الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٤ مساءً

القاعدة " العدو البديل "

عبدالوهاب الشرفي
الثلاثاء ، ١١ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
أصبح الحديث عن " القاعدة " الذي تدعى " بالتنظيم " هو الحديث الغالب على أي حديث في أي شأن أخر , و الغريب انه كلما اعتقد البعض انه قد استطاع أن يفك لغزها يجد نفسه ابعد ما يكون عن ذلك , فتضل الأسئلة المحيرّة بحق " القاعدة " باقية كما هي منذ أن ظهرت دون ان تجد لها جوابا قاطعا شافيا . وكذلك دون ان تجد لها من مجيب يمكن اعتبار إجاباته بأنها هي الحقيقة , فلا وجود لمصدر يمكن التوجه اليه لمعرفة أي شيء عن " القاعدة " ويكون هو المصدر المعتبر - من ناحية منهجية - لمعرفة أي شيء عنها . وكل ما بأيدينا مما نحتاجه لمعرفة أي شي عن " القاعدة " هو " دوشة " إعلامية وأحداث ضبابيه , وبعد ذلك ليس بأيدينا شيء.

في بيئة عدائية أصعب بكثير من البيئة التي توجد فيها " القاعدة " قامت تنظيمات و ترتبت بطريقة يمكن النظر اليها " كشخصية اعتبارية " بوضوح , فحركة حماس مثلا تعمل في بيئة هي اشد ما تكون عدائية بالنسبة لها , ومع ذلك هناك "شخصية اعتبارية " كاملة وواضحة لها . و هوما ليس عليه الحال مع " القاعدة " مع أنها تعمل في بيئة هي اقل عدائية تجاهها من بيئة حماس .

كما انه ما من " تنظيم " يقوم في أي مجتمع كان الا وله هدف , وهذا الهدف إما ان يكون معلنا او يمكن التعرف عليه من خلال مواقف " التنظيم " وتصرفاته ونحوه , وفي كلا الحالتين يمكن الوصول لقناعة ان هذا هو هدف " التنظيم " . وهذا الأمر لا يصدق على "القاعدة " , فليس هناك هدف معلن يمكن القناعة بأنه هدفها , كما انه لا يمكن قراءة الأحداث المرتبطة بها بطريقة ثابتة وواحدة ومن ثم معرفة أين تتجه هذه الأحداث وبالتالي القناعة بان هذا او ذاك هو هدفها .

تأخذ التنظيمات في المجتمعات الإنسانية شكلا او بناء تنظيميا يظهر بكامله كحال اغلب التنظيمات القائمة , او يظهر جزء منه ويستتر جزء أخر- والغالب ليس استتار الوجود وانما استتار تفاصيل الجزء المستتر- كما هو الحال مع جيش التحرير الايرلندي او مع حركة حماس مثلا فهناك جناح سياسي معلن وهناك جناح عسكري مستور لكنه معروف الوجود دون معرفة تفاصيله . وهذا الأمر لا ينطبق مع " القاعدة " فليس لها بناء معروف ولا بعض معروف , ولا يمكن القناعة ان هناك بناء هيكليا لها ولكنه مستور بكامله .

وجود شخصية اعتبارية وهدف وبناء تنظيمي لأي تنظيم يعني وجوده " كجهة اعتبارية " , وما اقصده عندما أقول ان تحديد شخصية اعتبارية ما " للقاعدة " او تحديد هدف ما لها او تصور شكلا ما لبنائها الهيكلي هو أمر غير ممكن , فان ذلك يعني " الإمكانية " من الناحية المنهجية وليس من ناحية احتمالية او توقعّية او تصوّرية تصدر عن طرف هنا او هناك من المهتمين بموضوع " القاعدة " او " الخبراء" في شئونها , فهم يقدمون لنا " اجتهاداتهم " في محاولة تصوّر إجابات لتّساؤلات الكثيرة عن " القاعدة " , ولكن لا يمكن الجزم باي منها لان عدم الموثوقية في موضوع " القاعدة " لا يقف عند " التوفّق " في تصوّر الإجابات من عدم ذلك , وانما يصل الى المدخلات او المعلومات التي تبنى عليها تلك الإجابات المتصورة .

