السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٧ صباحاً

في ذكرى أرقى رحلة كونية ملائكية

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الخميس ، ٠٦ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
يحتفي المسلمون في أواخر شهر الله المحرم رجب بذكرى أرقى رحلة كونية ملائكية شهدتها الإنسانية علقت لروعتها في الذاكرة تستدعيها مرارا وتكرارا في مثل هذه الأيام كخارقة عجيبة فريدة من نوعها لم ولن تعيش لحظاتها العزيزة مرة أخرى ! كيف لا ؟ وهي رحلة شاءها الله تعالى لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم يرافقه فيها الروح الأمين جبريل عليه السلام ، ستظل الأثر النفسي الفاعل في حياة أستاذ البشرية منذ قيامها وإلى يومنا هذا وحتى قيام الساعة ، إن وصفنا لهذه الرحلة المباركة أنها كونية ملائكية لانطلاقتها ابتداءا من أرض المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، من شبه الجزيرة إلى أرض الشام فلسطين ، وفي جو ملائكي مهيب يلتقي بإخوانه الأنبياء والرسل ليؤمهم صلاة خاشعة تؤكد له رسالته الخاتمة والعالمية التي لم ولن تستقر بين قومه وعلى أرضه ، بل تنطلق لتشمل وتعم كل الأرض ابتداءا من شبه الجزيرة العربية ومرورا بأرض الشام وفلسطين ، وهي كونية لاستئناف رحلتها من الأرض لتجوب الطباق السبع من السموات وحتى أبعد وأرقى من ذلك ، إنها الرحلة الوحيدة التي جمعت وربطت الأرض بالسماء ! وهي رحلة التقى فيها الحبيب المصطفى صلى الله وسلم بأبيه الأول آدم ، كما التقى ببقية إخوانه من الأنبياء والمرسلين كلا منهم على حده ، وجميعهم استقبلوه بأحب وأرقى الترحاب ( مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ) عدا آدم وإبراهيم قالوا ( الابن الصالح والنبي الصالح ) ويتركه جبريل في مكان هو سدرة المنتهى لينطلق إلى لقاء ربه بمفرده مبررا جبريل تركه ( وما منا إلا له مقام معلوم ) وهنا ينتهي مقام الملك الذي يتلقى الوحي من ربه لينزل به إلى الأنبياء والرسل ، أما مقام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم فلا انتهاء حتى يسجد بين يدي الله تحت العرش ويكلم الله دون حجاب .

إن لقاءه صلى الله عليه وسلم بإخوانه من الرسل يؤمهم على أرض بيت المقدس مهبط الرسالات لتوحي صراحة انتهاء حقبة من الشرف والحظوة كانت لبني إسرائيل ممثلة في الرسل والأنبياء والكتب والرسالات التي امتن الله بها عليهم لتنتقل وإلى الأبد إلى أيد عربية أمية برسول من بينها خاتما للرسل وبكتاب خالد يختم الله به الكتب السابقة ، إنه أقرب ما يكون إقرارا من جميع الرسل لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة الخاتمة ، وبهذا الإقرار والتسليم يستلزم على الأتباع لهؤلاء الرسل التسليم والإيمان لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد رأى الحبيب يوما عمر الفاروق في المدينة وبيده شيئا من التوراة يتصفحها ، فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام وقال معنفا : أمتهوكون يا عمر وأنا بين أظهركم ! والله لو أن موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا أن يتبعاني ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، بينما مثقفو اليوم ممن ينتسبون للإسلام يقبلون بشغف ونهم على ثقافات الوثنيين والنصارى واليهود لا لمجرد معرفة ثقافاتهم والطعن في قدرتها على مسايرة الحياة ومواكبة احتياجات الإنسان وإظهار الإسلام بالمقابل قدرته اللا محدودة في تلبية متطلبات الحياة وقدرتها على وضع الحلول والمعالجات الناجعة لمشكلات الحياة وتعقيداتها المتزايدة بل للأسف الشديد جدا يأخذون هذه الثقافات اغترارا وافتنانا وتفاخرا بها !! بينما رسول الله عنف عمر الفاروق رضي الله عنه وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن عمر ما أخذ هذه الصحيفة من التوراة إلا بهدف معرفة ما في هذه الصحيفة مما ينتفع به لدينه وأمته ، لكن رسول الله وهو في بداية تأسيسه لدولته الناشئة واليهود يساكنونهم المدينة حرص ألا يسمح بما يكون سببا في تقويض دولته الناشئة ويعلم أن مثل عمر يقتدى به والسكوت عنه مهما صفت أو صدقت النوايا يتيح لفتنة قد تنشب على المدى القريب حين يسمح أو يتساهل في استيراد أي ثقافة وإن كانت حتى محلية تخالف المنهج والدستور والقوانين النافذة في البلاد لاختلاط وتلاقح وتضاد وتناقض في الثقافات والأفهام المؤدية في نهاية المطاف للخلاف والاختلاف وهذا ما لم يسمح به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رأى بين يدي عمر تلك الصحيفة من التوراة .

