الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٢ مساءً

مرئية من القلب ملئها الحزن الكبير ... على فراق قاضينا الأمير!

د. علي مهيوب العسلي
الثلاثاء ، ٠٤ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
حبيبي الدكتور : لا استطيع أن أرثيك فلساني تعجز وقلبي يقطر دما على فراقك ، ولما جرى لك من إقصاء وتهميش وهدر للحقوق في سلك القضاء ،وانت القامة العملاقة ..عزائي لنفسي فأنت الأكبر و كلنا صغارا فلم نستطع مجاراتك والاقتداء بك في كل شيء!

قريبي الأمير : نم قرير العين يا مثالا يحتذى به في شتى المجالات ..عشت طيلة حياتك زاهدا عفيا نزيها محبا للخير ..مبرا رؤفا رحيما خدوما صبورا محتسبا نادرا في الاخلاق والمثل والتضحية !

صديقي القاضي: لقد كنت نعم الصديق في كل محطات عمري ...كنت استزيد من بحرك الزاخر بالحب والمودة والحرص على التعليم والاخلاص فيه ..فكنت كلما أدلهمت الخطوب عليَّ كنت حاضرا في القلب والروح والوجدان وفي الواقع فتخفف عني كربي وتقضي حاجتي وتطبب جراحاتي!

داعمي ومرشدي محمد : لقد كنت السند والعون منذ بداياتي الاولى في التعليم ،فبيتك كانت سكني وأمك الغالية المرحومة عوني ومددي ،و قــد كنت في منزلك صاحب البيت اتصرف فيه كيف أشاء , وقوفك ذاك بجانبي أنت وآل بيتـــك لن أنساه ما حييت , فبه مسكت القلم وتعلمت الاحرف واسست المحبة والتضحية حتى أنال اهدافي , كل ذلك ما كان سيتحقق لولا وقوفك وعائلتك الكريمة معي !

أيها الصديق ، الاخ ، الحبيب ، القريب وإن كنت بعيدا لا استطيع في هذا المقام الجلل إلا أن أعزي نفسي واهلي وجميع محبيك بفراقك الذي حلّ علينا وعلى أسرتك الصغيرة والكبيرة كالصاعقة ،لكنها الاقدار يا معلمي تأتي وتقطف احلى وانضج وافضل الثمار وتترك لنا الاشجار العارية والجذور الغائرة ،فهي مشيئة الله فيك وفينا والناس اجمعين لا تخليد لبشر في هذا الكون الفسيح .خسرناك كشخص معطاء في كل شيء ،لكننا لم نخسر ولن نخسر بعد وفاتك مبادئك وقيمك واخلاقك وصبرك فكلها لنا حافز وعين على مغالبة الحياة حتى يأتي قدر الله كما أتى لك وخطفك علينا !

إنني اعز نفسي قبل غيري برحيلك عن دنيانا الفانية ،لقد فقدناك نعم الاخ والاب والمرشد والمشجع في كل المراحل ولم تتخلى يوما عنا لكننا بعجزنا تخلينا عنك في احلك الظروف التي مررت بها فنسأل الله ان يسامحنا ويغفر لنا بعد ان ترضى أنت عنا ،وكون ايمانك الذي يفوق الوصف هو الذي كان يشفع لنا عن تقصيرنا!

يا أيها الرجل الصادق المؤمن الذي كان يهاب القضاء ، ولا يريد أن يكون ممن قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه قاضيان في النار ،بل كنت تكافح لتكون ممن قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضي في الجنة فوفقك الله لما عملت من اجله ونسأله تعالى ان يكتبك من القضاة الذين هم في الجنة كما تمنيت وكما سعيت من أجل ذلك ما استطعت إليه سبيلا!

نعلم أنك كنت دمث الأخلاق ومؤمن بالله ومداوم على إتباع دينك الكريم بالحرص والدقة التي ارادها الله ، ولا نزكي على الله أحد ..فلله الحمد والمنة على ذلك!

سيدي القاضي الراحل نعلم أيضاً أنك كنت مثابرا ومجتهدا وقاضيا بالحق وقد عرفناك وعرفك كل من تقاضى في محكمة الأحداث التي كنت فيها مربيا فاضلا ،ومؤسسا بانيا، ومنتظما فاعلا حتى أوجدتها كما تريد لا كما يراد لها ،ومارست فيها القضاء المختلف عن بقية المحاكم ،جعل الله لك فيما عملت الاجر الجزيل ،وثقل بها موازينك يوم العويل ، كنت رحيما مع الأحداث ابا حنونا مربيا فاعتبروك ضعيفا ! لكن ذلك تقييم من لا يفهم السرائر ،ويدرك المآثر ،ويقدر الامور خير تقدير !

الجميع يعرف اهتمامك بالنشء من خلال تعاملك في تعليم الجميع كيف يقاضي القاضي في محاكم الأحداث ، وأصلت اسلوب ومنطق جديد في كيفية التعامل معهم يختلف كليا عن المحاكم الأخرى ، فالتعامل مع القاصرين يحتاج الى قلب كبير ورحمة تصيب وليس بالقوة والحديد!

