السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٩ صباحاً

جرحى "الثورة " ... لاعلاج ولا دولة

عبدالوهاب الشرفي
الجمعة ، ٠٧ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
ملف جرحى الثورة الشبابية السلمية ملف انتقام بمعنى الكلمة. جمع كل هفواتنا، كل حماقاتنا، كل سخفنا، كل أنانيتنا، كل كذبنا، كل زيفنا، كل بؤسنا، كل عنصريتنا، وكل قبحنا.
دونما " ثورة " أو مشاركة في تغيير أو مقاومة ظالم أو تصدٍّ لفساد، من حق أي مواطن أن يعالج، و يكفي لذلك أن يكون مواطناً، بل يكفي أن يكون إنساناً. اما جرحى الشباب المستقل كان لهم حق أكبر من ذلك بكثير، فهم جرحى لأحداث سعوا فيها أن يغيروا الواقع البائس، وحاولوا ان يرسموا لهذا البلد مستقبلا مشرقا .. لم يجرحوا فقط طلبا لحقهم، وإنما في محاولة انتزاع حقهم وحق المجتمع وحق الوطن ككل .

عندما طفح الكيل وبلغ الفساد الزبى، وجاوز النظام الفاسد والمفسد مداه، كان من الواجب التصدي له، وأصبح من الحتمي إسقاطه. وخرج الشباب المستقل لتلك المهمة، ورفعوا شعار "إسقاط النظام". وكانوا هم وحدهم من يريدون ذلك، بينما لحق بهم غيرهم ولكن لمقاصد أخرى، ففي غيرهم من لم يكن يفكّر بإسقاط النظام، وإن فكر في ذلك فكان يفكر بأنانية، فإسقاط النظام أصبح ضمن "مراده" فقط، لأنه جنّبه أو أضر بمصالحه. اومن كان يفكّر في أن يزعج النظام فقط من باب "إذا أردت أن تُذكر فافعل المنكر"، كي يذكره النظام فيلقمه ما يسد به فاه، أو أن يشركه معه في عبثه ونهبه وفساده، أو أن يقبل أن يدخل معه في حوار يتكرم فيه عليه بقليل من الجديّة. او من خرج " ليدحن " نفسه تبعات انتصار الثورة ومحاولة إعادة انتاج نفسه اومن خرج عندما أطبق الشباب الخناق على النظام لينقذه من أيديهم , اولا بتشتيت تركيزهم على النظام ولترتخي قبضتهم عن حلقومه، ومن ثم إسقاط ثورتهم بدلا من إسقاط النظام.

حقق الخارجون مع الشباب المستقل لمآرب أخرى مقاصدهم . فمن خرج لإنقاذ النظام نجح ومنع سقوطه، بل منحه ركيزتين للبقاء والعبث ؛ الاولى شرعية " واهية " بدلا من تلك الشرعية التي اقتات عليها النظام لعقود وكانت قد أصبحت جيفة، وهذه " الواهية " هي شرعية الوفاق ، والثانية " محككة " تفيد أحيانا، فذراع النظام الواحدة انقسمت الى ذراعين، وكل ذراع يجعل من وجود الأخرى مبررا لوجوده .
ومن خرج ثورة لمصالحه، ولاستمرار نفوذه وتسلطه، وصل لما يريده أيضا، بل أكثر مما كان يريده، وتمكن من أن يمرر كل مصالحه عبر حكومة الوفاق التي أصبحت "لا تفرق" عن كونها مكتبا تنفيذيا تابعا له إلا في قليل. وأفلح في تنمية مصالحه , وزيادة نهبه , وتمكين "المقتاتين" على فتاته، وتأمين نفوذه.

ومن خرج قاصدا الحوار الذي يمكنه من أن يكون شريكا "أصيلا"، حصل على ما يريد. وما كان يطالب به من حوار متفضّل فيه بشيء من الجدية حصل على ما هو اكثر وتمكن من يفرض حوارا هو فيه الطرف الاقوى ومن كان يستجدي جديته هو فيه الاضعف ، بل وأصبح من الممكن له أن "يتدلّل" و يتعلّل وان " يتشرّط " في حضوره حوار طالما كان يستجديه.

وحدهم الشباب هم الذين لم يحققوا شيئاً، الشباب الذين دخلوا تلك الأحداث وبدأوها بحب الوطن وبحلم التغيير، لم يتحقق لهم مرادهم، فقط هؤلاء الشباب المستقلون هم من عاد "بخفي حنين".

كان غيرهم في الغرف والمكاتب أو في الخلف، وكان الشباب المستقل في المقدمة. كان غيرهم يصدر بيانا أو ينشر إشاعة أو يتحكم في "السوق" عن بعد أو "يموّل" على مكر , ومن المال الذي نهبه في ظلّ النظام، وكان الشباب المستقل يتلقون الرصاص، ويختنقون بالغازات، ويصارعون الموت، ورحم الله موتاهم، ومن مات كان أحسن حظاً ممن لم يمت، فقد بقي إما ليصارع جروحه وكسوره وإعاقته، أو يصارع خيبة أمله بثورة وجدها في أحضان من ثار ومن كان يجب أن يثور عليهم.
سرق الثورات هؤلاء ينتقموا الان من الشباب المستقل , لانهم لم يكونوا "عسكرا" أو "عناصر" ينفّذون لهم أجندتهم ويجب عقابهم ، وبدأوا في العقاب بالمتاجرة بجرح من جرح منهم محليا ودوليا، وقبضوا هم ثمن جراحات الشباب، واستثمروا أوجاعهم فأنشأوا جمعيات باسم جرحى الثورة ، وشغلوا مستشفياتهم ومؤسساتهم ، وربحوا منهم ، وعاقبوهم ثانيا فاستخدموا ما قبضوه باسمهم في رفد نفوذهم وتماسك "عصاباتهم"، فعالجوا وسفروا للعلاج عناصرهم فقط، بل لم يتورعوا حتى أن يعالجوا جرحى يوالونهم وجراحهم في غير تلك الأحداث. وبالطبع لم ينسوا نصيب " العاملين عليها " ؟! .
لم يصغوا لصراخ جرحى الشباب المستقل ومنهم من مات قبل علاجه ، و لم يهتموا للفضائح التي لاحقتهم في هذا "الملف"، وواصلوا استخدامه حتى آخر ما تضمنه من أوراق للعقاب . فعندما لجاء هؤلاء الجرحى الى القضاء لأخذ حقهم , وجد أولئك المنتقمين في ذلك ورقة جديدة للعقاب، فحتى القضاء " لا محل له من الإعراب " عندهم .

ما فعله هؤلاء المتسلطون "المتحولون" من متسلطي الماضي، هو انتقام و عقاب لمن ثاروا بصدق، وقصدوا تغيير التسلّط ، لا تبديله أو إحلاله بتسلط آخر, ولذلك لا يجب أن تعالج جراحهم . لم يشفِ ذلك صدوراً موغرة بالحقد على كل ما هو جميل ، فيجب حتى إحراق اعتزازهم بمحاولتهم تلك للتغيير، وسعيهم ذلك لدولة مدنية حديثة، ولا يجب أن يتوهّم أحد أنه تحقق حتى اليسير منها، فحتى القضاء لا زال كما كان يمكن عرقلته , وعلى هؤلاء الشباب "المتفقعسيّن " أن يفهموا أنه لا علاج لهم ولا بدايات لدولة مدنية كانوا سعوا لها... مع ذلك لابد لحلم الشباب أن يطل ، ولابد أن يحقق الشباب ما سعوا له ، والمسألة كلها في الوقت.