الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٠ مساءً

أقولُ في قلبي..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ١٢ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:١١ مساءً
من المعروف أن وجود أزمة في أي من النظم الاجتماعية كافة، قد لا يعني بالضرورة عن فشل تلك النظم، وإنما قد يكون يمثل صحة إيجابية في كثيرٍ من الأحيان، أي أن وجود أزمات تدفع بالقائمين على تلك النّظم لمحاسبة الذات وتقييم الاختلالات الموجودة لإصلاح ما اعوج منها، فالشخص الواثق يبدي حرصاً في الاعتراف بوجود أزمة حقيقية داخل نظامه ــ مؤسسته ــ تستدعي جلوس المعنيين لتشخيصها كما هي، ومن ثم وضع أبدال حلول ممكنة استشعاراً منه بالانتماء للمنظمة، ولا بد من الأخذ بالفكر المبدع والرؤى القيّمة للحفاظ على استمرارية البقاء والتطوير في منظمته ومجتمعه.
إن ما يطرأ وبشكل مستدام من افتعال لأزمات في وضعنا اليمني داخلية كانت أم خارجية ــ تخريب الكهرباء، ضرب أنابيب النفط، قطع الطريق، اختطاف، قتل، نهب، تعليق الدراسة، عكس خط مرور السيارات، حفر للبناء أو للبيارة وإغلاق الشارع، ونصب خيمة عرس أو عزاء وسط الشارع العام، إصلاح الشوارع في ذروة السير، عرقلة الحوار الوطني بطريقة أو أخرى..الخ، ــ من قبل البعض هم مأزومون أصلاً يريدون الإطاحة بالبلد، هم في واقع الأمر يحملون أجندات خفية لتحقيق أفكار عقيمة ذات أزمات سلبية يمقتها كل مواطن يحمل في قلبه بذرة انتماء لنظم الدولة وولاء لهذا البلد الطيب.. ولو لم يكن ذلك لأسهم من يحملون منهم أفكار تنويرية في الجلوس بصدق وطني على طاولة الحوار الوطني وإبداء آرائهم ومقترحاتهم للخروج من تلك الحلقات الضيقة التي نعيشها، بدلاً من أن يجرون الوطن بكل مكوناته إلى هاوية التفرق والشتات، متجاهلين أن مصالحهم لن تتحصّن من ويلات ذلك.. ألا تكفيهم موعظة دروس سبقت ــ ولا زالت ــ فيما يعيشه المواطن العربي على نحو عام واليمني على نحوٍ خاص من أزمات حقيقية مؤلمة ..
أقول في قلبي ولمراتٍ عِدّة عند ما أخلو لنفسي وتصادف مرات وأنا أقود السيارة كرجل آلي لا أدري إلا وقد وصلت هدفي دون أن أعلم كيف؟ أو ما صادفني في الطريق وحيناً آخر أخطئ الطريق فأنتبه بعد فترة وأعود لتصحيح طريقي ليس بسهولة، كل ذلك الشرود الذهني لي ولغيري كُثر بسبب صخب العيش وأزماته الواحدة تلو الأخرى.. وسؤالٍ مُلح هو هل أصبح قادة النظم الحزبية وغير الحزبية ــ المؤثرة في الواقع أو كما أريد لها ذلك ــ وبعض الأشقاء والأصدقاء يحملون أجندات خاصة بهم لخارطة تبعية تنخر في تنمية وطنهم بكل أبعادها، باختلاق الأزمات للتدمير لا للبناء، حتى وصل التطاول منهم للنيل من الثوابت الوطنية على مستوى الوطن؟ هل أصبح الكل اخطر من العدو الحقيقي؟ هل الشقيقة السعودية ترى إعادة المغتربين اليمنيين بتلك الطرق البشعة في الوقت الراهن هو نوع من المساعدة التي وعدت به الدول المانحة نحن لا نفهه؟ أم أرادت فعلاً أن تكون لهذا البلد شقيقة بس كشقيقة الرأس؟ ألا تعلم الشقيقة كم هي مؤلمة للبسطاء المعدمون من قوت يومهم لا النُّخباء ــ حسب معتقدهم فقط ــ الذين حتى لم ولن يأمنوا على أنفسهم رغم ترفهم، ما لم يمارسوا بين أفراد مجتمعهم سلاح العدالة المجتمعية..!
