الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٠ صباحاً

طموح العمالقة لا الأقزام..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٢٥ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
على ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هذا الهاجس الذي أصبح يؤرق مضاجعنا وكأن الفرد اليمني يربط الأرض اليمنية بطول ساحتها وعرضها وبما تحويه من مكونات بحبل قوي ومتين حاملاً إياه على ظهره ليل نهار ويتمتم الوحدة الانفصال الوحدة الانفصال.. وأصبحنا في سفه معرفي ومهاري بين مفهومي الوحدة والانفصال لأكثر من عقدين ومن الزمن وأهملنا كل أبعاد مكونات التنمية الوطنية.. فهل الوحدة هي هدفاً نكتفي بتحقيقه أم غاية لتحقيق البناء الوطني ونمائه الشامل؟
صادف الأربعاء الماضي إجازة رسمية بمناسبة ذكرى الوحدة اليمنية للاحتفاء بها برغم حالة الوطن المنهكة، وهنا اذكر لكم ذكرى الوحدة الألمانية التي أعيد تحقيقها في اكتوبر من نفس العام الذي أعيد فيها تحقيق الوحدة اليمنية، وقبل سبعة أعوام تقريباً صادف أن يوم إعادة تحقيق الوحدة الألمانية إجازة رسمية وحسب رواية زميل كان هناك أجرت إذاعة ألمانية مقابلة مع بعض المواطنين من موظفين وطلبة جامعات، بتوجيه سؤال لكل من تجري معه لقاء بالقول: لماذا هذا اليوم إجازة في ألمانيا؟ ولم يستطع الإجابة أحد من الفئة المستهدفة كثيرة العدد باستثناء واحد وهو بين شك ويقين من الإجابة قال بمناسبة إعادة تحقيق الوحدة الألمانية على ما اعتقد..! ــ فقلت أنا لمن يروي القصة، أكيد صاحب الإجابة الصحيحة ليس من أصول ألمانية وإنما قد يكون لجذوره أصول عربية أو يمنية ــ انظروا كيف يعيش المجتمع الألماني برمزية لحدثهم العظيم وقد نسي جيل ذلك الحدث ذكرى يومه لأنهم تعايشوا من أجل ألمانيا فقط لا شرقية تؤرقهم ولا غربية.. ونحن لا زلنا نعيش هاجس ذلك اليوم المبارك، بمسخه مناطقي أو عنصري أو فئوي وحتى ديني..! هل تعلمون ما الفرق؟
باعتقادي أن الفرق هو في الطموح..! :

• فالطموح العربي ــ أكان قائداً أم مواطناً ــ لا يتجاوز حدود أنفه، بمعنى أكثر وضوحاً هاجس طموح الرئيس كيف يصبح أفضل من الشيخ؟ فيُسَخِّر كل مقدرات البلد ليكون الرئيس الشيخ أو سمو الشيخ أو الملك الشيخ..الخ، ولا يسمو بطموحه كيف ينقل البلد إلى مستوى الدول المتقدمة؟ حتى وصل ذلك الطموح إلى كل المستويات حتى أصبح الشيخ الوزير والشيخ الأفندم، حتى وصل السفه أن تسبق كلمة الشيخ مفهوم اللقب العلمي فيكون الشيخ الدكتور..! إنها عقدة نقص أوصلت كل الفرد العربي أن يسكن بداخله شيخ صغير..! والبعض طموحه أن ينتصر الشيعي على السني أو العكس، أو أن ينتصر في فتوى أن تكون المرأة ملثمة أو محجبة أو أن ينتصر حزبٌ على حزبٍ آخر..الخ، وقس على شاكلة تلك الطموحات التي لا تتجاوز حدود الأنوف..!

• وأما الطموح الغربي ــ أكان قائداً أم مواطناً ــ أثبت الواقع بأنه طموح العمالقة، فهاجس طموح الرئيس وهمه الأكبر كيف يصنع تاريخاً لبلده وأن تكون الأولى أمام أي دولة عملاقة؟ والمواطن يتعايش مع الآخر للبناء بصمت.. فكانت المنافسة الشرسة في توليد المعرفة وتقانتها وتسويقها بين الدول وشعوبها، فغزي الفضاء إثناء الحرب الباردة عن علم، ولم يقنعوا بما وصلوا إليه من توالد معرفي وتقاني حتى اللحظة هذه، لأن طموحهم عملاقاً هدفهم فيه بما دون النجوم مطلباً، وكناتج لذلك الطموح غزت كثير من الصناعات الصينية واليابانية جميع دول العالم بما فيها أمريكا وفرنسا وبريطانيا..الخ، والبقاء للأقوى منافسة وجودة.. دون أن نسمع بينهم نعرات شيطانية كهذا مسيحي وهذا وثني أو يهودي..الخ، أو يهودي قتل يهودي إلا فيما ندر.. فهل احد منكم سمع بالشيخ الرئيس أوباما أو بوش أو الشيخ الوزير مايلر أو الشيخ الأفندم بيتر أو الشيخ الدكتور سميث؟

وما أعجب لأمره كثيراً أن القادة العرب لم يسخروا إمكانات بلدانهم البشرية منها والمادية لصناعة القوة، ولكن لصناعة الغنى وشتان الفرق بين القوة والغنى..! ولذا نجد أن الأدمغة النوعية من الكفاءات العربية هاجرت إلى بلدان الإخصاب المعرفي والتقاني فكانت مميزة جداً في البناء، وفي حدود علمي أن من مصر فقط هاجر مليون عالم وخبير، دون أن يحرك القادة العرب ساكناً على ذلك المورد البشري رغم الحاجة الماسة لهم في بلدانهم.. والمشايخ من أغنياء العرب إما أن يأتوا برجال الغرب ليقوموا بتشغيل استثماراتهم أو أنهم يهاجرون بأموالهم للدول الغربية ليتم استثمارها هناك وبشكل مهين.. فهل نعد هذا في مصاف الطموح؟!

لقد جاء حملة لواء الربيع العربي من الشباب وغيرهم بثورة تغيير سلمية على كل طموح قزمي قُزّمت من خلاله كل مكونات الأوطان، مقتدين بثورتهم التغييرية برائد التغيير الإسلامي الذي نُصر بالشباب محمد رسول الله نهجاً وسلوكاً لأنه جاء لخير البشرية، فكان يبشر أصحابه بأنهم ليحكمن فارس، أي بناء الدولة إلى جانب نشر الدين، فبدأ عمر ابن الخطاب بمأسسة الدولة المدنية التي سبق بها قادة عصرنا، إن عملية التغيير الحقيقية لم تكن يوماً ما في جمال ربطة العنق أو تحت عمامة وبريه ضابط..الخ، وليست في حُسن الخطابة ــ أيضاً ــ وإنما تكمن عملية التغيير العملاقة في الفكر وإرادة السلوك الإنساني البناء للأرض ومجتمعاتها..

أتمنى أن تأتِ الذكرى الـ 24 للعيد الوطني اليمني رمزية تتلمس الطريق الألماني في الطموح والبناء بعيداً عن هواجس جيل الأمس المخيبة للآمال والمُقزّمة للطموح الوطني العملاق لشباب التغيير.