هذه الضبابية الكاملة لا تعني انه لا وجود " للقاعدة " , او بدقة أكثر لا تعني عدم وجود أحداث تتم تحت هذا المسمى , فالأحداث التي تتم هي وقائع لا يمكن عدم الانتباه لها فضلا عن إنكارها . كما انها أحداث لا يمكن نسبتها لأي طرف غير ما تنسب له وهو " القاعدة " . وعلى ذلك فهي موجودة وغير موجودة في ذات الوقت , أي ان " القاعدة " موجودة كأحداث وغير موجودة " كجهة اعتبارية " .

هذا الحال من الوجود كأحداث وعدم الوجود " كجهة اعتبارية " يجعلنا نصنف " القاعدة " "كظاهرة" لا " كتنظيم ". " فالظاهرة " هي التي توجد بوقوع أحداث وتنتهي بانتهاء تلك الأحداث , على عكس " التنظيم " الذي وجوده يقوم بكونه " جهة اعتبارية " سواء صدرت من أحداث او لم تصدر . وهذه الجزئية هي التي تجعل الكثير ممن يحاولون تقديم إجابات عن التساؤلات حول " القاعدة " لا يوفقون في الغالب , لان إجاباتهم تكون مبنية على النظر اليها " كتنظيم " – وهو ما يتم إبرازها عليه وبقوة – وليس " كظاهر" , وهو امر يؤثر كثيرا على توظيفهم للمعلومات المتوفرة لهم وبالتالي على صحة الاجابات التي يتصوّرونها.

ظاهرة " القاعدة " - مثلها مثل غيرها من الظواهر- تتسم بكثير من السمات وما يعنينا منها هنا هو أهم تلك السمات ,وهي انها أحداث تكتيكية , وانها لا تنشط من ذاتها , و انها تأخذ " متسعا خبريا " يفوق كثيرا حجم و " طبيعة " أحداثها على الواقع . . فهي تكتيكية لان وقوع واختفاء أحداثها هو لمرحله يكون مطلوب فيها هذا الظهور او هذا الاختفاء , بينما لا يكون الامر كذلك في مراحل أخرى قد نراها مشابهه , اي أنها تأتي تبعا لحاجة وتنتهي تبعا لحاجة أخرى . . وهي لا تنشط من ذاتها وانما هناك "جهة اعتبارية " هي التي تعمل على قيام أحداثها او أحداثا باسمها ومن ثم توظفها هذه " الجهة الاعتبارية " في سبيل تحقيق هدف ما لها , وقد يتم ذلك حتى دون علم ممن يباشرون أحداث تلك " الظاهرة " او وعي بأنهم مستخدمون من غيرهم . . وهي تأخذ متسعا خبريا أكثر من وقائعها وذلك لان من يرتّب لها ويستخدمها يعمل على إبرازها بوتيرة تثبّت وجودها في الأذهان كأحداث بقوة تغلب على دافع البحث في طبيعتها وقضيتها وهدفها لتحديد موقف منها , وأضف الى ذلك ان الضبابية التي تتميّز بها " الظواهر " تجعل الباب مفتوحا لإلصاق العديد من الأحداث بها مع ان لا علاقة لها بحدوثها , و هذا الإلصاق قد يتم بقصد وبدون قصد أيضا .


