الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٠ صباحاً

مأساة اليمنيين من سيل العرم إلى حكومة الوفاق

يحي محمد القحطاني
الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
بداية لابد من التوضيح للقارئ الكريم بأن الماسي الذي يعاني منها الشعب اليمني كثيرة ومتعددة ولايمكن حصرها بمقال واحد،لذلك فأنني سوف أتناول ثلاث مآسي تعتبر مفصلية في حياة اليمنيين بدأت بعد تهدم سد مأرب،وقولهم(ربنا باعد بين أسفارنا)وهذا حالنا،مرورا بالتربية الخاطئة للطفل اليمني ونتائجها المضرة على اليمن أرضا وإنسانا،وصولا بمأساة حكومة الوفاق الوطني والذي جاءت باسم التغيير،وتصحيح الإختلالات،لكن حالها (كمن جاء يكحلها أعماها) ومن هنا نبدأ بالمأساة ألأولى لليمنيين والتي تتمثل بانهيار سد مأرب بسبب سيل العرم في 145 ق.م تقريبا،ويعتبر سد مأرب أقدم سد في العالم،وإحدى روائع العالم القديم،ويروى أن سبب انهيار السد هو الفئران التي هدمته بأظفارها وأسنانها،بعدان حذر من تآكل السد كاهن اسمه عمران،وبعده زوجة الملك،فلم يستمع لتحذيرهما احد،وكان خراب سد مأرب حدثا تاريخيا ذكره القرآن الكريم في سورة سبأ:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(19)) صدق الله العظيم.

فتسبب انهيار سد مأرب المنيع في تشتت عدد كبير من القبائل اليمنية،إلى ديار بعيدة مثل قوم الأوس والأزد والخزرج،ومن تبقى منهم في اليمن دان بالولاء لكسرى،وبعضهم لقيصر بيزنطة وروما،ومنهم من دان لنجاشي الحبشة،نتيجة لضعفهم وتفرقهم في أرجاء المعمورة،فبعد انهيار السد،شحت المياه وقحطت الأرض،ولم تعد ارض اليمن تنجب إلا خمطا وأثلا وسدرا وقاتا،لأنهم لم يستمعوا إلى تحذير الحكماء من انهياره،ولم يسارعوا إلى رأب الصدع وإنقاذ بلدهم من الانهيار،ولو أنهم بادروا بإصلاح الخلل ورأب الصدع حال حدوثه،لبقي اليمن سعيدا إلى يومنا هذا،فتفرق أيدي سبأ،أصبح مثلا يجري على كل لسان،ومثلا يضرب لمن تفرقوا بعد عز ورخاء،فالله يضرب الأمثال للناس ليس من اجل التسلية،ولكن للتحذير مما أصاب أمما قبلنا،لم تحافظ على تماسكها وقوة بنيانها،كما يعمل اليوم بعض أعضاء مؤتمر الحوار الوطني،من الحراكيين في الجنوب والشمال وتهامة،بالدعوة للانفصال وفك ألارتباط،ونشر ثقافة الكراهية والطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الواحد،إنها نصيحة قل من اخذ بها،فإن نحن لم نأخذ بها أصابنا ما أصاب الذين قبلنا،فويل لمن لم يعتبر من تاريخ الأمم التي سادت ثم بادت،وويل لمن قرأ كلام الله،فلم يفهم مقصده،حفظ الله اليمن الموحد من التفرق كما تفرقت أيدي سبأ،وحفظنا من نوائب الدهر وعقوبة الرب لما يفعله السفهاء منا عمدا أو غفلة.

المأساة الثانية لليمنيين تمثلت في الطفولة التعيسة والتعذيب الذي يمارس ضد ألأطفال اليمنيين الذين يلفهم ذل التشرد وتثقلها وطأة القهر،ولا يحظون بشيء من براءة الطفولة،وليس لهم نصيب بالتمتع بطفولتهم ولحظاتها البريئة والنقية،حيث تجبرهم الظروف المعيشية بالتسرب من الصفوف الدراسية الأولى،والانخراط في سوق العمل،وتهريبهم إلى دول الجوار لغرض التسول،والتشغيل ضمن عصابات السرقة وصولا إلى التشرد الدائم والتعرض لجرائم الاغتصاب،وجميع أطفال اليمن يعانون واقعاً بائساً مفروضا عليهم،من ألأسبوع ألأول لولادتهم ويستمر إلى أن يصلوا عمر عامين،بلفهم(بالقماط)تحت مبرر أنه يقوي عضلات اليدين والرجلين ويحفظ وجه وعين الطفل من الخدوش والجروح التي يمكن أن تسببها أظفار الطفل الحادة،هذا المبررات لا تستند إلى دليل علمي يثبت صحتها أو فائدتها،بل يوجد العديد من أضرار القماط أنه يذيق الأطفال مر العذاب طيلة عامين،ويبطئ نموه الجسدي،ويعيق تنفسه الطبيعي،ويعيق حركت الطفل وتفاعله مع محيطه الخارجي،مما ينعكس على حالتهم النفسية عندما يصبحون شبابا يافعين،أما ما يشاع أن الطفل(بدون قماط )يطلع عموده الفقري أعوج وقدمه أحنف،ويخاف من يديه،ولا يعرف يمشي،فأغلب دول العالم لا يستعملون القماط،ومع ذلك فهم أكثر صحة ووسامة مننا،ولديهم الكثير من العلماء والمخترعين،أما نحن فحدث ولا حرج شعب شبة أمي،يأكل مما لا يزرع ويلبس مما لايصنع،شعب يمضغ القات لساعات طوال،يمارسون أعمال غير إنسانية،مثل ألإرهاب،والتهريب،تفجير أنابيب النفط والغاز من وقت لأخر،قطع الكهرباء والألياف الضوئية للاتصالات والإنترنت،قطع الطرقات والأشجار في الشوارع والميادين العامة،وتكسير إشارات المرور ونهب المنشئات الحكومية والممتلكات الخاصة،وإغلاق المدارس والجامعات،وممارسة أعمال القتل والتهريب،وزراعة القات على حساب الأشجار المثمرة والخضار.

