الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٠ صباحاً

جامعاتنا الحكومية بين مطرقة السياسية وسندان الفساد!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاربعاء ، ٠٥ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١٢:٠١ مساءً
تعطيل الدراسة في الجامعات الحكومية أمرغير مقبول إذا كان لأسباب سياسية لأن مؤسساتنا التعليمية مؤسسات أكاديمية تنموية يجب أن تحتكم للمبادئ المهنية والأكاديمية ، وعليه تبرز تساؤلات لدى الطلاب وأولياء الأمورعن سبب الإضرابات المتكررة لأعضاء هيئة التدريس خاصة في جامعة صنعاء ، ففي العام الماضي تعطلت الدراسة لمدة تفوق الشهرين ورفع الإضراب بناء على إتفاق بين نقابة أعضاء هيئة التدريس ورئاسة الجامعة شمل مجموعة من البنود غالبيتها تركز على إصلاح التعليم الجامعي وجزء منها يتصل بمطالب خاصة مثل حقوق المتوفين والمتقاعدين والأرض السكنية والحواسيب، وتقرر تعليق الإضراب حتى تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بضمان رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي ، وفي حال عدم التقيد بذلك فيحق لأعضاء هيئة التدريس إستأناف الإضراب ، ولكن مما يؤسف له أن التوقيع على ذلك الإتفاق كان عملاً تكتيكياً من قبل رئاسة الجامعة هدفة رفع الإضراب وليس تحقيق المطالب ،يؤكد على ذلك استمرار إنتهاك قانون الجامعات اليمنية، وحتى يكون القارئ الكريم على دراية بحقيقة أهم المطالب المتصلة بإصلاح التعليم الجامعي والتي تعد محل إجماع الوطنيين من أعضاء هيئة التدريس بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية نذكر منها:

أولاً/التعيينات الأكاديمية : تمثل الوظيفة الأكاديمية وظيفة فكرية عالمية ، بمعنى أن الجامعات العالمية في تعييناتها الأكاديمية تستقطب أبرز الكفاءات التدريسية بغض النظر عن جنسياتهم ، وبالتالي نجد أسماء مثل فاروق الباز وأحمد زويل وغيرهم في أرقى المؤسسات والجامعات الأكاديمية العالمية ، أما في بلدنا الجمهورية اليمنية فالأمر معكوس تماماً ، حتى وصل الحال ببعض النافذين وعبر مجلس الوزراء إلى تعديل قانون الجامعات اليمنية عبر اللائحة التنفيذية بنص يستثني أبناء المناطق التي تقع فيها الجامعات من شرطي العمر والتقدير!!! وبالتالي إن كنت من أبناء محافظة تقع فيها جامعة وعمرك في الستين وتقديرك مقبول يمكن أن تصبح أستاذاً جامعياً وإن كنت بليداً.

شهدت جامعاتنا الحكومية في السنوات الأخيرة إختراقات غير مسبوقة لقانون الجامعات اليمنية تصدر تلك الإختراقات توجيهات رسمية من رئيس الجمهورية عارضت الدستور في مادتيه (25،24) التي تنص على (مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنيين وكذا العدل والمساواة) كما إنتهكت أثنتي عشرة مادة من مواد قانون الجامعات اليمنية ولائحتها التنفيذية ومنها المواد(44إلى50)و(69إلى 74) التي تؤكد على خطوات إجراءات التعيينات الأكاديمية ومنها :

- الإعلان عن الدرجات الأكاديمية ، ولايتم قبول ملفات المتقدمين إلاَّ حسب شروط القانون مثل التقدير والعمر والمؤهل المطابق للتخصص.

- تجرى المفاضلة بين المتقدمين وتوزع درجات المفاضلة حسب ما تقره تلك المواد القانونية ، ويؤكد القانون على أنه يحضر التعيين دون الإعلان والمفاضلة.

