الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٢ مساءً

الاستعراض الكبير للحوثي ..ودلالته البليغة في الداخل والخارج!

د. علي مهيوب العسلي
الخميس ، ٠٦ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
الحفل المهيب الذي شاهدناه ظهر اليوم في صعدة بمناسبة دفن رفاة قائد الحوثين السيد حسين بدر الدين الحوثي يحمل عدة رسائل لا تخلوا من دلالات عميقة على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج!
فعلى مستوى الداخل هو إعلان انتصار للحوثين وانتصار أيضاً جزئيا للثورة الشبابية التي لولاها لما استطاع الحوثين أن يستعيدوا رفاتهم ،ولما استطاعوا أيضاً أن يوجهوا بيان نعي يخاطبون به الشعب اليمني من شرقه الى غربه بفقيدهم الذي كان في السابق في نظر معظم الشعب اليمني متمرداً وخارجاً عن الدولة ،ففي البيان سالف الذكر فإن أنصار الله يدعون الشعب اليمني للمشاركة في تشييع جنازة السيد حسين الحوثي ،وبفضل الثورة الشبابية كذلك فإن السلطات التي حلّت محل السلطة السابقة لم تمنع هذا التشييع في صعدة ظهر اليوم الأربعاء الموافق 5/6/2013 من أن يحدث ، فلو كان حصل ذلك لدلّ ذلك على أن النظام الجديد هو امتداد للنظام القديم ،وهذا سيعطي رسالة لكل الشعب الثائر من أن الثورة لم تنجح ،وهذا الاحتشاد في هذا اليوم هو ثمن قبول انصار الله في الدخول في الحوار الوطني المنعقد حالياً ،والذي أوشكت لجانه المختلفة من رفع تقاريرها والتي ستناقش في الجلسة العامة الثانية التي ستنعقد خلال أيام ،وفي اعتقادي أنه لو كان تم المنع لتعرقل الحوار الوطني برمته ؛ وهذا ما لا ترغبه ولا ترتضيه كل القوى السياسية اليمنية ، وكذلك القوى الاقليمية والدولية على الأقل في الوقت الراهن!

كذلك فإن الرسالة الثانية هو صدمة الجميع ودهشتهم من ذلك التنظيم العالي والدقيق ،والأمن الذي تمتع به المحتشدون في ظل الظروف الأمنية السيئة في مختلف المناطق اليمنية ،بل وفي أكثرها مدنية !؛ وهذا الشيء من الأمور المشجعة والذي يجعل اليمني يتفاءل من أنه يمكن أن تُبنى دولة توظف فيها الطاقات والخامات لتنتج نظاما دقيقا متزنا فيما لو توفرت الإرادة لذلك !

الرسالة الثالثة والتي لم أفهمها بفهمي البسيط ،والذي فاجأني بحق هو ذلك الجيش الذي ظهر بزي لا هو من بقايا النظام القديم ولا ما أعلن عنه النظام الجديد عن شراء بدلات موحدة من الصين ! ؛ إلا إذا كان الحوثين قد سبقوا الدولة واشتروا تلك البدلات – التي رأيناها في شاشة التلفزيون التابع لهم والذي كان يعرض الحدث بشكل مباشر- من نفس المصنع الصيني الذي تعاقدت معه الدولة لشرائها ،وهذا يجعلنا نتساءل هل رؤية الحوثين للفيدرالية المزمع تبنيها من كل القوى والحركات السياسية والشبابية باتت واضحة من تعطيلهم للطلاب في أيام امتحاناتهم ،ثم بجيش غير جيش الجمهورية اليمنية لحماية المحتشدين؟ ؛وهل يرون بضرورة أن يكون لكل إقليم جيش مستقل ؟؛ بالفعل لقد شاهدنا الجيش الحوثي وبسيارات وأطقم عسكرية لا نعرفها ولا نراها لدى أجهزة الدولة المختلفة ، إلا إدا كانت مشتريات وصفقات حديثة للدولة ،وسُلمت للحوثين ليحتفلوا بها مثلها مثل تسليمهم رفاة القائد الحوثي ليدفنوه ،ولربما ستحاسب الدولة في قادم الايام ، عن سماحها للحوثين في الاحتفال بجنازة قائد كان يشنُّ حربا ضروسا ضد الدولة والجيش اليمني ، الذي كان إعلام النظام والتوجيه المعنوي يخاطب الجنود بالأبطال!؛ فما الذي تغير ؟؛وهل يعد السماح هذا بمثابة اعتذار للحوثيين عن الحرب الظالمة؟ لكن السؤال الذي في خلدي هو من أين اشترى الحوثيون تلك السيارات والأطقم؟؛ولماذا لم نسمع عن اكتشاف الدولة ولو لشحنة من هذه المعدات وحجزها والتي كانت مُتَجهة إلى صعدة ،كتلك المسدسات التي كثُر الحديث عن ضبطها وبخاصة في تعز التي يراد لها نشر ثقافة التهريب والفوضى وموطن للانفلات الامني وتهريب الأسلحة؟!

