الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٩ مساءً

الواقع المقلوب وأزمة الضمير

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ٢٢ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
حينما يتلفت المرء سابرا عمق الحياة في واقعه المقلوب بنظرة جامعة يرى انقلاب القيم والموازين وتحول الأخلاق والمبادئ إلى أزمة إنسانية شاملة حيث أصبح الأمر ظاهرة طبيعية تتأقلم مع وضع الحياة المأزوم وتغلف جوهر الحقائق بألوان جذابة تتراءى للأعين في أضواء خادعة تحمل صورا مستعارة توهم الإنسان بغثاء رغوة التعامل المشبوه في ظل موت القلب وانحصار الضمير .

فالعجلة المستديرة التي تنطلق في رحاب الحياة المخنوق تقذف زبدا من هراء السراب المدهون بطلاسم من همجية الانحلال تموج بأمواج من التغيرات المتصارعة مع القيم الإنسانية المستمدة من روح الإسلام الحنيف فتعمل على انحراف الموازين والسلوك عابثة بتغلبها الممقوت في ظل الوسائل المؤهلة نائية عن الطريق الحق باغية الاكتساح الحياتي لترسيخ القيم الفاسدة لخروج الإنسانية من صراط الاستقامة إلى طرق الإغواء والضلال .

إنما نشاهده من تصرفات وأفعال خارجة عن المألوف من القيم الأصيلة هو شيء يوصم الضمير الإنساني ويسبب آلاما متلاحقة تحرق القلوب الحية بغيرة إيمانية تدفق بصهير الأسى وتتألم في واقع المر المنمق بزيف الخداع والمكر والمتزر بلفائف مرقعة من شوائب الانحطاط والموسومة بآسن الأفعال وسيئات الأعمال فنرى دخان الزيف والتهجين عاليا يغشى سماء الحياة فيحجب بسحبه إشراقة الصدق والحق وراء آكامه السوداء فتظهر أطيافه قريبة من واقع الناس فيخدعون بجوها المغطوش في عالم الجهل وظلماته المتراكمة .

إن الضمير الإنساني هو الضمانة المثلى لصلاح الحياة واستقامتها لأنه مستمد من عقيدة ترسخ روح الرقابة والمحاسبة الذاتية التي يترتب عليها عمل الخير وترك الشر على ضوء الحلال والحرام الذي تحدده النصوص الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وبدون هذه العقيدة لا يردع المجرمين إلا دولة قوية ذات دستور وقانون وذات جيش وأمن وقضاء عادل .

إن انقلاب الموازين وانحسار الأخلاق عن حياتنا هي أزمة كبيرة من أزمات الضمائر التي جعلت القاضي يحتال على القانون والطبيب يزور على المريض ويقرر عكس الواقع بحثا عن الربح لا يبالي بحياة الناس ولا يحسب أقدار ظروفهم المادية وجعلت التاجر يحتكر ويزور ويرفع الأسعار وجعلت الزارع يخفي حقيقة المحصول هروبا من أداء الزكاة وجعلت المصانع تزور في مقادير الجودة بحثا عن الربح السريع غير عابئة بمخاطر الدواء على حياة الإنسانية ...الخ .

لا يمكن للحياة أن تستقيم بدون دوافع ذاتية تنبثق من عمق النفوس فتعمل على إبراز الوازع الذي يكبح النفس عن شهواتها ويرد الأفعال إلى استقامتها بعيدا عن الانحراف والتساقط على عفن الزيف ومهاوي الاعوجاج فهناك عوامل شتى تعمل على ترسيخ القيم سلبا وإيجابا وتعلي أو تخفض نواميس الفعل وأقدار الحياة نحو الخير أو الشر على أساس الطريق المعمول في إطار العمل .