الفعل يناقض كل شعارات الإخوان السابقة التي كانوا يهاجمون بها النظام السابق ومواقفه تجاه حكومة الإخوان في غزة،واستبدل الإخوان الحزب الوطني بحزب الحرية والعدالة ثم أخذوا يطبّقون نفس سياسات الحزب الوطني ولكن لخدمة جماعتهم وحزبهم،وأصبح المواطن العربي الهارب إلى مصر من ظلم ذوي القربى في بلادة مطارد ومستهدف من قبل مليشيات ألإخوان في مصر،وخير دليل على ذلك ما حدث للمواطن الليبي أحمد قذاف الدم والمواطنة السورية رغدة خلال ألأسبوع الماضي في مصر العروبة والتي كانت ألحظن الدافئ وألأم الحنون لكل العرب حكام ومعارضين عبر كل ألأزمنة والأنظمة،كل هذه الأسباب وغيرها تجعل الإسلاميين في محك حقيقي للاستمرار أو للتراجع والتقهقر،لأن الواقع تغير وهو متغير والمجتمعات كذلك ولن تذعن لثنائية القوة أو الغلبة،بل إن العصر وشئونه والحقوق والحريات الإنسانية،أصبحت أقوى وأرسخ والمجتمعات أوعى أكثر من ذي قبل،وهي التي ستغلب وتفشل خطوط التطرف ومدار به.والله من وراء القصد والسبيل.