الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٤ صباحاً

الجمهورية الثانية !

د . أشرف الكبسي
السبت ، ٠١ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
منذ كنا صغاراً نلهو في الديار ، قيل لنا ، أن هذه بلادنا جميعاً ، أرضها وسماؤها ، ثرواتها وخيراتها ، وها نحن وبعد أن شخنا ، وغزا الشيب قلوبنا قبل رؤوسنا ، ما زلنا نلهو ، بينما فئة الإقطاع والنفوذ تلهو بنا ، فهي من تمتلك ، ونحن والأرض والسماء من يُمتلك !

قيل لنا صغاراً ، أن ثورة سبتمبرية قامت لأجلنا ، وأن لها أهدافا ستة ، الجمهورية العادلة ، وتساوي حق (البطون) في السلطة والثروة ، والقضاء على الفقر والجهل والمرض (الملكي)، وإذا بنا ونحن على مشارف مغيب العمر ، نحلم فقط بامتلاء البطون لا بحكمها ، ولمّا نرى إلا جمهورية الفقر والجهل والمرض !

قيل لنا صغاراً ، أنا متساوون في الحقوق والواجبات ، وأننا جميعاً سادة على أرضنا ، وكلنا تحت سيادة القانون ، وبعد عقود ، تبين أن القانون كالأرض ملكية خاصة ، وأن حقنا الوحيد هو الدعاء بصمت على من أهدانا علم ونشيد ، وسلبنا كل الحقوق وتنكر لكل الواجبات !

قيل لنا أن القضاء عدل ، وأن القضاة ثلاثة ، اثنان منهم في النار ، وعرفنا لاحقاً ، أن ميزان عدالتهم ، يميل أبداً نحو مركز الثقل والنفوذ ، وأن القضاة ثلاثة ، لكننا نحن من في النار !

قيل لنا ، من جد وجد ومن زرع حصد ، لكننا لم نجد يوماً مهما اجتهدنا ، ولم نحصد يوماً مهما زرعنا ، وكيف لنا ذلك ، والسفير لا يلد إلا سفيرا ، والشيخ يرث المشيخ والرعية ، ولابن الوزير حقيبة الوزارة ، وفرخ القائد الفاسد عوام..!
قيل لنا أن حب الوطن من الإيمان ، وأن القدس محتل ، وأن القتال في أفغانستان جهاد مقدس لتحريره ، فتبين لنا أن الحاكم لديهم هو الوطن ، وأن طاعته والولاء له مسألة أمن ديني وقومي! ومع أن القدس ما يزال اليوم محتلاً ، إلا أن قدسية الجهاد باتت هذه المرة في سوريا.!

صغاراً عندما كنا ، قيل لنا ، أن الفأر هدم سد مأرب العظيم ، وهانحن في خريف العمر ، ندرك كم كان الفأر بريئاً ، فمن هدم السد ، يعتدي اليوم بلا حياء على أبراج الضياء ، وما يزال منذ ألاف السنين يهدم في حياتنا كل جميل.!

قيل لنا أن الوحدة قدر ومصير ، وأن رخائنا رهن بتحقيقها ، فما أن تحققت حتى تفاقم ، لسوء إدارتها ، بؤسهم وبؤسنا ، وبعد أن كنا شطري وطن ، أصبحنا شطر كبير يبحث عن وطن، فضاق نصفنا بنا ، وبات كل همه تركه لنا ..!

حدثونا صغاراً ، عن الخطط الخمسية ومحاربة الفساد ، وها نحن في المرحلة العمرية (الخمسينية) نعلم أن دولة الفساد لا يمكنها أبداً أن تحارب فساد الدولة ، وهل يمكن لحراميها أن يكون حاميها ؟

ربما أصبحنا اليوم ، ونحن نحلم بالجمهورية الثانية ، أقرب إلى الحكمة ، ليس لأننا شعب الحكمة ، بل لأننا قريبون جداً من الجنون ، الذي يجعلنا ندرك أننا بعد أن هرمنا في زرع الثورات ، لم نحصد إلا الكلمات ، ووحدهم اللصوص من يلهو بنا ويقطف الثمرات..!