الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٩ صباحاً

الكهرباء تقتل طفلة في حظيرة الضأن

إبراهيم القيسي
الجمعة ، ٣١ مايو ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
في قرية بني وهان التابعة لمنطقة سواخ بمديرية كعيدنة وفي مساء ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1433هـ كانت تبدو القرية بتلها الأبيض تمثل الفضة في نصاعتها وبهاء منظرها بعدما غسلتها الأمطار الساقطة في مساء ذلك اليوم الحزين كان أهل القرية منهمكين في الإعداد لطعام الفطور وينتظرون أذان المغرب من المسجد القريب من القرية وفي تلك اللحظات الحاسمة والتي يصل فيها تيار الكهرباء إلى القرية من مركز المديرية استضاءت القرية بمصابيح الكهرباء التي عكست أنوارها جمال القرية الذي أضفت عليه أنوار الكهرباء لونا خاصا يتعاكس مع لون الشفق الأحمر عند الغروب فيزيد منظر القرية تألقا يشبه محارة مرجانية تضيء بلونها السحري ذلك التل الجميل .

لقد حدث في تلك اللحظات الحاسمة أمر ذو شأن كانت نتائجه متعلقة بغباء ممتهني توصيل أسلاك الكهرباء في القرية حيث عملت تلك الموصلات المجروحة والمتلامسة مع بوابة الحديد التي كانت تسد حجرة الضأن وعندما جاء التيار الكهربائي انتقل تيار الكهرباء من السلك المجروح إلى باب الحديد كانت الحجرة بداخلها ثلاث من الضأن ومع سقوط المطر الغزير امتلأت ساحة الغرفة الداخلية بالماء كانت نضيرة هي البنت الكبرى لوالدها " أحمد "وكان شغوفا بحبها وتدليلها وكانت تدرس في الصف الثالث أساسي كانت في العاشرة من عمرها كثيرة المرح والابتسام تدخل على أبويها رياض السعادة وتنعشهما بكلمات الحب والغبطة كانت أمل أبويها وعينهما الناظرة وفلذة كبدهما المفعمة بحب الأبوة الخالد لقد بدأت تعي بعض العمل وتتقنه وتقوم بتنفيذه مساعدة لأمها تذهب إلى المدرسة صباحا وتعود ظهرا وفي أثناء عودتها إلى البيت تذهب مع أترابها من بنات القرية لتزويد أسرتها بالماء من بئر القرية وتقوم بعد الاستكفاء من نقل الماء بمساعدة أمها في أعمال البيت وترعى شياهها الثلاث كانت كالنحلة خفة وكالزهرة تفتحا وكالروض نضارة .

كانت نضيرة قد اعتادت في كل ليلة الذهاب إلى تلك الحجرة الخاصة بالضأن تفتح بابها وتنظف زبل الضأن وتدخلها إلى الغرفة بعد تنظيفها وكالعادة ذهبت نضيرة بخطوات متثاقلة إلى جهة غرفة الضأن لم تدر بالمصير المجهول الذي ينتظرها ولم يتوقع أحد أنه سيحدث لنضيرة ما حدث من كارثة أودت بحياتها في ريعان الطفولة كانت نضيرة في أثناء ذهابها إلى الحجرة حافية من النعال شأنها شأن كل أطفال القرية الذين يتركون نعالهم ويمشون حفاة كانت الأرض وحلة نتيجة الماء الغزير الساقط في تلك اللحظات كانت الأسرة تعد طعام الفطور ومشتغلة بأمور الإفطار في شهر رمضان الأم في المطبخ والأب يهيئ نفسه للوضوء في تلك اللحظات الحاسمة استعدادا لحمل فطوره للتوجه إلى المسجد مدت نضيرة بكفها إلى باب الحجرة تريد فتحه لتشاهد وضع الضأن داخل الحجرة بعد سقوط المطر وفي هذه اللحظات الحاسمة حدثت الكارثة وسرى التيار الكهربائي إلى جسد نضيرة بسرعة الضوء ومن جسدها إلى الماء الموجود داخل الغرفة كانت نضيرة في تلك اللحظات موصلا قويا للتيار الكهربائي بين الباب والماء كونها حافية من النعال وكون الغرفة مملوءة بالماء سرى التيار الكهربائي من نضيرة إلى الماء داخل الغرفة ومن الماء إلى الضأن فكانت المأساة متجسدة في تلك الحالة بانتشار التيار الكهربائي في دائرة مكتملة من السلك المجروح إلى الباب الحديدي إلى نضيرة ومنها إلى الماء ومن الماء إلى الضأن داخل الحجرة .