الوقائع التي تنسب " للقاعدة " بدئت بأعمال تفجير و تفخيخ وتطورت الى أعمال اغتيالات ووصلت الى معارك وحروب وهذه الوقائع هي ذات طبيعة أمنية وحربية في الغالب . وهذا النوع من الوقائع لا يتم الا بين طرفين كلاهما له قضيه – بغض النظر عن سلامتها من عدم ذلك وبغض النظر أيضا عن كونها قضية " مغعّله " ام مفترضة – يكون كل طرف منهما مستعدا لان يدخل في مواجهات ومصادمات مع الطرف الأخر في سبيل قضيته . وبالنسبة " للظواهر" تكون قضاياها دائما هي من نوع " القضايا المفترضة " لان عدم وجود " شخصية اعتبارية " لها يجعلها تجد نفسها في صراع مع الطرف المتضرر من أحداثها فور ظهورها ويصبح مسار الأحداث اللاحقة موجها في اتجاه هذا الصراع وبعيدا عن مسار التحقيق و التحقيق مع قضيتها , وبالتالي تكون قضية مفترضة ليس الا . والقاعدة هي إحدى " الظواهر " التي لها " قضية مفترضة " تتمثل رفض الوجود الصليبي واليهودي في بلاد الإسلام .

مكان حدوث الوقائع المنسوبة للقاعدة اخذ مرحلتين الأولى – قصيرة ومنتهية – توزّعت فيها الوقائع على أرضها " بلاد الإسلام " وعلى ارض عدوها " بلاد الغرب وأمريكا " , و لكن لم تصل منذ البداية للأرض المحتلة من عدوا لها " ارض فلسطين ". والمرحلة الثانية – طويلة ومستمرة – اقتصرت فيها الوقائع على أرضها فقط وكل ما هو في ارض عدوها مما ينسب لها هو أحداث " أخبارية مصنوعة " تتمثل في " كشف مخطط " او " إفشال عملية " او انها أحداث " ضئيلة " ولا يمكن الجزم او حتى تغليب انها هي من يقف ورائها , وهذا الأمر هو من الناحية المكانية . اما من ناحية الاستهداف فهي أيضا على مرحلتين الأولى – القصيرة والمنتهية – كان فيها المستهدف هو ما يتصل بعدوها " مصالح وسفارات ومباني ورموز غربية " و الثانية – الطويلة والمستمرة – تحول المستهدف فيها الى مالا يتصل بعدوها " حكومات وجماعات وجيوش ومباني ومنشأة عربية وإسلامية " .

ردود الفعل تجاه أحداث " القاعدة " بدأت من قبل عدوها – الولايات المتحدة وبعض دول الغرب - بالاشتراك مع حكومات عربية واسلامية حليفة له . ومن ثم توسعت ردود الافعال لتصبح من قبل عدوها بالاشتراك مع الحكومات الحليفة بالإضافة الى أطراف غير حكومية عديدة من أحزاب وتجمعات ومنضمات وغيرها , و في العالمين العربي والاسلامي خصوصا , و أصبحت مواجهة القاعدة قاسم مشترك واهتمام للجميع على اختلافهم في الكثير من غير ذلك , وباستثناء القلة هي التي لم تتحمس لهذه المواجهة .

ما يستخدم في هذه المواجهة مع " القاعدة " هي كل القدرات المتاحة لمن يواجهونها , أمنية و عسكرية و استخباراتية و اقتصادية و إعلامية وسياسية وأحيانا شعبية , وهذه القدرات هي ما تستخدمه المجتمعات لمواجهة " عدو " , وبالنسبة للعرب وللمسلمين لا تمثل " القاعدة "عدو من حيث المبدأ , باعتبار ان القضية – المفترضة – التي تتبناها هي إنهاء الوجود الصليبي واليهودي في بلاد الإسلام " , وهي قضية ايجابية بالنسبة للعالمين العربي و الإسلامي , ومع ان هذه القضية تأخذ بعدا نسبيا بين طرف وأخر في العالمين العربي و الإسلامي الا انها تضل ايجابية باعتبار الاحتلال ومساندة الاحتلال لا رض عربية واسلاميه , ولا يمكن لقطية كهذه ان تمثل مبررا لان تكون " القاعدة " عدوا لأي طرف في بلاد العرب والإسلام او ان يكون اي طرف عدوا لها أيضا . ولكن ما يحدث على الأرض هو ان حالة العداء هذه – الغير مبررة من حيث المبدأ – قائمة فعلا , وهناك حرب يستخدم فيها كل من طرفيها كامل قدراته تجاه الأخر , و اصبحت " القاعدة " عدوا فعليا للحكومات والأحزاب والمنضمات والجماعات والتجمعات في " عالمها " العربي و الإسلامي , وأصبح الصراع معها هو الغالب على اي صراع أخر في هذين العالمين الذين هما أصلا عالميّ " القاعدة " ولا يفترض ان يكون هناك شي من هذا الصراع او ان لا يكون في المستوى الذي يتم به .

