السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٥ صباحاً

بكل المقاييس ليست رحلة عادية

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الثلاثاء ، ١١ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
الحديث عن الإسراء والمعراج كخارقة ليس شيئا عاديا ، صحيح أنها رحلة من حيث الانتقال من أرض إلى أرض ، لكنها ليست ككل الرحلات بكل المقاييس أظن أن تسميتها رحلة مجازا أكثر من كونها حقيقة ، لكنها كخارقة أصح حقيقة وأثبت . كيف يصح أن نطلق عليها رحلة وفيها ما فيها من الخوارق وغرائب وعجائب الأحداث ! لكأني وأنا أسيح في مشاهد أحداثها أنظر ما لم تسجله المعاجم وقواميس اللغة ولسان العرب !! إنه الحدث الذي توقف له الزمن وشاء الله لسلسلة من الأحداث العظيمة أن تتجسد على حين غفلة من الحساب فجرت أحداثها لا بمنطق البشر أو الخلق بل بقدر الله الفاعل الذي تمضي الخلائق والأكوان بين الكاف والنون ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ).

ابتدأ الحدث وانتهى في جزء من الليل !! أمَ بإخوانه من الأنبياء والرسل في بيت المقدس ، وعرج به إلى سدرة المنتهى مرورا بالسبع السموات إلى تحت عرش الرحمن يخر ساجدا مسلما وممجدا ومقدسا ربه الأعلى بما ألهمه الله تعالى من مفردات هذه الكلمات ، ثم يعود إلى فراشه الذي لا يزال دفء جسده قبل ارتحاله عليه !! يا ألله ! أي عظمة هذه وأي رحلة هذه ! وأي حدث هذا ! ولمه العجب ألم يقل الملك المبشر لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام بمولود له على الكبر فتصك امرأته وجهها وتتعجب ( أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) فلا عجب لمن بيده الأمر والخلق سبحانه جل وعز .

إن إسراءه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في شبه الجزيرة العربية إلى المسجد الأقصى أرض الشام فلسطين ليدل بوضوح ارتباط المكانين يبعضهما عقيدة وشريعة كون المسجد الأقصى مهبط وملتقى جميع الأنبياء والرسل والرسالات ، والمسجد الحرام البناء المتين الراسخ الذي تتجذر عليه كلمات الله الخالدة النافذة المنتشرة بقدر الله المحتوم لتعم وتشمل جميع أصقاع المعمورة ، فلقد كان كل نبي أو رسول يبعث إلى قومه وأمته وكانت كل الرسالات وكل الأنبياء من بني إسرائيل ، وشاء الله أن يختم هذه الرسالات ويجعلها شاملة عامة بمبعث سيد البشرية من أصل العرب ومن بين الأميين محمد صلى الله عليه وسلم ، وحتى تقوم حجة الله على خلقه ويدرك أتباع الرسالات السابقة أن محمدا عليه الصلاة والسلام هو آخر الأنبياء وخاتمهم وأن عليهم نصرته بعد الإيمان به وتصديقه التقى بالأنبياء والرسل جميعهم في بيت المقدس وإقرارا منهم بفضله عليهم جعلوه إماما لهم وصلوا خلفه إيذانا بمرحلة جديدة من حياة الناس بدأت بهذا الحدث الكوني العظيم .

في هذه الرحلة العجيبة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشيب له الرأس مما أعده الله للمخالفين العصاة من أمته ممن يتركون الحلال الطيب من النساء إلى الحرام الخبيث من معاشرة العاهرات ، وممن يباشرون المعاملات الربوية وممن يعاقرون الخمر وممن يتركون الصلاة وغير ذلك كثير .

إن المسلمين اليوم وهم يستذكرون حادثة الإسراء والمعراج ويحتفون بها كلا على طريقته الغالب فيهم جميعا يأخذونها كذكرى جميلة رائعة يستغلونها كمناسبة للأكل والشرب والابتهاج وكأنها مناسبة ككل المناسبات الجميلة ويسهرون حتى قبيل صلاة الفجر ثم ينامون عن صلاة الفجر حتى تشرق شمس يوم جميل جديد وهكذا كل عام مخالفين النهج الذي لأجله قامت ونشأت هذه الحادثة العظيمة وهي تغيير مسار الناس إلى الله تعالى وكانت الصلاة هي الفريضة الوحيدة من كل فرائض الإسلام التي أوجبها رب العزة والجلال على الأمة وقت لقاءه بحبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن المؤسف أن نحتفي بذكرى حدث فيه من العبر والدروس ما يستوجب علينا الوقوف عندها كثيرا ، ولعل ما يمكن الإشارة إليه : 1- فيه الرفع من شأن ومكانة هذه الأمة العظيمة التي انتزعت مكانتها العالية من كونها الأمة الخاتمة التي ختم الله بها الرسالات وجعلها وسطا تشهد لكل الأنبياء على أممها ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وأمة بهذه المكانة يجب عليها أن تكون أكثر استقامة وأكثر حرصا على البلاغ الذي أناطها الله به . 2- استعرضت حادثة الإسراء والمعراج مشاهد واقعية متسرعة لما سيكون في اليوم الآخر من أحوال المنحرفين عن الجادة وهي بعض وليس الكل والجزاء الذي ينتظرهم ، كما استعرضت كذلك شيئا من القدرة الإلهية في تسيير الزمان مما يدفعنا هذا في الأساس للثقة والإيمان واليقين أن من دعا إلى الله وعمل بمرضاته وضاقت عليه الدنيا بما رحبت يقدر الله له من الأحوال والأحداث ما يشد به فؤاده ويجدد نشاطه كما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الرائعة العجيبة .