الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٥ مساءً

اليمن... من يعيد انتظام العقد السياسي؟

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ٠٦ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
عاش اليمن قبل الثورة الشبابية انتظاما هشا يعتمد على انتقائية غائية مثل نظام صالح خيط العقد الذي مثل انتظامها في صورة هزلية زحلقت الشعب خارج المعادلة في إطار الهامش المهمل حيث أصبح من ينتظمهم عقد النظام هم المستفيدون طيلة ثلاث وثلاثين سنة حيث في هذه الفترة أقصي فيها الشعب اليمني من حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ...الخ لحساب الفئوية والأسرية التي استمرأت ظلم الشعب اليمني في دكتاتورية فاحشة أدت إلى وهن الخيط السياسي في هذه المنظومة الأمر الذي عمل على انقطاعه بسهولة ويسر عندما قامت الثورة الشبابية الشعبية تنتصر لحقوقها المهدورة فسقط ذلك العقد سقوطا مريعا أودى بالساسة إلى ظرف ضيق حملهم على التنازل والتوقيع على وثيقة المبادرة بعد مناورات يائسة باءت بالخسران والفشل .

وبعد التوقيع على المبادرة جاء الإجماع الشعبي على اختيار الرئيس هادي رئيسا للمرحلة الانتقالية حيث تسلم الحكم في ظروف سياسية صعبة انفلت فيها الأمن وتردت حالة الناس المعيشية وهبط فيها الاقتصاد وزاد سعير الغلاء والأمور السياسية مضطربة الحراك في الجنوب والحوثي في صعدة والقوى السياسية متربصة والقبائل متحفزة والقطاعات القبلية على أشدها والاغتيالات في استمرار دائم واستهداف مشين لأبراج الكهرباء وأنابيب ضخ البترول والهجوم الانتحاري المستمر من تنظيم القاعدة وتربص الدول الإقليمية والدولية بأمن اليمن وسيادته كل هذه الأمور وغيرها لازالت على المحك السياسي برغم قطع شوط كبير من الفترة الانتقالية وهناك القوى القديمة والجديدة التي أصبحت خارج اللعبة لازالت تمد بأذرعها هنا وهناك ساعدها الكثير من الظروف السياسية التي جعلت اليمن محطة للأطماع الداخلية والإقليمية والدولية .

وفي هذه الظروف الصعبة يقف اليمن على مفترق الطرق برا وبحرا وجوا وينتظر المعجزة الإلهية التي ستدبر أمره للخروج به من ظلمات الأزمات والفتن إلى متنفس سياسي يعمل على أمنه واستقراره بعيدا عن المزايدات وتعليق المشاجب التي أوهنت المسيرة الإصلاحية في منظومة الحكم السياسي على مدى قرون وحقب متتالية كونت فيها الكثير من الحكومات التي عملت لذاتها أكثر من العمل لصالح الشعب وترفيهه وحينما ننظر الآن بعين فاحصة ونرى تلك المآزق التي يعيش الشعب اليمني في أتونها ونرى المتربصين من القيادات التي بدأت تطل برؤوسها تتشمم التطلع إلى الكرسي وتأمل الوصول إلى الحكم بأي وسيلة وهي في الحقيقة قيادات مرتهنة للخارج تؤدي دور أجندة خفية وبارزة مستغلة ضعف اليمن السياسي والاقتصادي تحت غطاء ثوب عثمان متخذة من المبادرة الخليجية بغيتها ومن قضية الجنوب مشجبها ومن صعدة مكسبها وكل هذه الأصوات النشاز من مثل صالح وأسرته التي منحتهم المبادرة الخليجية الضمانة من المطالبة بالدماء التي سفكها طيلة حكمه وآخرها سفك دماء الشباب المتظاهرين وخاصة في جمعة الكرامة أو الحوثي الذي يدعو إلى العودة إلى الحكم الأمامي الظالم تحت غطاء الدعوة المذهبية الزيدية العنصرية والتي تدعم من دولة إيران على مسمع ومرأى من الحكومة اليمنية السابقة واللاحقة وكذا الحراك الجنوبي الذي يتعدد في أساليبه ودعواته واتجاهاته وهو حراك تقوده قيادات مشبوهة لها تاريخ أسود ومعروفة بارتكانها لأجندة شرقية وغربية وإقليمية الغرض من دعمها تفتيت اليمن وتقسيمه تحت شعارات واهية استعير فيها بواك نشاز ترفع شعارات ظاهرها الحق وباطنها الضلال .

ومن هذه الطقوس المشئومة يقف المرء حائرا تجاه الأحداث المتصارعة على ثرى هذا الوطن المسكين حيث من الصعب التكهن بمستقبل اليمن ومن سيكون خيط العقد الذي سينتظم كل القوى السياسية في إطار سياسي منتظم بعيدا عن المكايدات والاحتقان السياسي وهناك العديد من الرؤى والافتراضات التي تفتقد إلى أدلة منطقية وواقعية تشير إلى بعض الدلالات وخاصة بعد تنفيذ القرارات الأخيرة التي قضت بتوحيد الجيش وأعطت بعض الإشارات المطمئنة على مستقبل اليمن يضاف إلى هذه المؤشرات ما يجري من طقوس الارتفاع والانخفاض لبعض المؤشرات التي تأتي من داخل مؤتمر الحوار الوطني .

وتبقى المعضلة الكبرى باقية حتى حدوث انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية تخرج بالوطن من مأزق الاحتقان إلى دولة ديمقراطية ذات أسس صالحة تبنى على العدالة الانتقالية في صورة حكم رشيد يعيد لليمن هيبته واستقلاله بعيدا عن قوى الهيمنة والفساد ولكن هذا الأمر يحتاج إلى فترة زمنية غير قصيرة تبنى فيها الأسس الدستورية والقانونية ويتبلور فيها خلاصة مؤتمر الحوار إلى حلول مقنعة متوافق عليها بالإجماع وخاصة القضية الجنوبية وقضية صعدة وشكل الحكم الذي سيتفق عليه في المنظومة القانونية الجديدة كذلك تحقيق السجل الانتخابي واقعا ملموسا يتجسد في صورة صحيحة بعيدا عن الكذب والغش والتزوير .

وإذا فرضنا تحقق هذه الأسس والأرضيات المريحة فسيبقى معنا تلك الضبابية التي تحيط بالمشهد السياسي من كل جهاته فعند الولوج إلى الانتخابات ستكون هناك قوى متعددة تتصارع على الوصول إلى الحكم وهذه القوى ذات مشارب واتجاهات متعددة وهي تخلط بين العتيق والجديد وبين الخيال والواقع وبين اليسار واليمين والعسكر والقبائل وذات توجهات إسلامية وليبرالية ...الخ .وهناك القوى الدولية والإقليمية والتي سيكون لها تأثير كبير على ترجيح كفة على أخرى في التنافس السياسي المحموم علما بأن بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى جاهدة لترجيح بعض التوجهات السياسية لصالح ضمان مصالحها داخل اليمن وهذا يعطي الخطورة القصوى في الوقوف أمام إرادة اليمن وثورته الشبابية الشعبية التي تريد تحقيق أهدافها بعيدا عن كل التأثيرات السياسية والتوصيات الخارجية .