قبل وجود شي من هذا الصراع بين " القاعدة " وبين جميع الأطراف التي يتواجهون معها و الذي غلب على اي صراع أخر في العالمين الإسلامي والعربي خصوصا وفي العالم كله عموما , كان هناك صراع أخر هو الغالب ويشترك فيه الجميع بصورة ما . هذا الصراع هو الصراع المرتبط بالوجود الإسرائيلي في فلسطين , وكانت كل الأطراف التي من العالمين العربي و الإسلامي تمثل طرفا واحدا في صراع طرفه الأخر هو الكيان الإسرائيلي , وكانت الأطراف التي من العالم الغربي والأمريكي تلعب دورا مساندا للوجود الإسرائيلي في فلسطين – الأرض المغتصبة من العرب والمسلمين – وكان هذا الدور يتمثل في كف الأيادي " الرسمية " للعرب والمسلمين - المتمثلة بالحكومات - من ان تمتد بسوء الى دوله إسرائيل من جهة و تعمل على محاولة الانتصار للوجود الصهيوني في الأرض المغتصبة بطريقة " غير حربية " سميت بعملية السلام من جهة أخرى .

تمكن الدور الأمريكي الغربي في هذا الصراع من ان يكف اليد " الرسمية " للعرب والمسلمين , فلم يعد هناك حديث من حكومات العالمين العربي والإسلامي عن استعادة الحق المسلوب من المسلمين والعرب كاملا وبالقوة " ما سلب بالقوة لا يسترد الا بالقوة " - باستثناء عدد قليل من تلك الحكومات لا يجاوز عدد أصابع الكف الواحد - وليس هذا وحسب بل تمكن ذلك الدور - الأمريكي الغربي - من استخدام اليد " الرسمية " في كف اليد " غير الرسمية " – التكوينات المقاومة غير الحكومية - الساعية لاستعادة هذا الحق بالطريقة التي تراها , وكانت " عملية السلام " هي المبرر الذي تمكن الدور الأمريكي والغربي من جعل امتداد اليد " غير الرسمية " بسوء لدولة إسرائيل أمرا مجرّما يتشارك في مواجهته حكومات العالم اجمع والحكومات العربية و الإسلامية - باستثناء عدد اصابع الكف منها- في مقدمتها .

كون " القضية الفلسطينية " قضية محورية عربية إسلامية إنسانية تمكن الدور الأمريكي الغربي المتشارك مع اليد " الرسمية " من حكومات الدول العربية والإسلامية من الحد بصورة فاعله من وصول اي سوء لدولة إسرائيل من قبل اليد " غير الرسمية " , ولكنه لم يتمكن من الحد الفاعل من محاولات الوصول , ومن الإعداد والتحضير والتقوّي لليد " غير الرسمية " في سبيل تأهيل ذاتها لتحقيق مرادها في استعادة الحق المسلوب وهذا الحال مثّل مشكلة جديّة لدولة إسرائيل وللدور الأمريكي الغربي في هذا الصراع وازدادت هذه المشكلة إزعاجا وأصبح حلها امرأ لا يمكن تأجيله بعد تحالف اليد " غير الرسمية " مع عدد أصابع الكف من حكومات العالمين العربي والإسلامي التي بقيت ممتنعة عن " عملية السلام " ومتمسكة بخيار المقاومة وهذا التحالف مكن اليد " غير الرسمية " من التسبب بإزعاج جدي لدولة إسرائيل بل وتمكن من تحقيق انجاز غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع وحرّر ارض محتلة من الكيان الصهيوني بالقوة , وكان لابد لهذه المشكلة من حل .

