الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٠ صباحاً

عِداءٌ مُزْمن .. ( 4- 4 )

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
.. وإذا كنا قد ذكرنا بعضُ مهام منتسبي النظم العسكرية من أفراد الشرطة والأمن، فيحق لنا أن نسأل هنا بـ : ما النسبة التي تمارس من تلك المهام من قِبل منتسبي النظم العسكرية من رجالات الشرطة والأمن اليمني؟؟.. واترك الإجابة للقارئ الكريم وللمعنيين عن الأمر ولمنتسبي تلك النظم..

شيء جميل أن يتم الإعلان عن فتح باب القبول للكليات والمعاهد العسكرية المختلفة سنوياً، وهو شيءٌ نفاخر به في أن لدينا مصانعٌ تخرج لنا أفراد شرطة وأمن، ولكن يحدونا الأمل أن يتم التركيز على المُخرج نوعي يجيد التعامل مع متغيرات العصر بكفاياتٍ عالية لا المُخرج الكمي العاجز الذي يسيء إلى المهنة فقط، فأرجو من القائمين على القبول في تلك الكليات والمعاهد المصداقية والنزاهة الوطنية في تطبيق المقاييس، بحيث يخضعوا المتقدمين إلى اختباراتٍ معرفية وجسدية ومظهرية حقيقة تحكمها الأنظمة والقوانين، دون السماح للأمزجة أن تتدخل فيها أو أي معاييرٍ غير مشروعة التي أثرت لفترات زمنية على مفاهيم سامية كالمواطنة المتساوية بين الشباب، وغيرها.. ولأني وجدت في أكثر من موقف تناصح بعض الشباب من خريجي الثانوية العامة فيما بينهم الالتحاق بالكلية التي تدر عليه العائد المادي الكبير وغير المشروع، كالتسجيل في كلية الشريعة أو الشرطة..أو..الخ، ليتخرج وكيل نيابة أو مدير أمن أو مدير ناحية..الخ، غرضهم أن يتقلدوا مناصباً لجني مكاسب مادية..!! فكيف سيكون مستقبل الجيل القادم ومجتمعه والوطن بقيادة عسكرية وأمنية تحمل مثل تلك الرسالة والرؤى المضببة؟؟ لذلك كله ومن أجل أن أرى ابن بلدي الملتحق بالنظم العسكرية والأمنية في زهو أفاخر به، أرى أن من الشروط المهمة التي من المفترض أن ينفرد بها رجل الشرطة والأمن المستقبلي بصفاتٍ أهمها :ــ

- دقة في الانضباط والحرص على الوقت وحسن المظهر وقوة الشخصية والحلم والحنكة الإدارية بحيث يكون متفتق ذهنياً، مثقف ولبق تمكنه من القدرة على الإقناع أثناء التحقيق أو الحوار والتفاوض.

- اللياقة البدنية، والتحلي بالأخلاق الكريمة وأخلاقيات المهنة ودائم الابتسامة مع التفاؤل أثناء مقابلة الآخرين لخدمتهم أو في نقاط التفتيش وأقسام الشرطة، عملاً بالحديث النبوي " ابتسامتك في وجه أخيك صدقة ".

- قادر على أن يفصل بين سلطة الذات وسلطة مهنة الشرطية والأمنية ومعرفة حدود الصلاحيات الممنوحة له وفقاً لما نص عليه القانون واللوائح الناظمة.

- لا بد أن يؤمن بعظمة رسالته وعدالتها، وإيثار مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

ومن هنا يتطلب الأمر بعض الخطوات التي تصب في بلورة الجهود الهادفة لتقويم رجل الشرطة والأمن وتحصينه من الأخطاء التي قد تُرتكب عن قصد أو بدونه، ومن هذه الخطوات:
- حرص الجهات المعنية على التثقيف والتعليم المستمر والمستدام لرجال الشرطة والأمن وفقاً للوائح حقوق الإنسان المحلية والعالمية. . وعدم إغفال تنميته اقتصادياً واجتماعياً وصحياً..الخ، ليصبح قادراً على التنمية الذاتية.

- عدم زج العناصر غير المناسبة في هذا المجال العسكري شرطي وأمني مجتمعي وقومي.

