الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٥ مساءً

العائدون من نافورة المنافي

علي الذهب
الاثنين ، ٢٧ مايو ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
مازلنا نجتر الكثير من أخطاء الأحداث الماضية للتاريخ السياسي اليمني المترع بالقتل والدماء والنفي والإخفاء القسري والتشريد، ونعيد تكرارها دون أن نعي أننا نخبئ ما هو أشد منها بشاعة لتكون غصصا مؤجلة للأجيال القادمة، خاصة مع أولئك الذين لم تطلهم أذرع منايا الثورات والانقلابات العسكرية الذين يتربصون بالمستقبل على ذات الطريقة التي حفل بها تاريخ من سبقهم الذين أخذوا يطلون اليوم برؤوسهم من نوافذ إعلامهم وبأقوى قوة في مشاريع لا تختلف عن تلك المشاريع التي لفظت بهم من هذا البلد.

بحدوث الثورات والانقلابات العسكرية داخل هذا البلد، يجري التخلص من رجال الأنظمة السابقة بتلك الطرق السالفة الذكر والمعتادة، ثم لا تلبث أطياف المجموعة الحاكمة الجديدة أن تخرج من حالة وفاقها لتستدعي أولئك المنفيين كلا إلى فريقه الذي يألفه أو ائتلف معه بفعل متغيرات الأحداث وتقلبات المواقف؛ فيكون أعداء الأمس حلفاء اليوم، ولولا هذه التبدلات لما شاهدنا الملكيين يحكمون في عصر الجمهورية، ولما شاهدنا أي عنصر من المثار عليهم ممن أوصدت في وجوههم الحدود أن يعودوا ذات يوم ليكونوا هم الرؤساء أو رؤساء الحكومات أو الوزراء أو المحافظين!!

كم شاهدنا من أولئك الذين كانوا ذات يوم في المنافي بعدما ساموا آباءنا سوء العذاب وهم يحكمون هذا البلد، قد عادوا ليصبحوا حكاما علينا من جديد، وكيف أن آخرين كانوا حكاما علينا بحد السيف وسطوة المدفع حلوا محلهم في تلك المنافي، وينتظرون العودة مرة أخرى ليحكموا أبناءنا وحفدتنا من بعد، ولنا أن نتحسر أو نعزي هذا البلد كيف أن أفراحه لم تكتمل، وكيف يراد للأحداث أن تدور فيه على طريقة جريان ماء النافورة صعودا وهبوطا، شكلا ورائحة.. وما أقبح تلك الرائحة المنتنة!!

هذا هو حالنا منذ بزوغ فجر ثورة سبتمبر عام 1962م وما تلاها من أحداث سياسية، سواء في إطار ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية أو فيما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية بعد ثورة أكتوبر عام 1963م، أو في إطار الجمهورية اليمنية المولودة عام 1990م، والتي تخللت فتراتها أحداث كثيرة كان من أبرزها: أحداث حركة نوفمبر عام 1967م، وأحداث يونيو عام 1969م، ومرورا بمقتل الرؤساء اليمنيين الثلاثة: إبراهيم الحمدي(1974-1977م)، وأحمد الغشمي(1977-1978م)، وسالم ربيّع علي(1969-1978م)، ومرورا بأحداث حرب الانفصال في منتصف 1994م، وصولا إلى أحداث ثورة الشباب في فبراير 2011م، وما أفرزته تداعيات سياسية لم تخرج عن ذات الطريقة التي ألفها ساسة هذا البلد، ومن ذلك: النفي، والاسترجاع العجيبين.. فلماذا هذا يتكرر هذا الاجترار؟

إن المتتبع لمشهد ما يجري؛ يجد أن الكثير من أولئك الذين حكموا البلاد خلال ثلاثة عقود مضت وأثخنوها بالأزمات والجراح، ما يزالون هم ذاتهم الذين تناوبوا على السلطة بالأمس ويريدون العودة للحكم والانتقام اليوم، وسط انخداع شعبي، بعدما عملوا في منافيهم على غسل الأموال المنتهبة من هذا الشعب، وكونوا بواسطتها إمبراطوريات مالية كبيرة يمارسون بواسطتها التضليل وشراء الذمم لغايات شخصية بعيدة عن الغابات الحقيقية للأمة التي يخذلها كل مرة ذوو المشاريع الهدامة التي يحسب الناس أنها مشاريع حقه- وللأسف- وقد خدعتهم أبواق الإعلام المأجور.

إن ما يجب أن نعيه -جميعا- في هذا البلد المنكوب على الدوام ممن يطلق عليهم "النخب "أن نستشعر مثل هذه الأخطار، وأن نقرأ التاريخ بوعي، وأن ندع العاطفة والتعصب الفئوي، وننظر إلى مصلحة الأمة التي أرهقها أولئك النفر طغيانا وتمزيقا، وأن نقف في وجوههم وفي طريق مشاريعهم الهادمة وهم يحلمون بالعودة لتنفيذها على أعين وأهواء واشتهاءات الصهيونية العالمية وأذنابها الذين لا يريدون أن يروا الأمة إلا في حال مستمر من التمزق والاحتراب والضعف.