أقول في نفسي لقد فهمنا كل المفاهيم فهماً صحيحاً ولكننا مسخناها بعمق حينما مارسناها بذلك السوء فأصبحت الديمقراطية والقبيلة والمدنية والمذهبية وحقوق الناس وواجباتهم..الخ، كل تلك المفاهيم وغيرها مسخت فلا بعض المعلم أو الأكاديمي ولا بعض التلميذ أو الطالب يحمل إلا أخلاقيات مضببة من تلك الأخلاقيات الشخصية والمهنية لأدوارهم المنوطة بهم، شُوّهت حتى فقد كلاً من التعليم والمعلم والطالب قيمتهم وهبطت إلى أدنى المستويات.. فمتى سيرحم بعضنا بعضاً الآخر يا ترى ويبلغ كل فرد ينتمي إلى تلك المجموعات سن الرشد المهني سواء في نظام القبيلة أو الدولة أو أي نظام اجتماعي آخر؟
كثير هم من يتحدثون عبر الشاشات عن ثقافة المواطنة وشكل الدولة القادمة أو يكتبون عنها في الصحف أو المجلات..الخ، مسؤولون أو قادة نظم ــ حكومية أو غيرها ــ والحديث أو الكتابة سهل لكن ممارسة ما يتحدثون عنه لا يوجد على ارض الواقع إلا من رحم ربي، فبعض المسؤولون نبحث عنهم في مكاتبهم أو منظماتهم ولا نجد لهم أثراً، وان صادف وحضروا نجد بينهم وبين مرؤوسيهم والمستفيدين- المراجعين - سدٌ منيع في اعتقادي أقوى وأضخم من سَدْ ذي القرنين، فهل هي تلك حدود ثقافة مواطنتهم وشكل دولتهم التي يكتب ويتحدث عنها؟ أم أنهم قصدوا من تلك الممارسات خلق إفرازات الأزمات الحالية؟؟.. وهل من حملوا تلك الأجندات تبعية الخبيثة لديهم مبرراً لما يختلقوه من أزمات في وطنهم؟ برأيي المتواضع لا يأتي شكل الدولة أكانت إسلامية أم فيدرالية أو كون فيدرالية في ظل متناقضات وصراعات شتى، وإنما يأتي تشكل تلك الدول في ظل انسجام وتفاهم واستقرار والشواهد لتجارب كثر وما يمليه منطق العقل أكثر تأكيداً، كما أن الأهم من ذلك كله أن يسهم في صياغة شكل الدولة الجيل الذي سيعيشها لا الجيل الذي يقف على مشارف القبور فارضاً رأيه على جيله وجيل غيره..! إننا في أمس الحاجة إلى إفراز جيل حصيف متبصر لواقعه ومستشرف لمستقبل الأمة متخذين من عقيدة ثورة الشباب سُبل البناء، لا من عقيدة من أيقظ ثورة الشباب بؤس الواقع وشظف المستقبل نمد اليد للقريب والبعيد وثروات البلد من تحت أقدامنا ومن فوق رؤوسنا، وبِئس العيش الذي أوصلنا إلى أن نكون عالة يلفضنا الشقيق من أرضه قبل البعيد في مهانة لا نظير لها ..!
يحدثني قلبي في أن الأزمات قد تحدث في مستويات عدّة على مستوى الفرد أو الأسرة أو في داخل النظم الاقتصادية أو السياسية أو التربوية أو المجتمع وبين الدول والعالم.. الخ،.. ومهما كان حجم الأزمة إلا أن التعاطي معها من المفترض أن ينطلق من المصداقية وأحقية شراكة الحوار لجميع المعنيين بالأزمة، مدركين بأن هناك تهديداً خطيراً في العلاقات الإنسانية ــ الإنسانية، داخل المجتمع أو مع دول الجوار وعليهم وضع أبدال حلول مناسبة وممكنة لإعادة السكينة المجتمعية والوطنية، وتحويل الصراع القائم من هدم إلى أسس بناء.. فلماذا في بلدي وبين جيراني لا يحدث إلا الصراع من أجل الهدم لا البناء حتى لو كان الخاسر وطن وأهم عنصر فيه وهو الإنسان؟! سؤالٌ أختم به للمؤتمرين في الحوار الوطني هو: متى ستُحمل الأجندة الوطنية على عاتق كل فرد لا سواها كي يُبنى وطن وإنسانه؟ فجميعنا يعلم يقيناً أن ترجمة الأمل إلى واقع معاش لا تصنعه سوى إرادة إنسان..!


للتأمل:
يقال أن رجلاً صالحاً زرع شجرة أمام منزله، فكانت لا تثمر مع أن بقية أشجار القرية تُثمر، وعندما كبُر أبناؤه استأذنوه في قطعها كونها غير مثمرة، فمنعهم أبوهم من قطعها وقال لهم يا أبنائي لو قُطعت شجرتنا لما أثمرت بقية أشجار القرية، لأنها هي من تحمل حبوب اللقاح لبقية الأشجار.