ويأتي هذا التجمع الجماهيري الكبير والممثل لكل ابناء المحافظات اليمنية وبمشاركة بعض القوى السياسية كالحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي بممثلين وببيانات نعي يدل على مدى الاختلاف داخل منظومة المشترك !؛فهل نستطيع أن نسمي هذا التجمهر بداية لتحالفات جديدة ؟؛ وهل هي مبنية على مبادئ الندية وتغليب مصلحة الوطن ؟ ؛ أم أنها لا تختلف اختلافا جوهريا عن التحالفات السابقة؟؛ أجل إن هذا الاستعراض الحوثي بكل تأكيد لا يمكن أن يكون بعيدا عن استحقاقات الحوار في المرحلة القادمة ، وبالتالي اراد الحوثيين أن يثقلوا موازينهم ، ويحسنوا شروطهم ، ويمرروا ما يستطيعون من أجندتهم!

والمتتبع للوضع السياسي اليمني الحالي يلحظ توترات سياسية عدة منها الانفلات الأمني الواسع ،وتطلع القاعدة لتأسيس دويلات في حضرموت الثروة والخير الوفير !؛وكذلك ظهور أزمة المعتقلين التي برزت الى السطح مؤخرا ،وما يُشاع عن استخدامهم في خلط الاوراق بين المعتقلين على ذمة الثورة الشبابية ،وبين المعتقلين على ذمة قضايا جنائية أو إرهابية ،وبالتالي الوصول الى المحاصصة في الجرائم المرتكبة مع فارقها في الشكل والمضمون ،فبعض القوى تريد مثلا مقايضة الجريمة النكراء في جمعة الكرامة بجريمة حادث دار الرئاسة !

وهناك يبدوا أن اليمنين ينهجون نهج ما جرى ويجري في مصر العروبة من استهداف القضاء، فمن الزحف في اتجاه معهد القضاء الأعلى لاتجاه سياسي معين بحسب ما يطرحه المخالفين لذلك الاتجاه ،إلى الخوف من الخطوات الصحيحة التي بدأ ت تتبعها المحكمة الدستورية وحكمها المميز من أن موادا ليست بالبسيطة تقدر بما يربوا عن عشرين مادة مخالفة للدستور ،إضافة إلى الأحكام المتعاقبة والتي تحكم بها المحكمة الادارية ضد الحكومة في عديد القضايا ،وهذا ربما صار يزعج السلطة الحاكمة الحالية ،كل هذه الأحداث جعلت الناس بالوعي أو اللاوعي أن تزحف باتجاه الحوثين ومجاملتهم وبخاصة أن لديهم بعض المغريات للمتطلعين للسلطة على اعتبار أن هامش الحوثيين المرن في الموافقة على تعينات في وظائف عليا لأناس ليسوا من أتباعهم ،وهم بذلك قد يتميزون تكتيكيا بالأفضلية مقارنة ببقية القوى والاحزاب السياسية الاخرى الموقعة على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية !
أما الرسائل على مستوى الدول العربية وإيران وتركيا ،فلقد أثبت النظام الرسمي العربي الذي يخلط بين الآتين من الثورات النص نص ، والآتين من الملكيات العربية ،وعلى رأسها الشقيقة الكبرى" العربية السعودية"، فنتيجة لاحتدام الصراع في سوريا الملف الأسخن وتدخل الدول في تلك المنطقة ،جعل المستفيد الأول وربما الوحيد هو العدو الصهيوني الذي خطط بإتقان بعد اعترافه بهزيمة نكراء من قبل حزب الله في صيف 2006 من الانتقام والثأر من حزب الله باستدراجه في الدخول في الحرب الدائرة في سوريا واستنزافه هناك في القتال مع النظام الحاكم في سوريا ضد الجيش الحر ومن معه من الجهاديين المجلوبين من مختلف بقاع العالم !

