الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٢ مساءً

الحوار التليفزيوني الراقي ...

د . محمد نائف
السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
تتنافس القنوات الفضائية المحلية والعربية والعالمية بإعداد وتقديم البرامج الحوارية المختلفة لمشاهديها محلياً وعالمياً في عالم الفضاء المفتوح والحرية الإعلامية التي أصبح سقفها السماء في هذا العصر ، وقد أصبحت بعض البرامج الحوارية السياسية مشهورة في كل أرجاء المعمورة ولها جمهور عريض ينتظرها بشوق وشغف ، بل ان بعض الناس أصبح يبرمج حياته بحيث لا يفوته موعد مثل هذه البرامج المفضلة لديه .

خلال أسبوع شاهدت - بالصدفة المحضة - برنامجين حواريين لا يفصل بينهما سوى ثلاثة أيام . كان الأول على قناة فضائية عربية بُثَّ يوم الثلاثاء (16 إبريل 2013) مساءًا والآخر بُثَّ على قناة فضائية يمنية يومنا هذا الجمعة (20 إبريل 2013) ظهراً ، وأنا هنا لن أقارن بين البرنامجين لا من حيث الموضوع ولا التوجه ولا المتحاورين لأن المقارنة غير واردة فالبرنامجين مختلفين تماماً من كافة الأوجه ، ولكن ما يهمني بالدرجة الأولى هي اللغة المستخدمة في الحوار وأسلوب وأدب الحوار بين المتحاورين في البرنامجين وحتى لا أطيل في الحديث عن العموميات سأدخل في صلب الموضوع .

بُثَّ البرنامج الأول (الإتجاه المعاكس) حوالي العاشرة مساءًا يوم الثلاثاء الماضي على قناة الجزيرة . هذا البرنامج كما يعرف الجميع أصبح له محبيه ومتابعيه منذ فترة طويلة وقد كُتب عنه الكثير والكثير وأنا لست هنا بمعرض تقييمه أو انتقاده وإنما التحدث عما يحدث أحياناً فيه من إساءة للذوق والأخلاق العامة على الملأ من قبل بعض المتحاورين ، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مكانة وسمعة هذه القناة الفضائية العربية التي تنافس قناة السي إن إن الأمريكية وتتفوق عليها في كثير من الخدمات الإعلامية المختلفة التي تقدمها ، وأصبحت علامة فارقة في الإعلام العربي المعاصر بغض النظر عن ما يثار حولها من جدل وإثارة من وقت لآخر .

يوم الثلاثاء الماضي كان برنامج الإتجاه المعاكس حول الأحداث المؤلمة التي تتعرض لها سوريا والشعب السوري الشقيق هذه الأيام وكان ضَيْفي برنامج الدكتور فيصل القاسم ناشط سياسي من سوريا هو مدير الإعلام السابق فى دار الإفتاء السورية ، السيد عبدالجليل السعيد ، وأستاذ جامعي لبناني خبير في الجماعات الإسلامية هو السيد أحمد موصلي . بدءا الضيفان النقاش حول الأوضاع في سوريا والجماعات الإسلامية هناك وأخذت حدة الكلام تتطور بين الضيفين إلى أن وصلت إلى السب والقذف ، وتقريباً قبل نهاية البرنامج بقليل رش الضيف السوري الماء على الضيف اللبناني مردداً أنه يطهره على الملأ . عندها قام الضيف اللبناني وهو يردد شتائم تخدش الحياء واندفع باتجاه الضيف السوري ولا نعرف ما الذي حدث بعد ذلك لأن البرنامج كان على وشك الإنتهاء وقد سارع مقدم البرنامج وطلب من المخرج إيقاف البرنامج قبل أن نشاهد العراك بين الضيفين بالأيدي والكراسي والطاولات !! أنا متأكد أن الدكتور فيصل القاسم سيضم هذه الحادثة الغريبة إلى مذكراته وسيتحدث عنها طويلاً كواحدة من المواقف التي لم يتوقعها ولم يحسب لها ألف حساب على الرغم من أنه قد مر بمثيلاتها من قبل .

البرنامج الحواري الثاني بعنوان شركاء لا فرقاء بث اليوم الجمعة 20 إبريل 2013 على قناة سهيل وكان ضَيْفي البرنامج كل من القاضي في محكمة المطبوعات منصور شائع والإعلامي اليمني المعروف حمود منصر . كان الموضوع حول حرية الإعلام والقوانين التي تحدد سقف تلك الحرية ، وقد كان الحوار هادءاً راقياً رصيناً يحترم المشاهد والذوق العام ويقدم المعلومة ويراعي أداب الحوار حتى في مسألة المقاطعة من قبل المتحاورين ومن مقدم البرنامج . هذا هو الحوار التليفزيوني الراقي المطلوب على القنوات الفضائية العربية لنقدم نموذج مغاير للصورة النمطية عن العربي الذي الذي بات يُعتقد أنه لا يعرف الديمقراطية ولا احترام الرأي والرأي الآخر وإذا عرفهما فهو لا يمارسهما قولاً وعملاً من خلال حياته اليومية وتعامله مع الآخرين .

كما أسلفت في البداية ليس الهدف هنا المقارنة بين البرنامجين لا من حيث التوجه ولا الأهداف . فبرنامج قناة سهيل يهدف إلى أن يَلتقي الفرقاء حول هدف واحد في نهاية البرنامج حتى وإن اختلفت الرؤى ، وبرنامج الجزيرة يحاول أن يظهر التباين بين وجهات نظر مختلفة وإتاحة الفرصة للمتحاورين إبراز البراهين والحقائق التي يَسُوقها كل طرف أمام الجمهور لإثبات أن رؤيته أكثر صواباً من رؤية الضيف الآخر ويَترك الحكم للجمهور من خلال الوقائع المطروحة للنقاش .

ما يهمنا أن نؤكد عليه هنا هو أن نلفت الإنتباه إلى أداب الحوار واحترام المشاهد والإبتعاد عن الألفاظ النابية وعدم ترسيخ الصورة الذهنية عند الآخرين أن العرب لا يعرفون إلا العنف والشجار والقتال ولا يعرفون آداب الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر واتباع الإقناع عن طريق سرد البراهين والحقائق والأرقام التي تدحض حجج من يحاورون.

ألف شكر وتحية وتقدير لكل القنوات الفضائية العربية التي تقدم برامج حوارية تليفزيونية راقية تحترم الذوق العام وآداب الحوار ، وتراعي أنها تُشاهد في كل بيت من قبل جميع أفراد الأسرة ، وتحاول ترسيخ مبدأ إحترام الرأي والرأي الآخر وإبراز الصورة الحضارية للعربي الذي يحثه القرآن الكريم والسنة النبوية والدين الإسلامي على التحاور والتشاور والإقناع عن طريق الجِدال الحَسن . فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم ." صدق الله العظيم.