الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٩ مساءً

ماذا لو أن ما حدث كان في الجانب الآخر؟! نقد الفكر المنحاز لبعض الكتاب والمثقفين

د . ابراهيم عمر الغنام
الجمعة ، ١٢ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠١:٣٠ مساءً

المصداقية والموضوعية تعد رأس مال أي كاتب صحفي، ووسيلة أي صحيفة ووسيلة إعلام لكسب القراء ، وأداة من أدوات النخب لغزو قلوب عامة الناس. لكن ما نشاهده هذه الأيام يجعلنا نقول بأن المصداقية والموضوعية تكاد تذبح وتقدم قرباناً للتعصبات السياسية العمياء.

حيث نرى أن ساسة وكتاباً وصحفيين كان الناس يعدونهم كباراً ويتابعون تصريحاتهم وكتاباتهم وتدويناتهم، لكنهم ذهلوا عندما وجدوا أن أولئك قد أشهروا سيوف التعصب الأعمى في وجه طرف سياسي معين، بالحق وبالباطل، وامتدت لتحاكم حتى النوايا في المواقف التي يرونها جيدة ولا يجدون ما ينتقدونه فيها، بينما تعمى أبصارهم عن نقد حتى سلبيات الأطراف الأخرى التي لا تقل عن سلبيات ذلك الطرف إن لم تفقها.

أعرف أن الكثير قد أدرك أن الذي أعنيه هنا هي الكتابات المتطرفة للوبي صار تحالفه واضحاً ضد تجمع الإصلاح اليمني، أو الإخوان المسلمين في اليمن كما يسميه أعضاء ذلك اللوبي لشيء في نفس يعقوب.

وعلى الرغم من أنتما أعضاء اللوبي المذكور إلى تيارات مختلفة: عفاشية وحوثية وحراكية ويسارية، إلا أنك وأنت تقرأ لهم تجد أنهم ينطلقون من معون واحد، ويستخدمون نفس العبارات والمصطلحات، وتكاد عناوينهم تتطابق في كل مرحلة، وكأن التوجيهات تصدر لهم من مطبخ واحد، مرفقة بالمحددات العامة لما يجب أن يكتبوه، ثم يترك لهم صياغة ما يكتبون كلٌ بطريقته وأسلوبه الخاص!

تخيلوا لو أن الأمور تشقلبت
ولكي تدركوا حقيقة ما ذهبت إليه سأورد لكم هنا بعض الأمثلة لحوادث سكت عنها أصحابنا وصمتوا صمت الأموات إزاءها لأنها بدرت من أطراف غير الإصلاح، وسأترك لمخيلاتكم مدكم بأمثلة كثيرة أخرى أجزم أنها ستتزاحم على أذهانكم وأنتم تقرؤون المقال، وأدعوكم أن تتخيلوا فقط لو أن الأمور تشقلبت وكان من قام بتلك الممارسات أشخاص ينتمون لتجمع الإصلاح أو لأطراف محسوبة عليه كيف كانت ستقوم الدنيا ولن تقعد؟!

تخيلوا لو أن الإصلاحيين حرصوا على طلاء شعار الإخوان المسلمين (الله ربي، محمد نبي...إلخ) إينما حلوا في اليمن كما يفعل الحوثيون بشعارهم، ماذا كانت ستكون ردة فعل أولئك؟! مع فارق أن شعار الإخوان لا يلعن أحد، ولا يدعو لقتل أحد، ولا يعادي إلا الشيطان.

تخيلوا أكثر لو أن الإصلاحيين صوبوا بنادقهم على كل من يعترض على طلاء شعارهم أو يحاول طمسه وأردوه قتيلاً في الحال، ماذا كان سيقول الصامتون هنا في تلك الحالة عن هذه الجماعة الدينية لإخوانية المتطرفة التي تشوه كل جميل في اليمن بطلائها، وتوزع الإرهاب والقتل بدم بارد أينما حلت ورحلت؟!


تخيلوا معي لوا أن مقرات أحزاب يسارية أو إمامية أو غيرها هي التي تعرضت للحرق في بعض المحافظات الجنوبية والشمالية بدلاً من حرق مقرات الإصلاح ما الذي كان سيحدث؟! أما إن كانت أصابع الاتهام تشير إلى إصلاحين وليس إلى حراكيين وعفاشيين فياساتر استر، ربما كانت ستقوم قيامة أولئك ولن تقعد!!

تخيلوا لو أن الإصلاح يمتلك مليشيات مسلحة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، ويطلق على ملشياته تسمية المجاهدين! ويعتبر قتلاه الذين يسقطون في معاركه مع بقية أبناء اليمن شهداء في سبيل الله كما يفعل الحوثيون! ما طبيعة المواويل التي كان سيرددها أصحابنا المتفرغين لمهاجمة الإصلاح وكل مواقفه!

