الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً

عِداءٌ مُزْمن .. ( 1- 4 )

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
برغم أن رجل الشرطة والأمن ــ العسكري ــ هو في الواقع إنسان ومواطن إلا أننا دوماً ما نجد أن العداء له أزلي ومزمن من قِبل غالب المواطنين، وقد قال شاعر اليمن الشهيد / محمد محمود الزبيري قبل نصف قرن تقريباً يصف فعل العسكري لا يفطن إلا للأذى تجلى في البيت التالي :ـ

" العسكري بليدٌ للأذى فطنُ .... كأن إبليسُ للطغيانِ رباهُ "
حيث اختزل الشاعر مُؤلّفاً لصفحاتٍ عِدّة بتلك الصيغة البلاغية التي ولدت من رحم معاناة الشاعر لما لاقاه وسائر البسطاء من أبناء جلدته ويلات التعذيب والقهر والطغيان من قِبل رجل الشرطة والأمن ــ العسكري ــ الذي ولد هو أيضاً ونشأ في كنف مثلث التخلف من جهل وفقر ومرض بكل ما تعنيه تلك المفاهيم الثلاثة، وبسبب ذلك الثلاثي الذي أصرّ على البقاء مُذ تلك الحقبة حتى الحاضر، قد يكون طول حياة ذلك المثلث بسبب حُكم العسكري الجاهل فاقد رؤى التحسين والتطوير والذي صعد إلى كرسي السلطة بانقلاب عسكري على سلفه.. وبرغم أن الهدف الثاني من أهداف الثورة اليمنية الأم كان ومازال مطلباً مُلحاً، ومن أهم الأهداف الوطنية الإستراتيجية وهو " بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة ومكاسبها " .. ولكن السؤال هنا: هل كل فرد شرطة كان أو أمن ــ عسكري ــ بدءاً من رتبة مشير ولواء ومروراً بالعميد وانتهاءً بالجندي ــ العسكري ــ أصغر منتسب في النظم العسكرية استطاع أن يستوعب كل مرحلة من المراحل المهمة المختلفة التي مرّت بها اليمن ومتغيراتها ليسلخ عن جسده وفكره ذلك المفهوم القاسي الذي صاغه عن تجربة في بيتٍ من الشعر أبي الأحرار حتى ترسخ كمبدأ لدى الغالب من الناس؟!

إن أي زائر لأي دولة من الدول يستطيع الحكم بأن نظامها السياسي منفتحاً أو غير ذلك مباشرة من خلال ملامسته لتعامل رجال الشرطة والأمن معه أثناء دخوله من منافذ الدخول عبر المطارات أو الحدود البرية والبحرية.. وقد اتسمت نظرة غالب المواطنين العرب لأشخاص الشرطة والأمن ــ العسكر ــ بالقتامة، والتي قد كانت قتامتها بدأت تنقشع نسبياً عند بعض المواطنين العرب في بعض أشخاص الشرطة والأمن الغربي إلا أن أحداث في الـ 11 من سبتمبر 2001م، أماطت اللثام وغيبت عقلنة القضايا حتى جعلت النظرة تزداد بغضاً لدى الشعوب العربية وأنظمتها لما قامت به دول الغرب بقيادة أمريكية من التلويح بعصاً غليظة وأحياناً بالضرب بها كما حدث في أفغانستان والعراق، وقد مكّن بعض قادة الأنظمة العربية الدكتاتورية بطريقة أو أخرى تلك العصا من زعزعة الأنظمة السياسية المُزمنة واقتلاع بعض قادتها العسكريين بدءً بنهاية العام 2010م، وخلال العام 2011م، من سدة الحكم بإستراتيجية اختلفت جذرياً عن المواجهة العسكرية كما حدث في العراق مثلاً والذي لم يتخذ القادة العرب لها أي وقاية استباقية للتغيير في بيوتهم السياسية حتى في الاهتمام بمكون مهم وهو العنصر البشري، تلك الإستراتيجية هي خلخلة الحكام من الداخل بأيدِ الشعوب كانت شرارتها شرارة البوعزيزي من تونس.. فأظهرت بجلاء مقدار ذلك العداء الكامن بين العسكري والشعوب العربية، والذي من المفترض أن يأمن المواطن كلما اقترب من رجل الأمن لا أن يخاف منه..

إذاً هنا لا بد لنا أولاً من معرفة مفهوم كلمة بوليس " شرطة POLICE " والتي كثيراً ما نقرأها في دوائر وزارة الداخلية المختلفة وعلى مركباتها السائرة والعائمة والطائرة، حيث يقال أن حروف تلك الكلمة اللاتينية هي اختصار لستة مفاهيم سامية أُخذ الحرف الأول من بداية كل مفهوم حتى تكونت كلمة " شرطة POLICE " كالتالي :ـ Planning وتعني تخطيط، Organization وتعني تنظيم، learning وتعني تعليم وتوجيه، Incentive (invention) وتعني تحفيز ( إبداع )، Control وتعني رقابة، Evaluation وتعني تقييم ( تقويم ).. فهل رجل الأمن والشرطة يعلم تلك المكونات للكلمة؟!!

ومن خلال تلك المجموعة من المفاهيم يمكن القول بأن الشرطة والأمن ــ العسكر ــ هي منظومة علمية متكاملة ومتشابكة أساسها التخطيط والتنظيم والتعليم ــ التوجيه ــ والإبداع والرقابة والتقويم لرفع فاعلية الأداء المتوقع ونوعيته في البيئة الأمنية للبلد لتحقيق الأهداف الوطنية والمجتمعية المطلوبة.. ورجل الشرطة أو الأمن ــ العسكري ــ هو أهم عنصر في تلك المنظومة ويعتمد نجاحها بدرجة كبيرة عليه، إذْ يُعد رجل الشرطة ــ العسكري ــ هو يد القانون، فإحدى يداه تذود عن الوطن والأخرى تحمي المواطن، وهو ما يُعطي خطورة كبيرة على سلامته في مهنة العمل الأمني، لذا يكون من الأهمية تحصين المنتمي إلى تلك المهنة معرفياً وتقنياً حتى تصبح المهنة عقيدة يؤمن بها فكراً وسلوكاً وهنداماً، لدى كل فرد منتسب للمنظومة الأمنية ليعكس رسالة ورؤى المنظومة كما أرادها الوطن لا الأمزجة الشخصية.. فهل ما يخبرنا به سلوك رجل الشرطة عموماً ورجل الشرطة والأمن ــ العسكري ــ اليمني خصوصاً يندرج تحت تلك المفاهيم أم العكس؟؟ وإلى ماذا يُعزى واقع سلوك رجل الشرطة ــ العسكري ــ اليمني في مختلف المستويات والمواقع مع المواطنين؟ المقال القادم... يتبع