ولكن ومع وضوح القانون إلاَّ أن الواقع يخالف ذلك تماماً فقوى الفساد إستطاعت انتهاك القانون بشكل لايصدقه عاقل وأصبحت التعيينات بتوجيهات هي السائدة ومن النادرجداً أن تعين حالات تنطبق عليها الشروط القانونية ، ولو راجعنا ملفات المعينين خلال العامين الأخيرين سنجد أن غالبية التعيينات جاءت بتوجيهات مراكز النفوذ العائلي والسياسي، لذلك من عجائب التعيينات الأخيرة مثلاً(تعيين شخص بدرجة ماجستيرتخصص تربية مع أنه في الخمسينيات من العمر وكان على وشك الإحالة للتقاعد في وزارة التربية ، مع أن شرط العمر لهذه الدرجة35عاماً، ويحمل مؤهلاً لاتنطبق عليه شروط لائحة المعادلات في المواد5و8و11(لان مجموع سنوات ذلك المؤهل خمس سنوات بعد الثانوية فقط ، لذا فيمكن معادلته بالكثير بدبلوم وليس ماجستير) ورغم ذلك رشح للدراسات العليا في الخارج ، وبإفتراض إستكماله للدكتوراه سيعود ويحال إلى التقاعد ، وللأسف تلك المخالفة في تخصص ومؤهل فيه العشرات من الشباب العاطلين والمسجلين منذ سنوات في سجلات قيد الخدمة المدنية وتنطبق عليهم الشروط القانونية!!!لذلك فالإشكاليات التي يواجهها المتفوقون والمبدعون من حملة الشهادات العليا تتمثل بوجود شروط غير مكتوبة للتعيينات الأكاديمية مثل الإنتماء السياسي والقبول الأمني وقوة النفوذ المناطقي وغيرها ، أصبحت عوائق تقف حائلاً أمام رفد الأقسام العلمية بالمتفوقين في التخصصات المختلفة.

ثانياً/ التجهيزات الفنية والمعملية : من عجائب جامعاتنا الحكومية أن ميزانياتها تصل إلى المليارات من العملات المحلية والصعبة ، إلاَّ أنها تفتقد إلى أبسط التجهيزات المعملية والمكتبية وخاصة في الكليات العلمية ، حيث يتخرج طالب الطب والهندسة والعلوم وبقية التخصصات العلمية وهو يفتقر إلى أبسط المهارات التخصصية ، ولو بحثنا عن السبب سنجدهم معذورون لأن غالبية المواد المعملية تدرس نظري!!!أما في الجوانب الفنية الأخرى مثل عمل لجان الإختبارات وإدارات شئون الطلاب فلازالت بعيدة عن استخدام تقنيات البرمجة ، لذلك قد تجد طالب يترك مقاعد الدراسة الجامعية لفقدان نتائجة ، وآخريستكمل إجراءات تخرجه بعد مدة قد تزيد عن العام ، وثالث ربما يدرس المستوى عاميين متتالين على الرغم من نجاحه والسبب سيكون ببساطة ضياع النتائج ، تلك الإشكالية ربما لاتجدها في كثير من مدارس التعليم العام حكومي أو خاص حيث يتم رصد نتائج الطالب الشهرية أول بأول وتقدم له شهادة درجات شهرية ونصف سنوية، فهل يعقل أن مدارس التعليم العام تملك أمكانيات تفوق الجامعات ، الحقيقة أن الجامعات لديها موارد تفوق كثيراً مدارس التعليم العام ولكن دائرة الفساد المالي التي تهدرملايين الريالات والدولارات في شكل بدل سفريات ومكافاءات ونفقات أخرى لاصلة لها بتطوير التعليم الجامعي، تمثل تحدياً آخر يجعل من تصفير الحساب المالي للكليات والجامعة مشكلة أزلية يصعب معها توفير الموارد اللازمة لتطوير العملية التعليمية ، ومن يراجع تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يرى العجب ، لذلك يمكن القول أن لدى الجامعات إمكانيات غيرعادية ، لووجهت لتطويرالعملية التعليمية لأحدثنا نقلة نوعية في مستوى الخريج الجامعي.