تخيلوا معي لو أن ما ردده الحوثي بأن من ينكر الولاية لعلي وذريته إنما هم عملاء الأمريكان، واربطوا ذلك بقول الحوثيين بأن مهمتهم قبل قتال الأمريكان إنما تتمثل بالجهاد ضد عملائهم وتحرير اليمن منهم، أقول تخيلوا لو أن ذلك قد صدر من الإصلاحيين ضد مخاليفهم ما الذي كان سيحدث؟!

تخيلوا أيضاً لوا أن ماردده مفتي الحوثيين (الباشق) بقوله أن الإصلاحيين هم عملاء آل سعود (اليهود) ومهمتنا يجب أن تتمثل بطردهم من اليمن قد صدر من الإصلاحيين ضد الحوثيين أو طرف آخر غيرهم كم هي المقالات التي كانت ستدبج عن الإصلاحيين الإقصائيين الذين لا يؤمنون بالتعايش مع الآخر ويريدون استإصاله!

تخيلوا معي لو أن الشيخ صادق الأحمر أو أحد إخوانه – وليس الشيخ محمد الشائف - هو من وصف باسندوة بأنه (صومالي)، وقال أنه سيؤدب صخر الوجيه (التهامي) ما الذي كان سيحدث؟!
تخيلوا معي لو أن الشيخ الذي لطم العسكري في قاعة مؤتمر الحوار الوطني كان إصلاحياً وليس اشتراكياً، ما الذي كان سيحدث؟!

تخيلوا معي لو أن عضوة إصلاحية في مؤتمر الحوار وصفت الإرياني أو ياسين أو العتواني بأنهم منافقين كما فعلت أمل الباشا مع الآنسي والأحمر وأبوأصبع، ما الذي كان سيحدث؟!
تخيلوا معي لو أن قيادياً إصلاحياً دخل مؤتمر الحوار مع زوجته وابنه باعتبارهم من المكونات المستقلة كما حدث مع القيادي الناصري أمين الغيش، ما الذي كان سيحدث؟!

تخيلوا لو أن زوجة اليدومي أو ابنة الآنسي دخلتا الحوار كمستقلتين كما حدث مع زوجة رئيس البعث قاسم سلام وابنة أمين عام اتحاد القوى الشعبية عبدالملك المتوكل، ماالذي كان سيحدث؟!

ردة فعل طاغية ومدمرة
بالله عليكم أريد منكم أن تتخيلوا لو أن ما ذكرناه من أحداث في الفقرة السابقة قد جعلتها الأقدار تحدث على يد إصلاحيين بدلاً من المؤتمريين والاشتراكيين والحوثيين والناصريين والحراكيين وغيرهم من القوى السياسية ما الذي كان سيحدث؟ وكم هي التصريحات التي كانت ستقال؟ وكم هي المقالات التي ستكتب للتشهير بذلك؟ وكم هي التغريدات الناقمة التي ستملأ صفحات الفيسبوك والتويتر؟ وكم هي المظاهرات التي ستخرج لتندد؟ وكم هي البيانات التي ستشجب؟..

لكن أي شيء من ذلك لم يحدث! فقط لأن تلك الأفعال لم تصدر عن إصلاحيين! أو لأنها كانت موجهة ضد إصلاحيين وليس إلى غيرهم من الانتماءات الأخرى!

ولو لم يكن ذلك لكنا رأينا صحفاً مثل: الأولى واليمن اليوم والشارع وعدن الغد وغيرها قد خرجت لنا بعناوين حمراء وعريضة تملأ صفحاتها الأولى منددة ومستنكرة ومحرضة! ومضيفة على ما حدث أضعاف مضاعفة من مخيلة هيئات تحريرها!
ولكان محمد المقالح قد انطلق ليخبرنا بأن الإصلاحيين لم يفعلوا كل ذلك إلا استقواءً منهم بالفرقة وبالجنرال (العجوز) علي محسن!

وكنا سنقرأ مقالات أكثر من التي يكتبها حالياً علي البخيتي عن أخونة الدولة، وكنا سنصدقه ساعتها لأنه سيعتمد على شواهد ملموسة، بدلاً من اعتماده حالياً على أوهام ومحاكمات لنوايا لا توجد إلا في مخيلته!

