الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٥ صباحاً

الحزبية والأسرية وجهان لعملة واحدة

إبراهيم القيسي
الخميس ، ٠٤ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤١ مساءً
الحزبية والأسرية ثنائية متناغمة , تعبران عن دكتاتورية ظالمة , تسعيان لتعميم شمولي , لكل الحقوق والواجبات , في إطار سياسي ضيق , يخدم النخبة المسيطرة على القرار , والملتفة على الشعوب بأسوار من الاستعصاء المدعوم بهيمنة ارستقراطية , تنضح بدخان الإقطاع المعمم , وتفوح بروائح الأنانية السمجة , ترسو على واقع مسحوق , يتكئ على فقاعات من الشعارات الجوفاء , التي تنهل بسراب الوعود الكاذبة , المغمورة بزيف الألفاظ , ونفاق الإعلام الموهوم .

وهذه الثنائية النحسة , تغمران واقع الأمة بإرهاب فكري تقيئه , وسائلهما الإعلامية الغثة , المفتقدة لأبسط المبادئ والأخلاق , وغالبا ما نشاهد الطبقية متجلية في هذا العالم , متجسدة بكل أبعادها الجاهلية , فهناك القيادة العليا ذات القرار المصيري , ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بها , أو الاقتراب منها , أو التطاول على أي فرد من عناصرها , فهي في مرتبة مقدسة , تضفي على نفسها هالة من العظمة والقداسة , وهي منزهة عن الأخطاء , بعيدة عن النقص , لايجوز نقدها بأي حال من الأحوال , ربما تشابه التقسيمات البوذية التي تزعم أنها خلقت من رأس الإله , ولذا وجب على جميع الطبقات الأخرى خدمة هذه الطبقة , مثلها مثل أبطال السموراي التي أعدت من قبل أباطرة اليابان , في الحرب العالمية , لحماية الأباطرة , وأي شخص يتعرض للهزيمة , يجب عليه قتل نفسه , ليكون قربانا وفداء لسادته العظماء.

أما الطبقة الثانية , فهي طبقة النخبة , وهم الخلص من الحواريين الذين أخضعوا لاختبارات نوعية , أهلتهم لثقة الطبقة العليا , وهؤلاء من ينفذون سياسات الطبقة الارستقراطية , ولديهم امتيازات متعددة , وهم المسبحون بحمد سادتهم , ويعهدون إليهم بالكثير من الصلاحيات , التي تمكنهم من فرض الطاعة العمياء , للسادة والكبراء رغبة ورهبة , ويعملون كموصلات تلغرافية , بين الطبقة العليا , والطبقة الثالثة المسحوقة , حيث يزاولون على الطبقة الثالثة عنفا فكريا , يجعلهم في نطاق المجال المغناطيسي للارستقراطيين يدورون في فلكهم , وأي فرد انفلت من المجال المغناطيسي , عاقبته الهلاك والبوار , مثلهم مثل النيازك التي تخرج من إطار المجموعة , فتحترق في مجال غلاف الأرض .

أما الطبقة الثلاثة , فهم الخدم والأعوان , وهم الأبواق الصاخبة , وأداة العمل , وجنود الاستبداد , وظيفتهم الدعاية والإعلام , والتقديس والتعظيم , لسادتهم وكبرائهم , وهم الدهماء الناعقون , المرددون للشعارات الجوفاء , قد سلبت منهم العقول , لا يفكرون ولا يعقلون , لاحق لواحد منهم في الحياة , ولا في التعليم , ولا في الترقية والتحضر , يعيشون كصوفية البلوى الذين حرموا على أنفسهم الطيبات , وأباحوها لمشايخهم بدون حدود .

وهكذا تتجسد هذه الثنائية في عالمنا العربي ,تغلغلت في شعوبه , وطافت جباله وشعابه , لم تستثن هضبة ولا غور , وصارت عدوى مشئومة , تنتقل من قطر إلى قطر , ومن دولة إلى أخرى , ومن حزب إلى حزب , ومن قبيلة إلى أخرى , تستحوذ على الرأي العام , وتطبل في وسائل الإعلام , وتطبع الذل والمهانة , والاستخذاء والهوان , ترفع الظلمة والمستبدين , وتضع الضعفاء والمساكين , لها سلطان القهر , وهيمنة الدكتاتورية , صنعت أساطين الجبروت , وأحرقت الشعوب العربية , استعارت عصور الظلم الأوروبي , لعالمنا العربي المغلوب , فصار الإقطاعيون على جميع المستويات , ينهبون أموال العامة , ويحرقون خضراءهم , ويسفهون أحلامهم , كيدهم عظيم , وظلمهم عميم .

ونحن في وطن اليمن , وبلد الحكمة والإيمان , قد ابتلينا كغيرنا من البلدان , بهذه الثنائية المرة , التي ولدت الفوارق الطبقية , بين أبناء المجتمع الواحد , وصار يحكمنا إقطاعيون من طراز أصيل , استولوا بحكم هيمنتهم على كل الامتيازات في عموم الوطن , وظهروا متميزين في مظاهرهم , ومساكنهم , وعاداتهم وتقاليدهم , الأمر الذي جعل عامة الناس يندهشون منهم , ويتعجبون من أرزاقهم , ويتمنون مكانتهم , كتمني بني إسرائيل لأموال قارون .