لقد صرح السيد حسن نصر الله من تدخله في الحرب الدائرة في سوريا دفاعا عن المقاومة ووعد بالنصر المؤزر ، وقارن هذا النصر الموعود كما وعد بالنصر ضد العدو الصهيوني ووقوعه بالفعل ، وهذه من المفارقات الغريبة !؛ هذا الخطاب أستفز دول الخليج ومن لفًّ حولها ،فدُعي الى اجتماع لمجلس التعاون الخليجي لمناقشة تدخل حزب الله في سوريا ، واتخاذ خطوات لمحاصرة حزب الله وتجفيف منابع دعمه من دول الخليج ؛فجاء هذا الحشد اليوم ليصعق السعودية من أن حزب الله في جوارها وفي حدودها الجنوبية ،وعلى وجه التحديد من صعدة التي جربت الحرب مع الحوثين ولم تفلح في الحسم ولجئت الى الحوار وتوقفت الحرب ،وبعد تلك الحرب القذرة على صعدة بالاشتراك مع النظام حينها ،قد مكن انصار الله كما حزب الله من تطوير قدراتهم ،واصبحوا مثل حزب الله من حيث القدرة والقوة والارادة ،ومن حيث التكتيكات والتنظيم كما هو حزب الله بالضبط !

نعم إنهم انصار الله (الحوثين) ،وهذا التجمهر الذي حصل في صعدة يُبين كذلك أن الحاضن الشعبي أيضا بات مهيأ بعد تلبية المواطنين للدعوة في تشييع جنازة شخص قُتل منذ تسع سنوات فالاستجابة تعني أن البيئة الحاضنة للحوثين متوفرة وخاصة بعد رفضهم للتدخل السعودي والامريكي ،وبعد انتصارهم كذلك على السعودية التي شنت حربا عليهم دون وجه حق ،فالتشكيلة التي ذهبت إلى صعدة من المواطنين تمثل الطيف اليمني بمختلف مناطقهم ومشاربهم السياسية ،واستعدادهم ليكونوا سندا للحوثين فيما إذا تطورت الاحداث على الحدود ،والسبب في ذلك في نظري تعرية وضعف القوى التي كانت اليد الضاربة بيد العربية السعودية في اليمن بعد ثورة الـــ11من فبراير ،وكذلك السياسة السعودية ذاتها في التدخل السافر في الشأن اليمني ،ومعاملة اليمنيين المغتربين السيئة ومضايقتهم ،واستحداثات مخالفة لما أتفق عليه بشأن الحدود والضغط على هادي وحكومته بعدم التوقيع على اتفاقيات استخراج النفط وخصوصا في الجوف!

وخلاصة القول : هل فهمت العربية السعودية الفكرة الرئيسية للحوثين في وداع قائدهم؟؛ أم أنها ستتعامى وستستمر بمشارعها الصغيرة في الاحتواء وانتاج عملاء جدد بدلاً من عملائها السابقين للاستمرار بنفس الممارسة السابقة ، والتي أثرت على اليمنين في كرامتهم ومعاشهم ومورس ضدهم الاذلال ،والذي أدى من جملة أسباب إلى تنامي المشروع المناقض لمعتقداتها وسياستها ،وبالتالي ستكون هي الخاسر الأكبر !!
فالرسالة الواضحة من اللقاء المميز في صعدة هو: أما حان الوقت للسعودية أن توقف التدخل وما أكثره من أفغانستان ، إلى باكستان ، إلى لبنان ، إلى ليبيا ، إلى.. وأخيرا في سوريا ،هذا التدخل الذي جلب لتلك الشعوب الفشل الذريع في النواحي الامنية والسياسية والاقتصادية ،وفي الاستقرار والتنمية ،وبالتالي فإنه ستبرز حركات من تلك الدول تهدد أمنها الداخلي كرد فعل لما تقوم به ،والنتيجة ستكون وخيمة على جغرافيتها ونسيجها الاجتماعي مالم تُراجع مراجعة جِدية لمواقفها وتدخلها في شئون الدول الاخرى!

لأنه من غير المعقول والمقبول أن تكون العربية السعودية زعيمة الديكتاتوريات في وطنا العربي ، راعية لثورات الربيع العربي !؛ فمتى أمنت السعودية وبقية دول الخليج بالثورات والديمقراطية حتى ترعى وتحتوي ثوراتها؟!
النصيحة القلبية للقيادة السعودية أن تمدّ يدَها وتتعاون مع شعبنا بدلاً من مد اليد للنخب والمرتزقة فإنهم لاشك سيوقعونها في أُتون صراعات مستقبلية هي ونحن في غنىً عنها ، فهل الرسالة التي ارادها الحوثيون ومن يدعمهم عن الدلالات البليغة للحشد الجماهيري الكبير في صعدة قد وصلت الى القيادة السعودية؟ أم أنها لم تصل بعد وسندفع نحن وإياهم أثمانا باهضه في الشهور والسنوات القادمة؟!

اللهم الهم إخواننا السعوديين الحكمة والعقل والحنكة السياسية والأخلاق الرفيعة لكي يتعاملوا مع شعبنا بالاحترام اللائق بهذا الشعب المسالم ، والابتعاد عن الدونية لشعبنا التي لم ولن تجلب لهم الأمن والاستقرار مهما بلغت مواردهم المالية !!