وبالتأكيد كانت أروى عثمان ستتحفنا بمقالات أخرى عن الإصلاحيين الذين يحرقون مشاقر الحياة! (مع أنها مش مقصرة في هذا الموضوع)، وكما قال صديقي الناصري لقد بحثت خلال السنتين الأخيرتين عن مقال لأروى لا تهاجم فيه الإصلاح أو الفرقة أو بيت الأحمر لكني مع الأسف لم أجد!
أما عيدروس النقيب فكانت مقالاته وبرقياته التي تنتقد الإصلاحيين (الذين يكن لهم كل الاحترام!) ستنسكب علينا بصورة أكثر مما هي عليه الآن، ولا أدري لماذا لا يحترم الأطراف الأخرى – ومنها من تمارس الأفعال المشار إليها أعلاه – ويوجه لها بعض مقالاته وبرقياته الودودة؟!

أما الثائر أحمد سيف حاشد الذي حول ثورته من ثورة ضد صالح إلى ثورة ضد الإصلاح فعلى الأقل كان سيفتتح له معتصماً جديداً أمام مقر الإصلاح الذي يمارس كل تلك الأعمال المشينة، لكن مادامت صادرة عن غير الإصلاحيين فهي مجرد نيران صديقة! وأكيد لها ما يبررها!

مقالات وتغريدات كثيرة تشطح وتنطح كنا سنطالعها لو أن الفاعل إصلاحياً من قبل كتاب وناشطين من أمثال: صلاح الدكاك وفكري قاسم وبشرى المقطري ومحمود ياسين وغيرهم كثر تتحدث عن الغول الإصلاحي المدمر الذي يريد أن يأكل الأخضر واليابس! أما والفاعل غير إصلاحي فسبحان من خلق الدعممة!

أما المنظمات الحقوقية والجماهيرية التي تتبع أولئك وتسير في فلكهم فلا يعلم إلا الله ماذا كانت ردة فعلها على كل تلك الأفعال في حالة ما صدرت عن إصلاحيين! أما وقد صدرت عن غيرهم فكل شيء يمكن تسويقه، خصوصاً إن المخرج والممول (عايز كده)!!

قليل من المصداقية والحياء
أرجو أن لا يعتقد القارئ أني أريد من خلال هذا المقال مطالبة الآخرين بالكف عن نقد الإصلاح – الذي لا أنتمى له – بقدر رغبتي أن تسود المصداقية في كتاباتهم، بحيث ينتقدون السلبيات التي تنتشر لدى غيرهم كما ينتقدون الإصلاح حتى بصورة أقل، أما السكوت فهو شيء مخزي ومقرف، ويسيئ إلى أولئك أكثر من إساءته للإصلاح!

ونريدهم كذلك أن يمتدحوا إيجابيات الإصلاح كما يتغنون ويمجدون إيجابيات غيرهم، أو حتى يقفوا منها موقفاً محايداً، بحيث لا ينطلقون لمحاكمة نوايا الإصلاحيين! وكأنهم قد علموا الغيب وتمكنوا من الكشف على مكنون نفوسهم وعقولهم!

فالإصلاحيون مثلهم مثل غيرهم يصيبون ويخطؤون، أي أنهم ليسوا ملائكة معصومين، لكنهم أيضاً ليسوا شياطين منفلتين كما يريد أولئك تصويرهم. وكم ساءني وأنا في ندوة تتحدث عن الدولة المدنية عندما قدم أحد أساتذة الجامعة ورقة حظيت بإعجاب الحضور، لكني سمعت من يجلس بجواري يقول لأخرى تقف جواره بعد أن رأى إعجابها الشديد بالورقة ومقدمها: (أنتي دارية أنه إصلاحي؟!) فامتعضت وقالت (مع الأسف أن يكون هذا إصلاحاً!) وعندما علقت على الندوة كان كلامها كله (شرشحة) لتلك الورقة وصاحبها بكلام ما أنزل الله به من سلطان!

ذلك كله هو ما دفعني لكتابة هذا المقال لعل وعسى تصحو بعض الضمائر، وإن كنا نرى بأن كل ذلك الهجوم على الإصلاح ولكل ما يمت له بصلة ليس شراً عليه، لكونه يثير العديد من التساؤلات لدى أفراد الغالبية الصامتة في اليمن، الذين يتساءلون عن سر كل هذا الحقد والصلف ضد الإصلاحيين؟ مقابل السكوت المشين على ما يبدر من غيرهم، مع أنه قد يكون أشد وأنكى؟!

وأحسب أن ذلك سيصب في نهاية المطاف لصالح تجمع الإصلاح في الانتخابات القادمة لأنه سيجعله يبدو مظلوماً في نظر الناس، وهو كذلك بالفعل في إطار الهجوم السياسي والإعلامي الحالي عليه، غير المنطقي وغير المبرر!!