وناضلت نضال الشرفاء الذي لا يعرف الحقد أبدا وكان صوتك جهورا يصدع بالحق ،وقلمك يكشف الاختلالات ويطرح الحلول والتصويبات ولكن لا حياة لما ناديت فقد استمروا في غيهم يعمهون . مقالات كانت مدوية وحاده في سبيل تحقيق ما تؤمن به من قيم ومن فهم واضح للعدل وتطبيقه ،وهذا لم يروق للكثيرين في وزارة العدل التي كانت غير عادلة على الاطلاق معك ..فقد ظلمتك ظلما فادحا وكنت تتحرق ليس على نفسك وانما على العباد ،فكنت اسمعك تقول " اذا كان التفتيش القضائي يتعامل معي كقاضي بطريقة الآمر الناهي ولا يتيحون لي حتى الدفاع فكيف سيكون تقاضي المواطن العادي معهم ! انه الظلم يا صديقي وواجب علينا تصحيح هذا القضاء لنقيم العدل للعباد ! "

نعم! إن صوتك صوت الحق قد كلفك الكثير ،ودفعت ثمنا لا يتحمله إلا أمثالك المؤمنين المخلصين الصادقين الصابرين ..كيف لا ومن الأثمان التي دفعتها أطروحتك التي كنت قد انجزتها كاملة في مصر العروبة ولم يتبقى سوى المناقشة لكن الوزارة لم تمنحك الرسوم الدراسية ،فنلت في نظرنا ونظر كل محبيك الدكتوراه التي لم يحصل عليها من أوقفوا مناقشتها ،فعدت الى القضاء تعمل وانت تتحرق على ما انجزته ولا يرى الى التطبيق طريقا ..ولأنك تقضي بالحق (ليس ممن يملئون الجيوب) فقد عجزت عن دفع الرسوم ومُت يرحمك الله وأنت في كل شهر، بل في كل أسبوع تطرق أبواب الوزارة للمطالبة بالرسوم واعطائك الفرصة أو الاجازة للسفر إلى القاهرة لدفع الرسوم ،ومن ثم المناقشة ، حتى كتبت رسالتك الأخيرة لعبده ربه منصور ليقضي لك بحقك وتحقق حلم حياتك بالدكتوراه لتموت بعد ارسالها له بسويعات قليلة رحمة الله عليـــك , فهل سيشعرون و سينصفونك ميتا يا ترى ؟! و برغم متابعتك الحثيثة للوزارة لكنهم ابوا وعينوك في محافظة صنعاء حاكما ،ثم في حضرموت ولم يسمحوا لك ان تنال لقب دكتور بالرغم من انك خير من يستحقه!

نعلم أن اطروحتك المكتملة وزعتها للمسئولين والكثير الكثير من زملائك الذين يشهدون لك بالمنهجية العلمية والبحث الرصين ،وبكل الصفات الحميدة والاخلاق الرفيعة والاعتزاز بنفسك من غير ابتذال.. وكنا نعايش مشكلتك عن قرب لكننا كنا عاجزين عن خدمتك ومساعدتك عند مسئولين عديمي الاحساس وفاقدي الضمائر!

أيها الغالي في حياتك لم تحصل على حقوقك القانونية مثلك مثل الاخرين ..وعندما قرروا عدم سفرك لمناقشة الأطروحة التي كانت مخدتك في فراش نومك ، وكنت لا تفارقها أبدأ ،وتحرص على مراجعتها باستمرار وتُحدِّثها فيما يستجد من معلومات حديثة ،وبدلا من أن تذهب لتناقش اطروحتك ،عُينت رئيسا لمحكمة أو عضو محكمة استئناف في حضرموت لا أذكر رئيسا أو عضو ،لكنك اعتذرت عن النزول لأسباب صحية و كل القضاة والمسئولين يعرفونها (كونك معاق) ولا تستطيع النزول إلى هناك ، وطلبت أن يعيد التفتيش القضاء النظر ويرشحك قرب أولادك وأسرتك المُقيمة في صنعاء ..لكنهم أوقفوا ترقياتك واستقطعوا راتبك حتى لم يبقي لك سوى الراتب الاساسي ،لكنك لم تستسلم وكتبت عن القضاء ووجوب تصحيح اختلاله ما استطعت إلى ذلك سبيلا !!

لك الخلد أيها القاضي النزيه المظلوم حد العظم من قبل سلطة لا تمتلك أدنى عدل فكيف سينشر العدل في كل ربوع الوطن اذا كان من يسهر عليه مات مظلوما مقهورا من ظلم زملائه ! لم نتمكن من مجاملتك وتكريمك في حياتك لأنك كنت تكره المجاملات ،وترفض المغريات ،فها نحن بعد موتك ايها الغالي نكتب عنك شأننا شأن ثقافة أمتنا التي عمرها ما كرمت أحيائها بل تكرمهم بعد الممات ،فلا حول ولا قوة الا بالله ،وإنا لله وانا إليه راجعون ،وإنا على فراقك يا دكتور محمد حقا صدقا لمحزونين ،،،،،،