الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٥ مساءً

أتمنى على الأحزاب..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ١٨ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
لقد أصبح من الواضح أن قادة الأحزاب العربية عموماً واليمنية على وجه الخصوص لم تؤمن بعد بمبادئ وقيم المفاهيم الحقيقية التي أنشأ من أجلها الحزب، لأنها لم تترجم حتى نظامها الداخلي منذ أن دخلت الساحة السياسية، ولم تتميز سوى بالتجنيد السياسي الخاطئ بين المواطنين وبدلاً من تمارس اللعبة السياسية ضد الآخر من خارج أوطانها أصبحت الأحزاب الوطنية بكل أسف تمارس الكذبة السياسية ضد بعضها وضد المواطنين المرة تلو الأخرى حتى خنقت التنمية وهتكت غالب مكونات وطن في سبيل الصعود إلى كرسي السلطة وكأنها لن تستطيع خدمة الوطن إلا من هناك..!

وإن كان قادة الأحزاب يعيبون بحدة كل من تملك السلطة أو من تملك أي نظام اجتماعي، متناسين إدمانهم المُزمن في التربع على كرسي الحزب، وكأن الحزب لا يوجد فيه كفاءات لدماء ووجوه جديدة دونهم والطوّافين من حولهم حتى تكلس فكرهم وتقهقرت نظمهم الحزبية ولم تعد صالحة لأي مرحلة من مراحل البناء الوطني، وما يؤكد قولنا هذا ما عشناه ولازلنا نعيشه من تعددية وديمقراطية شكليتان في ظل شراكة حكومة أو إإتلاف أو تحالف أو وفاق أو انفراد لعقود مضت تعمق ألم الكذبة التي عاشها الأغلبية من الشعب اليمني.. وتكشف لنا بحق عن مدى ضعف وسوء أحزاب المعارضة والحاكمة في المناورة السياسية من اجل بناء وطن..

ولأن موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية لم يبقى عليه سوى 9 أشهر تقريباً وكأن الفترة تمثل فترة حمل الإنسان تماماً.. وفي اعتقادي الأقرب للتأكيد بأن المخاض سيكون نفس المخاضات السابقة إن لم يكن أكثر تشوّهاً، هذا إذا لم يبدأ من الآن قادة الأحزاب ــ مع أن الوقت تأخر كثيراً ــ بالعمل الدءوب للتغيير والتجديد في مفاصل نظمهم الحزبية، فمن الأولويات المهمة لكل الأحزاب الوطنية الإيمان بصدق مبادئها وأنظمتها الداخلية كي تُنبِئ عن ثورة تدوير تجديدية لإعادة صياغة ترتيب مكوناتهم الحزبية المادية منها والبشرية، وبسبب غياب المنهجية العلمية للهيكلة الحقيقية للنظم الداخلية وتوصيفها لغالب الأحزاب لعدم إيمان قادتها بتلك المنهجية، قد أدّى إلى :

1. تملك المناصب القيادية داخل النظم ــ المؤسسات ــ الحزبية من قِبل ذوي النفوذ ومراكز القوى بغض النظر عن كفاءتهم الحزبية أو المهنية، الأمر الذي نتج عنه عشوائية وشلل الأداء الحزبي أو السياسي والوطني، وكأن الحزب أسس فقط لثراء فئة ولمجاملات شخصية، ولم تغيّب بذلك الكفاءات الموجودة داخل الأحزاب وخسرتها فحسب، بل غيبت كثير من قيم الأحزاب الحقيقية وأدوارها السامية في بناء المكونات الوطنية..

2. جهل المواطنين بمفهوم التنمية السياسية الناتج عن إغفال الأحزاب لذلك الدور المنوط بهم في توعية وإرشاد المواطنين بأهمية فهم المعاني المُثلى وممارستها في حقهم الانتخابي، وهذا ما أدّى ويؤدي باستدامة في كل موسم انتخابي إلى اختيار الناخب لممثله خطأ للجوئه إلى معيار اختيار الأغلبية المضللة لا اعتماد معيار المواصفات المهنية والشخصية للمرشح للقيام بمهامه في المجلس بكفاءة ومهارة عاليتين، فيكون اختياره بسبب التجنيد الحزبي الخاطئ لمرشح الحزب الذي حصل منه على وعود لمصلحة شخصية آنية ــ ما تلبث أن تزول بانتهاء التظاهرة ــ دون علمه بمدى إضراره بالوطن.. وقد تجلّى ذلك ليس في تملك أعضاء مجلسي النواب والسلطة المحلية ــ لكل الأحزاب ــ لمقاعدهم منذُ ولود التجربة الديمقراطية الشكلية والهزلية التي أفقدت صندوق الاقتراع قيمته وهيبته وحسب بل وفي توريث تلك المقاعد بعد وفاتهم لأبنائهم، مع غياب واضح لدورهم الفاعل في معالجة الإشكالات المجتمعية لممثليهم أو للوطن.. كانت نتيجة كافية وحتمية لخروج البسطاء إلى الساحات الوطنية للتعبير عن بؤسهم بسبب خذلان أحزابهم وممثليهم في تحقيق مطالب الشعوب نحو استقرار أفضل ووطن بلا أزمات..

3. انعدام حكومة الظل لدى أحزاب المعارضة والتي من شانها تقييم أداء حكومة الحزب الحاكم في اتزان معادلة العدالة الاجتماعية وفق معايير علمية ووطنية فهي مرآة حقيقية للسلطة مستقبلاً، وحتى إذا ما دعيت أحزاب المعارضة للإسهام في تشكيل حكومة وطنية أو فازت بالأغلبية يكون لديها وزراء جاهزين لتقلد المناصب بدلاً من ضياع الوقت في الانتقائية والتخبط العشوائي الذي لا يعتمد على معيار الكفاءة والنزاهة..

4. من المفترض أن يكون الولاء للوطن هو الركن الأساس عند الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية أو في المناصب العليا للدولة .. وليكن الانتماء الحزبي أو المذهبي أو المؤسسي مترجماً لذلك الولاء بصدق بقبول الآخر بغض النظر عن انتمائه فالكل يعمل من أجل الناس وبالناس لبناء وطن.. فالتعايش مطلب الجميع، وأن الإقصاء وخصوصاً باسم الدين أمرٌ لا قبول له من كل الشركاء أفراداً وجماعات..

فهل تستطيع أحزاب معارضة وحاكمة أن تتخلص من ماضيها التليد وتستقطب من هو أجدر وأكفأ من بين منتسبيها لقيادة الحزب أو من خارج الحزب طالما واتصف بالكفاءة والنزاهة لقيادة البلد أو نظم الدولة ولو خالفها الرأي والفكر وفقاً لما طُرح هنا؟.. وهل قيادة الأحزاب ــ أيضاً ــ هي قادرة على التخلص من ذلك الطبع الموروث كي تصطلح مع وطن وشعب والقبول بممارسة حقيقية نحو تغيير فعلي بدءً من بيئتها أولاً وما تزخر به الأحزاب من كفاءات هم كثر مغيّبون؟.. أم ستظل العقلية تعيش بنفس العقلية ونرى نفس الدمى الأزلية؟..
أتمنى على قادة الأحزاب أن لا تُخطئ موعدها مع التاريخ وعصره الحديث، كما أدمنت المرة تلو الأخرى..