أن التعليم الجامعي وخاصة خلال السنوات الأخيرة أصبح شكلياً ، وأصبح الخريج يحصل على شهادة لاتحمل(10%) من المحتوى الفكري والعملي لتخصصه ، كأن تجد خريجاً من قسم اللغة العربية لايكتب سطراً خالياً من الأخطاء اللغوية ، أو خريج كيمياء أو فيزياء لايستطيع إجراء تجربة معملية وقس على ذلك ، هل ذلك نتيجة لقصور في القدرات العقلية لليمنيين؟؟؟ نقول لا وألف لا فالطالب اليمني أثبت كفاءةً وتفوقاً ملحوظاً في الجامعات الخارجية عندما توفرت له أسباب المعرفة ، ومن ثم يمكن فالمسئولية ترجع إلى تدني مستوى التعليم الجامعي في اليمن ، وسببه المباشرسؤ الإدارة والهيمنة الأمنية والسياسية على مرافق التعليم العالي ، مما أدى إلى استبعاد الكفاءات العلمية عن الإدارة الأكاديمية للجامعات بمختلف مستوياتها، وتسليمها لأشخاص يشترط فيهم الإنتماء للجهاز الأمني والحزب الحاكم بغض النظرعن الشروط الأكاديمية التي يقرها قانون الجامعات اليمنية، ومن ثم بدلاً من أن يكون خيار إدارة الجامعات مفتوح لكل الكفاءات اليمنية دون تمييز ، أصبح خيارالمرشحين لإدارة التعليم العالي محصوراً في المنتمين للجهاز الأمني والحزب الحاكم فقط ، وذلك التوجه استبعد غالبية الكفاءات العلمية عن تنمية هذا القطاع ، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل وبعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية من بسط سيطرتها على الجامعات الحكومية أستبعد حتى أعضاء المؤتمر الشعبي العام الذين رفضوا الإنتماء للجهاز الأمني لقناعتهم أن عمل المخبر يتناقض مع شرف المهنة الأكاديمية ، لذلك حصرت الإدارة الأكاديمية في آخر المطاف في فئة معينة من أعضاء هيئة التدريس أغلبهم عين بتوجيهات أمنية ويعملون أيضاً وفق أجندة أمنية لا صلة لها بالمفهوم الأكاديمي للجامعات فأفسدوا التعليم العالي ، وانحرف بعض أعضاء هيئة التدريس عن مهمتهم الرئيسية وتحولوا إلى كتابة التقارير الأمنية ، حتى وصل الأمر إلى أن يكتب المخبرين تقارير ضد بعضهم ، إن هذا الوضع المزري دفع بأعضاء هيئة التدريس إلى الإضراب في العام الماضي محددين مطالبهم باصلاح التعليم الجامعي وتنقيته من قوى الفساد الأمنية والسياسية، ويمثل إستأناف الإضراب في جامعة صنعاء على وجه الخصوص إصراراً على ضرورة تنفيذ إتفاق العام الماضي مع رئاسة الجامعة ، وخاصة البنود ذات الصلة بإصلاح التعليم الجامعي .

أخيراً من الصعب تناول مشكلات التعليم الجامعي في موضوع واحد لأن مافيا الفساد بمختلف ألوانه وخاصة السياسي والأمني والوظيفي إستباحت الجامعات وحولتها إلى إقطاعيات خاصة ، لذلك قد ترى أُسراً أو مناطق أوفئات حزبية بعينها تستحوذ على الوظائف الأكاديمية والإدارية ، بينما يحرم المتفوقين والمبدعين مهما امتلكوا من مهارات علمية وفنية من أن يكونوا جزءً من عملية التنمية المعرفية (باستثناء بعض من حالفهم الحظ في التعيينات الأخيرة للأوائل ، التي أتاحت فرصة لشرائح مختلفة من أبناء المجتمع...ولكن للأسف مقابل إختراق القانون..كم كنا نتمنى أن نراهم في الأقسام ولكن عبر الإجراءات القانونية) والحقيقة أن تلك التعيينات كانت هروباً من هيمنة وسطوة النافذين ، مقابل استباحة وانتهاك القوانين النافذة.