الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٩ مساءً

أفدي قلبك وا محمود...

محمد أحمد أبواصبع
الاثنين ، ١٥ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
أن تقرأ وجهك في السطور وتلمس جراحك في الحبر , وتشعر بأن الأمل يتسلقك حتى السفح الأخير من وجودك, في واقع صلف يحاول ان يسحقك على الدوام , وأن تقرأ الخيبة من زاوية الناسك الذي يداوم على الأمل , وتُرزق الصبر في أرضٍ منكوبة بالقبيلة و ((نخيطها)) هو أن تغسل صباحك بمقالٍ لمحمود ياسين لتشعر بأن هناك من يرسم تفاصيلك اليومية ويكتب كل ما يختلج فيك من مشاعر وآمال خفية ورجاء خجول يحلم بغدٍ أفضل وكسرة خبز تسد رمق المساء .

وحيث ان الكاتب الذي يفقد صلته بالشارع, يغتال قدرته على التعبير عن نبض الشعب, ويصبح صوتاً مخموراً بالغربة ومغموساً بالاغتراب ولا يلبث أن يغادر عقول الناس خالي الرصيد إلا من لعنة قد تلحق ذكره في إحدى ((المقايل))؛ فإن محمود يمثل حالة حية للكاتب الذي مد جذوره عميقاً في تربة المجتمع وتشرب ببساطته ــ أعنى محمود ــ إيماءات الأرض.

لذا فأنه يكتب عرقها وآلمها وتوجسها الدائم بلكنة الصوفي المغمور بربه حد الغرق. إنه ودون الكثيرين ينفرد بقدرته على تجسيد حالة الشعب في مقالاته, لأنه يكتب همومنا, همومنا التي تتصل على الدوام بمطلب الحياة الكريمة وتنشد الحرية والسلام والأرض الكاملة السيادة.

ولأنة من القليلين الذين لم يعرضوا أقلامهم في مزادات الخيانة , ولم يرهنوا أسمائهم في مواخير النخاسة , تراه يحلق بحرية دون أن يخضع للابتزاز أو أن يتوقف صوته عن الغناء ملء هذه البلاد: ((أنا بتنفس حرية لا تقطع عني الهواء)).

وبالتأكيد لن يتمكن أحدٌ أن يمنع محمود من تنفس الحرية وبثها في عروقنا حبراً ودماً وتمائم تحقن أيامنا بالنضال من أجل حقنا في العيش الكريم القائم على عدالة اجتماعيه لا تعرف الامتيازات الطبقية.

كثيراً ما فكرت أن أكتب عن محمود, أن أكتب بعيون القارئ الذي أوجدته كتاباته في داخلي كمواطن اهتزت ثقته بالنخب السياسية والثقافية, وقد راودتني فكرة أن أختتم المقال باللهجة الإبية كأن أقول (أفدي قلبك وا محمود) رغم تخوفي أن يفهم القارئ ما كتبته على انه نوعٌ من المناطقيه, سيكون الأمر مؤلمٌ بالنسبة لي إن فهم على هذا النحو, إذ أني لا أؤمن بالمناطقية كما أني لم أقرأ محمود في قوالب ضيقه على حد ما هو منتشرٌ هذه الأيام في الصحافة, فقد كان محمود دوماً وأبداً ينتمي لكل هذا الوطن ويحلق على الدوام بجناحين كتبا من كل اللهجات المحلية.

وأنا الآن أكتب مقالي في غمرة احتفالات الشارع بقرارات الرئيس وأسمع الهتافات المؤيدة لها, تخيلت صدفة ثانية تجمعني بمحمود ياسين في حديقة 21 مارس وهو يتأبط ذراع زوجته ومن حولهما أطفالهما وأكون أنا قد تزوجت حبيبتي وقد فرغت معها من همس قبلة دافئة تحت ظلال شجرة احتلت مكان مدفع... سوف نقعد سوية على صفوف من الكراسي زرعت مكان مخزن للأسلحة وأساءل حينها محمود والابتسامة ملء قلبي : ألم يكن هذا حلمٌ قبل أيام...؟