السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٨ صباحاً

حلاقة ثورية !

أشرف الكبسي
السبت ، ١٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
العشرات من المرايا المتقابلة ، غطت الجدران ، محاولة إظهار المكان أكبر مما هو عليه ، وبينما توسط الحيز وبكبرياء ، كرسي الحلاقة ، بألوانه الزاهية ، انتصبت في الخلف ، وبتواضع ، ثلاث طاولات زجاجية رخيصة الثمن – ككل شيء آخر هنا - تناثرت عليها بإهمال إصدارات قديمة ، لصحف إخبارية ومجلات فنية ، توقفت أحداثها على صفحاتها في اليوم الأول لافتتاح (الصالون) قبل خمس سنوات شمسية أو لعلها قمرية.!

نعيماً... قالها صابر ، مبتسماً ، للفرق الذي أحدثه للتو في مظهر هذا الرجل الأربعيني الأصلع المقبل على زواجه الثالث بعد أيام. ممسكاً المقص باعتزاز ، اقترب من صف المرايا ، فبدا له وجهه غريباً مربكاً يحمل ملامح متداخلة ، مجتزأة من ألاف الوجوه ، التي طالما رسمت الفروق الطفيفة بين تعبيراتها حدود حياته ووجوده ، وبدا له أن المرآة لم تنس أحداً ، فقد كانت تجمع الصور ، وتحتفظ بها في تجاويف ذاكرتها الصقيلة الملساء !
الشعب يريد إسقاط النظام ... رددت الجموع عالياً ، مقتربة شيئاً فشيء من صالون (السعادة) ، الواقع على ركن تقاطع طرق ، تعارف الجميع - مؤخراً- تسميته (ساحة التغيير) ، يتوسط مركز الساحة (التقاطع) نصباً تذكارياً حجريا ، يروي حكاية من أربع كلمات (الإيمان يمان والحكمة يمانية). ترك صابر حديث المرايا ، ووقف على باب (السعادة) يحدق باهتمام في المسيرة الراجلة ، والوجوه شبه الغاضبة ، باحثاً فيها عن رأس (مؤمن وحكيم) أشعث ، قد يتطلب مهاراته في إحداث التغيير المنشود ، وفجأة ... قفزت إلى ذهنه فكرة لم يستطع مقاومة إغرائها ، فالتفت نحو المرايا ، هامساً: ماذا لو قرر كل هؤلاء التخلي عن (إسقاط النظام) ولو إلى حين ، وقصدت جموعهم ، رجالاً ونساءً ، صالون السعادة ؟

كان لصابر - منذ عامين فقط - فلسفة وجودية ، مغايرة تماماً ، تختزل مفاهيم معقدة كالحياة والثورة والتغيير ، في العلاقة بين طرفين ، المقص ورأس الزبون ، ما دفعه ، حينها ، إلى اتخاذ قراره الغريب ، رافضاً استقبال (رأس) يحمله أحد رجالات النظام ، أو التعاطي مع (لحية) يختبئ خلفها فرد من أتباعه ، وقد بدا له الأمر –انتقائية الرؤوس - سهلاً نسبياً خلال الشهور الأولى لاندلاع الثورة ، إلا أن الأمر لم يعد كذلك مع مرور الوقت ، وبعد أن اتضح له أن الكثير والكثير من الرؤوس وإن كانت غير (نظامية) إلا أنها قطعاً ليست ثورية كما تدعي ، فهي رؤوس جوفاء ، تخلو من كل شيء إلا من أنانية انتفاعها ، وضيق رؤيتها ، وشيئاً فشيء بدا أن المواصفات الثورية - بحسب معايير صابر- تكاد تكون شبه معدومة ، ليؤول الحال إلى ما آل إليه اليوم ، من انعدام شبه كلي لزوار ومرتادي صالون السعادة..!