المأساة الثالثة تتمثل في أن المواطنين اليمنيين مازالوا يعانون من شظف العيش في بلادهم ويعانون من الخوف والإرهاب ناهيك عن جملة المشاكل والاحتياجات التي أثقلت كاهلهم وحولت نهارهم إلى ليل كئيب؟في ظل الانفلات الأمني واستمرارية عبث العابثين وصراع المتصارعين،في ظل(حكومة الوفاق الوطني)والتي جاءت باسم التغيير والدولة المدنية الحديثة،دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية،بسط هيبة الدولة ومحاربة ألإرهاب والقضاء على الفساد والفاسدين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب،الحفاظ على الوحدة اليمنية،والدفاع عن ألأمن القومي للأرض والإنسان بر وبحر وجوا،استرجاع الحقوق المسلوبة للوطن والمواطن اليمني،لكن واقع الحال غير مبشر بخير،ويظل السؤال البارز والمهم والكبير،أما آن الأوان لملايين اليمنيين أن يحلموا بأتنها مشكلة قطع الكهرباء وتفجير أنابيب البترول والغاز؟وإلى متى يظل الواقع المعايش على ما هو عليه؟أسئلة تحتاج إلى إجابات وتوجهات بعد أن طفح الكيل ووصلت الأوضاع إلى درجة مؤلمة وقاسية،فا(اليمن السعيد)لم يعد كذلك اليوم بل صار(تعيساً)كئيباً،لأن الغارقين في بحر الفساد لا يخشون الله ولا الناس ولا القوانين,شهوة المال عندهم طاغية,تتخطى رهبة العقاب السماوي والأراضي،وأصبح الفساد ثقافة,ونباهة,وذكاء,وقيمة اجتماعية لأصحابه،وأصبحت(حكومة الوفاق الوطني)ممثلة بالأجهزة الرقابية المتعددة والمتنوعة رخوة على مائدة ألأموال الكبيرة.

وفي خضم هذا المشهد المؤلم الذي يعيشه(اليمن) منذ تهدم سد مأرب ودعاهم على أنفسهم(رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)يلجا المواطن اليمني للاغتراب في كل بلدان العالم،فما أن يحصل على شهادة علمية حتى يبدأ البحث عن فيزه عمل،لكن أحداث سبتمبر ألإرهابية عام 2001م قلصت فرصة الهجرة لليمنيين في أمريكا وكنداء وأستراليا،ولم تبقى لهم إلا الدول الخليجية وبالأخص الجارة السعودية التي يعدها اليمنيين بمثابة أمريكا للمكسيكيين،إلا أن المكسيكيين يحصلون على امتيازات من أمريكا في شتى المجالات بدون أن تأخذ أمريكا من أراضيهم كيلو متر مربع واحد،عكس اليمنيين الذين تنازلوا عن ألإقليم السليماني المتمثل بنجران وجيزان وعسير عام 1934م وشروره والوديعة ونصف صحراء الربع الخالي عام 1969م وتحصلت السعودية من الحكومة اليمنية ما تريده وأكثر في معاهدة جدة عام 2000م،وقيل لنا في ألإعلام اليمني حينها أن المغتربين اليمنيين سيحصلون على امتيازات في السعودية وأن اليمن سيحصل على مساعدات كبيرة سنويا،وأتذكر أن اليمنيين استقبلوا الرئيس السابق بعد التوقيع على معاهدة جدة استقبال الفاتحين،مع أنهم(لم ينالوا بلح الشام ولا عنب اليمن)فهاهي السعودية تريد أن تبني جدار عازل بينها وبين اليمن،والمغترب اليمني يلاقي الويل والعذاب،والمسئولين والمشايخ سواء الذين وقعوا على معاهدة جدة أو من المؤلفة قلوبهم يستلمون اعتمادات ومرتبات شهريا بحدود 50 مليون ريال سعودي،فماذا عملت حكومة الوفاق الوطني للمغتربين اليمنيين في السعودية؟أم أن تغيير الحال من المحال،والباب الذي يأتيك منة الريح سدة وأستريح. والله من وراء القصد والسبيل.