الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٦ مساءً

مشاهد وجدانية .. من وحي الثورة

عباس القاضي
الثلاثاء ، ٠٤ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٤:١٠ مساءً
لم أكن في هذا المشهد وحدي ذلك اليوم ,بل معي مئات الآلاف يوم ثشييع شهداء جمعة الكرامة, وإن كانت الشعور تتفاوت بحسب وجدانية الفرد إلا أنني أجزم بأن لا أحدا لم يخالجه إحساس الزمان والمكان والمشهد .

حينها كانت المجزرة قبل يومين وكنت حاضرا. بعد صلاة الجمعة مباشرة رأيت اللهب والدخان وأزيز الرصاص والجدار,,مفردات يجب الوقوف عندها .

فاللهب بلونه الأحمر يدل على الحقد والبغض من قبل النظام على هؤلاء المعتصمين العزَّل وأدوات الفعل قناصة نُزِع من قلوبهم الإيمان والرحمة والإنسانية يطلقون الرصاص على الرأس والصدر والعنق مكامن العقل والقلب والشموخ تباعا لأن هذه الدوافع التي قادت الشباب إلى الساحات والميادين , والدخان بلونه الأسود دليل على ظلامية الفكر والوعي , فساد وسوء إدارة وسعي للتوريث,وأما الجدار فقد كان على ثلاث طبقات من البلك يشبه جدارا لكيان ظالم في وطن عربي فالظالمون بعضهم من بعض , يريدون من خلاله عبثا أن يحدُّوا من إنتشار الثورة , وهم مدركين قبل غيرهم أن الثورة , وإن كانت قد بدأت في المدن الرئيسية , إلا إنّها ما لبثت أن انتشرت الى المدن الثانوية وإلى القرى , حتى وصلت إلى الجزر فهاهي مسيرة تخرج في سقطرى ليس للرجال فحسب بل للنساء تهتف بلكنتها المميزة " يا صنعاء ثوري ثوري نحو القصر الجمهوري " الا يعني هذا أن تمدد الثورة قد بلغ مداه .

وها هي جثامين الشهداء تعلو الأكتاف والأعناق بشكل مهيب ,يتقدمهم ويتلوهم حاملوا صور التعريف بهم ,وما إن وضعوا الجثامين على الأرض استعدادا للصلاة عليهم, إذا بزغاريد أمهات الشهداء ومعهن الثائرات المعتصمات في الساحة _يعلو خِلتُ أن الأرض تتحرك من تحتي وأن الشمس قد تحولت من مكانها وكنت اظن أنه لو كان هناك طير في السماء لسقط من جلجلات الصوت , زغاريد وفي الحلق غصة , رضاءٌ وفي العين عبرة , غبطةٌ وفي القلب حرقة .والناس وأنا معهم نرفع أكفنا إلى السماء نردد "لاإله إلا الله الشهداء أحباب الله" , صلينا على الشهداء , لملمنا جراحنا , وانطلقنا لندفن شهداءنا,,ودفنا معهم قصاصات كتبنا عليها " قسما إننا على دربكم ماضون " .

أما المشهد التالي فقد عرضه التلفاز وكثير منكم شاهده معي,,إنه الشهيد(علي علي العرومي) لقد ظهر وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة كلها سوى عبارة واحدة كانت واضحة , يقول فيها : أريد أن اموت على كتاب الله وسنة رسول الله ,لا على سنة علي عبدالله صالح , وكان حينها يربط رأسه بأسمالٍ من بقايا عمامته ورأسه يقطر دما بحجر من بلاطجة النظام بعد خروجه من خليج الحرية بمدينة إب ,,وهو على هذا الحال لحقه آخر بعصا غليضة في مؤخرة رأسه زادت من معاناته وزاد نزيف الدم تقاطرا على كتفه وعلى سائر جسده ولكنه مازال فيه بقية حياة وما زال يتمتم بكلماته تلك , حتى وصل إلى إحدى الجولات,,أجهز عليه أحد الجنود برصاصة أسكتته وأسقطته على الأرض شهيدا .

هذا الرجل المسن , نحيف الجسم , صاحب اللحية البيضاء والتي تتدلى إلى منتصف صدره وكأنه استعارها من محلج قطن من شدة بياضها وصفائها,لم يشفع له عمره ولا هذا الشكل المهيب والسّمَه المميزة المسمى في علم التمثيل (الكاركتر) التي تحترم من كافة شعوب الدنيا حتى اللادينيين يحترمونها ولعلكم تعرفون البابا نويل والذي يظهر بهذا الشكل الذي يشبهه ليعلن البدء في احتفالات أعياد الميلاد .
وأما أصحابنا وهم المسلمون وهو منهم فقد أجهزوا عليه بثلاثة أنواع من أدوات القتل .

وقد رأيته مسجى في فراش الموت , وقد كُشف عن وجهه,,يالها من صورة وضاءة ونوريشع من وجهه , وقد أغمض عينيه كأنه مات وهو لا يريد أن يرى دنيا بهذه الوحشية ,وهو الرجل الفقير الذي عاش معدما ,وقد خرج ليبرأ أمام الله من طول صمته ويبحث عن مستقبل افضل لأولاده,وقد مات وحاجته في نفسه.

وقبل أن أغلق التلفاز ,,, رددت نفس القسم "قسماً إنا على دربك ماضون"