- التأكيد على أهمية التحصيل العلمي النوعي والخلفية الاجتماعية التي نشأ فيها رجل الشرطة والأمن.

- الحث من لدن النظم المعنية على أهمية تطبيق النظام على النفس أولاً وعلى الآخرين ثانياً.

- إدخال العناصر الضعيفة في دورات عملية ونظرية لتحسين أدائهم وتطويره، ومن ثم التقويم.

- أن يؤمن رجل الشرطة والأمن بأنه الأنموذج الأفضل للآخرين في تطبيق النظام والقانون.

- أن يفهم ويؤمن بأنه مسؤول مهنياً وأخلاقياً على حماية المواطنين من جميع التجاوزات المتوقعة أياً كان مصدرها. وبهذا يمكن أن نصل فعلاً إلى بناء رجل الشرطة والأمن الأنموذج الذي يشكل بدوره لبنة مهمة وأساسية من الهيكل العام لنظم الدولة العسكرية والأمنية التي لا يكون همها سوى حفظ النظام وتطبيق القانون سواسية، من أجل حماية أفضل وخطورة أقل ووطن آمن ومواطن مستقر.

وتأتي بعد ذلك الحقوق الوظيفية والإدارية والحماية الشخصية من أذى أداء المهام ولاسيما الخطيرة منها..ونظراً للمزايا الوظيفية والمادية المغرية التي يتمتع بها كبار الضباط من رجال الشرطة الأمن، فإن التدوير الوظيفي داخل النظم الأمنية يصبح بطيئاً بالنسبة لذوي الرتب العسكرية الدنيا، وتدني مرتباتهم التي لا تتناسب وظروفهم المعيشية.. فعلى سبيل المثال لا الحصر يبلغ مرتبه الشهري 30 ألف ريال شهرياً، فكيف يمكن له أن يواجه إيجار السكن وعلاج الأسرة وغذائها..الخ، بل وكثيرون تتطلب مهامهم أن يكونوا في محافظات بعيدة عن مقر إقامة أسرهم قد يكونون في أقاصي البلاد بين الحين والآخر، وعندما يُمنح أحدهم إجازة ينفذ عليه المبلغ قبل مغادرته مقر عمله الأمر الذي يؤدي إلى نوعٍ من الإحباط والحقد المهني لدى شريحة واسعة من رجال الشرطة والأمن..!! جعلهم يعيشون في غربة خارج المهنة وداخلها.. فيجب الاعتراف بعمق الخلل الأمني بكل مكوناته من قبل القائمين على النظم العسكرية، الأمنية والشرطية لوضع الحلول وإبدالها كمنظومة متكاملة لا تقبل التجزئة، ليتساوى الجميع في فرص الترقية والصحة والتعليم والسكن..الخ، من منتسبي الشرطة والأمن العسكريين، بغض النظر عن الرتبة كي تعاد الثقة ويزول ذلك العداء المزمن بين المواطن والعسكري.. ولا يعني التماسي بعض العذر لرجل الشرطة والأمن بما فُرض عليه من ظروفٍ أن يُعفى من المسؤولية الملقاة على عاتقه أمام الله أولاً ونفسه وقادته ثانياً ووطنه ومجتمعه ثالثاً، بقيامه بعمله الذي كُلف به خير قيام، كما أن عليه أن يلزم الصدقَ في تعامله مع الناس، وأن يتجنب الكذب والابتذال والظلمَ بشتى طرقهِ، وأن يتحرى الدقة والحرص عند قيامه بتنفيذ جميع مهامه، وأن يتذكر دائماً عين الرقيب التي لا تنام وقوله تعالى: الذِيْنَ آمنُوُا وَلَمْ يَلْبِسِوُا إِيِمَاَنَهُمُ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اَلأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ  ولتحقيق الأمن الإنساني، هل العسكري من رجال الشرطة والأمن أن يمتلك الجرأة بالمبادأة في إجلاء تلك الثقافة العالقة من العداء المزمن، لإنصاف الوطن والمواطن وتغيير تلك النظرة من قبل الغالبية بما فيهم الأطفال؟؟