كان الحل لهذه المشكلة هو السير في ثلاث مسارات متوازية أولها مسار" شرق أوسط جديد " ويقوم على إحلال بعض من يمثلون اليد " غير الرسمية " محل اليد " الرسمية " - إحلال المعارضين للحكومات ممن لا يمانعون في سبيل وصولهم من التعامل مع الدور الأمريكي والغربي وذلك محل الحكومات – والثاني هو مسار " ا لخطر الإقليمي " بتصوير " حكومات عدد الكف " من حكومات العالم الإسلامي والعربي الغير منصاعة للدور الأمريكي والغربي - والمتحالفة مع اليد " غير الرسمية " - في صورة العدو الاخطر لليد " الرسمية " ولمن سيحلون محل اليد "الرسمية " تبعا لمسار " الشرق الأوسط الجديد " . اما المسار الثالث – وهو الذي يعنينا هنا – فهو مسار " العدو البديل " بإيجاد عدو أخر غير العدو الإسرائيلي – العدو الفعلي – توجّه اليه كافة قدرات الأطراف المشتركة في هذا الصراع ,ليشغلها عن عدوها الفعلي وقضيتها المحورية .

يمكن الجزم - منهجيا - ان اللوبي اليهودي وكل صانعي السياسات في أمريكا والغرب هم على وعي كامل بالمسارين الأولين " الشرق الأوسط الجديد " و" الخطر الإقليمي " ويمكن الجزم - منهجيا - ان اللوبي اليهودي هم وحدهم الذي على وعي بالمسار الثالث " العدو البديل " اي ان هناك من صانعي السياسات ومتخذي القرارات في أمريكا والغرب يؤدون دورهم في هذا المسار دون وعي به , وتماما كما هو حال غيرهم من الأطراف الأخرى العالمية والإقليمية والقومية والوطنية الرسمية وغير الرسمية التي تلعب دورا في هذا المسار , وهذا فضلا عن عدم وعي " العدو البديل " نفسه بدوره هذا . وعدم الوعي هذا لا اعني به الوعي بالأحداث التي تجري ضمن هذا المسار وانما اعني الوعي بان هذا المسار هو احد مسارات حل مشكلة لدولة إسرائيل , كون هذا الوعي لو تم فحتما لن تسير فيه تلك الأطراف , فالعربية والاسلامية لكونه يخدم عدوا لها والاطراف الامريكية والغربية لكونه يتطلب تضحيات جسيمة وتكاليف كبيرة لا وجود لمبرر وطني لتحملها .

مسار " العدو البديل " انطلق من فكرة راسخة في المزاج اليهودي مفادها " صديقك وعدوك كلاهما غيرك واذا استدعى الأمر فليس هناك ما يمنع من ان تضرب غيرك بغيرك كيما تنجو " , ومن هذه الفكرة البسيطة انطلق اللوبي اليهودي في هذا المسار وكل ما كان يحتاجه هو قضية تجمع كل الأطراف في المعادلة المحيطة بدولة إسرائيل على رغم الاختلاف الكبير الحاصل فيما بينها , وكان " الإرهاب " هو القضية التي يمكن ان تجمع كل تلك الأطراف " فالإرهاب " أعمال يتم فيها استهداف للمدنيين وهو الأمر الذي لا يمكن ان يقبله الجميع , ويمكن تجميعهم لمواجهته , و جعل من يقوم بأعمال " إرهاب " عدوا لكل تلك الأطراف المختلفة , ومن ثم توجه كل قدرات وطاقات الجميع باتجاه هذا العدو , و بالمستوى الذي يشغل الأطراف المعادية لدولة إسرائيل عن التركيز عليها كعدو أول .

كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تم فيها الاستهداف او بالأصح " التضحية " ببرجي التجارة العالمية هي تدشين اللوبي اليهودي لبدء الدفع بمختلف الأطراف للسير في مسار" العدو البديل" , فهذا العمل خطير وكبير , و يمكن تبعا له تحقيق المراد وتغيير معادلة الصراع برمتها ,وهو عمل لابد من مواجهته دون اي حسابات, وهو عمل "لا أخلاقي " يمكن ان يجتمع في مواجهته الجميع . ولكن من فعله ؟؟ وهذا السؤال هو الذي لم يكن يعرف أجابته الحقيقة الا اللوبي اليهودي وهو أيضا من أعدّ أجابته " البديلة " وفرضها على الجميع .

كانت الإجابة " البديلة " لهذا السؤال هي ان هذا العمل هو من فعل " القاعدة " !! ذلك " التنظيم " الذي كان قد قام بعدد من الهجمات ضد مصالح امريكية وغربية في الشرق الاوسط وافريقيا . وكون هذا العمل قد تم بحق دولة عظمى هي الولايات المتحدة الأمريكية كان لابد للجميع ان يحدد موقفه من تلك الأحداث ومن ذلك " العدو " الذي فعلها ! , وهو ما طرحه رئيس الولايات المتحدة حينها بجلاء كامل , وقال ان معركة " بلاده " الآن هي مع " الإرهاب " الذي تمثله " القاعدة " وأضاف عبارته التاريخية " من لم يكن معنا فهو ضدنا " وكانت الرسالة واضحة تماما , فمن لا يشارك الولايات المتحدة في حربها هذه هو عدو لها .

تمكن اللوبي اليهودي من صناعة هذا الحدث الفارق في تاريخ العالم كله والذي يمكن وصفه بالرهيب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى , وتمكن أيضا من ان يلصق هذا العمل من أول يوم " بتنظيم " " القاعدة " بل من أول لحظاته , فلم تمضي ساعات من انهيار البرجين المستهدفين الا وقد تبنت وسائل الاعلام – و المسيطر عليها من اللوبي اليهودي - رواية العثور على جوازات سفر وسط ذلك الركام الذي احتاج اشهرا لرفعه !! بأسماء أشخاص هم من تنظيم " القاعدة " ! , وفرضت الرواية على الدوائر الرسمية وعلى الكثير في الولايات المتحدة .

هكذا أصبح هناك " عدو" هو " تنظيم " " القاعدة " - مع انه لا وجود له " كتنظيم " أصلا وانما هي " ظاهرة " تتمثل في مجموعة أحداث انفعالية - و تم توجيه كل أطراف المعادلة المحيطة بدولة إسرائيل الرسمية منها وغير الرسمية باتجاهه , فلم يعد دور " الأصدقاء " الأمريكان – بالدرجة الاولى - والغرب في المنطقة هو الدعم والمساندة لدولة إسرائيل ككيان صديق , وانما أصبح لهم تواجد فعلي وكثيف فيها لخوض حرب " تعنيهم " هم مباشرتا , ولم يعد دور الأغلب من " الأعداء " موجها لمغتصب أرضهم , و أصبحت كل الأطراف " الصديقة " و " العداوة " لدولة إسرائيل تحارب هذا " العدو البديل " , و من يفرض حربه على الجميع هو دولة عظمى هي أمريكا .

هكذا اتجهت كل القدرات والطاقات "لصديق " الكيان الصهيوني و " لعدوه " باتجاه عدو بديل هو " القاعدة " , ولم يعد اي طرف من أطراف العداوة السابقة مع الكيان الإسرائيلي - الا القليل جدا - يضع الأولوية لعداوته مع المغتصب كما كان عليه الحال قبل ان يوجد هذا " العدو البديل " المسمى " بالقاعدة " والموسوم " بالإرهاب " . و بذلك يبقى " العدو الحقيقي " المتمثل بالكيان الاسرائيلي في مأمن ممن اغتصب حقهم واحتل أرضهم من العرب والمسلمين , لأنهم قد تم شغلهم بعدو أخر هو " القاعدة " , فرض عليهم مواجهته ولا مجال للالتفات لغيره.