ولنقف قليلا أمام هذا المشهد الكارثي ولنضع الأيدي على الجناح من الرهب ولنتملى بقلوبنا أبعاد الحادثة وهول المفاجأة التي لم تكن بالحسبان تحول سريع وموت ذريع وتبدل من الحياة إلى الموت ومن الفرح إلى الطرح ومن البهجة إلى الإظلام كانت المصيبة متجسدة بكل أبعادها والابتلاء كبير والموقف مهول كانت نضيرة في هذه اللحظات الحاسمة تعالج سكرات الموت والتيار الكهربائي يفكك جزيئات خلاياها الدموية في سرعة البرق صاحت لكن لا جدوى استغاثت لكن لا مغيث ولا أدري أين كانت الأسرة في تلك اللحظات لعلها دهشت من هول الحدث فاستعجمت الألسن وتقيدت الأرجل وكتفت الأيدي وهذه الحالة تنتاب الكثير في وقت الحوادث المفاجأة أو ربما أن الله قد صرف أسماعهم عن صوت البنت ليقضي الله أمره ولحكمة إلهية تأخر إسعاف نضيرة فلو كان أدركها أحد من أبويها في الوقت اللازم فربما تكون الكارثة أكبر حيث ستصير الحادثة حوادث لأن طبيعة الكهرباء لا ترحم أحدا فكل من سيمسك بها سيتحول إلى ضحية أخرى ستمسك به الكهرباء من جسد الضحية مباشرة خاصة سيكون الموقف مفاجئا وفي هذه الحالة يضعف التصرف والتفكير وهول المفاجأة يجعل الإنقاذ جنونيا وعشوائيا بدون تفكير لكن الله بيده الأمور قدر الكارثة على نضيرة وخففها على أهل بيتها فهو الحافظ القدير .

بعد فترة زمنية من الحادث كانت الأمور قد اتضحت ووصل التقرير جليا بما حدث لقد قضت نضيرة نحبها وتحول الوجه المرح إلى سكون جامد اصفرت الشفتان وتجمدت العيون ووقفت حركة الجسد لقد غادرت نضيرة الحياة وغادر معها اثنتان من الضأن وكتب الله الحياة للثالثة ولا أدري كيف تم إدراك خطر الكهرباء وكيف تحرى المنقذون ذلك التيار حتى سهل لهم إخراج الضحية من حجرة الضأن التي كتب الله وفاة نضيرة في عرصتها .

عاشت قرية بني وهان تلك الليلة في ردهات الآلام يتذكرون الضحية ويخبرون عن قصص حياتها الكثيرة وخاصة من أهل قرابتها كانت ليلة حزينة بكل ما تعني هذه الكلمة ولاسيما على أمها وأبيها فالحادث مفاجئ والضحية قريبة من القلوب وهي ابنتهم الكبرى التي يعقدون عليها الآمال لقد سيطر عليهم الوجوم والبكاء وأرهقتهم حالة الحزن المتجسدة في القلوب فما أكلوا وما شربوا لقد كان الحال فوق الأكل وفوق الشرب ومضت تلك الليلة ساكنة في الظاهر ومتحركة كالبركان داخل المشاعر إلى وقت الفجر .

بزغ الفجر بأنواره الفضية الجميلة كان أهل القرية في شغل شاغل بتجهيز الضحية والوقوف مع أبيها وأمها يخففون عنهم ألم المصيبة ويذكرونهم بما عند الله من الأجر والثواب لمن صبر واسترجع وذكر الله كانت القرية عند صلاة الفجر هادئة يسودها سكون عام كانت أضواء الفجر ترسل أنوارها من جهة المشرق الأرض الزراعية ممتلئة بالبرك المائية التي هطلت في مساء ذلك اليوم بدأ الأذان للفجر تتجاوب به مساجد القرى القريبة كان الناس قد وصلوا إلى قرية الضحية رغم انقطاع الطرق بسبب الأمطار الغزيرة وبعد صلاة الفجر مباشرة جيء بجنازة الضحية وضعت على مقربة من القبر صلى عليها المجتمعون صلاة الجنازة ثم وضعت في مأواها الأخير هناك ألقى عليها والدها آخر نظرة للوداع وأجهش بالبكاء وازداد الألم وتضاعف الحزن كانت تلك النظرة آخر العهد بها فكانت نظرة وداع أخيرة ليس بعدها لقاء إلى قيام الساعة رحمة الله عليها . " وإن لله وإنا إليه راجعون "