في هذه الرحلة العجيبة يلتقي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بموسى عليه السلام كليم الله تعالى ورسوله إلى بني إسرائيل ويعرض عليه رسول الله ما تم له من الحفاوة والحظوة عند سدرة المنتهى وهدية الله لأمته وهي الصلاة ( صلة العبد بربه ) وفرضها الله محبة لعباده خمسون صلاة في اليوم والليلة ، ويراجعه موسى عليه السلام معللا أن قومه أضعف من أن تطيق خمسين في يومهم وليلتهم قياسا على قومه الذين هم أشد بأسا ، وقد خبرهم وابتلاهم وتجمعت لديه المعرفة الكاملة بالمدى المستطاع للمكلفين ، وبفضل الله تعالى أولا ثم إشفاق هذا النبي الكريم موسى عليه السلام خفف الله عنا فجعلها خمسا أداء وخمسون أجرا فلله الحمد والمنة ، فأين تاركو الصلاة من هذه الأمة من هذا العطاء الرباني الذي حبانا به من فوق سبع سموات وهي خمس نؤديها ويأجرنا عليها خمسون تفضلا وكرما ، وهل هم في مأمن من غضب الله القائل ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ويحذر من أنزلها إلى أمته من التهاون فيها فيقول ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) .

لقد كانت هذه الرحلة العجيبة كما أنها تثبيتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجبرا لخاطره إثر ما حدث له من الإيذاء البدني والنفسي في الطائف فهي كذلك كانت لأمته امتحانا وتمحيصا ، فمن المسلمين من ارتد عقب هذه الحادثة وما كان معهم من رصيد كاف يسعفهم ليصدقوا رحلة رجل وإن كان نبيا يوحى إليه في ساعة من الليل يذهب إلى أرض الشام ثم يعرج به إلى ربه متجاوزا السبع السموات ثم يعود !! هكذا في ساعة من الليل !! لكن من المسلمين الذين أسعفهم رصيدهم القوي من الإيمان لم يجدوا إشكالا في التصديق والإيمان والتسليم دونما أيما استفسار أو إيضاح !! وينطلق الجهل المسمى أبو جهل الحكم بن هشام إلى الصديق أبو بكر رضي الله عنه طامعا في أن تكون لهذه الحادثة الخارقة ما يكون سببا للمراجعة والدراسة لرجل راجح العقل ذكي حاذق فطن يرفض رواية تختصر مسافة المسافر في شهرين ذهابا ومثلها إيابا في جزء من ليل فضلا عن معراجه ولقاء ربه !! ويفاجئهم الصديق بمنهج جديد في سبر الأخبار وتمحيص المعلومات (إن كان قال ذلك فقد صدق ، إني لأصدقه في أكثر من ذلك ، إني لأصدقه في الخبر يأتيه من السماء ) فسمي منذ ذلك اليوم بالصديق . إنه منهج التصديق والإيمان الذي لا يعرف الشك والارتياب ، فلله درك من يومك ذاك حتى تقوم الساعة ، والحمد لله في الأولين والآخرين .