الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٠ مساءً

دوام الحال من المحال

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
السبت ، ١٥ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
مما نفهمه من قول الحق تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) أن يومك لك ويوم غد لغيرك ، وأن من الضعف الذي يعتري الإنسان عدم مقدرته على حفظ مكانته التي عليها إلا أن يشاء الله به إمضاء قدره المحتوم ، فيكون بقاءه على مكانته التي يحب ليس لسواد عينيه وإنما لتحقيق مصالح لغيره يمضيه الله على يديه . ومجازا يقال : يوم لك ويوم عليك ، لأن المعنى المراد باليوم الفترة الزمنية التي خولك الله فيها ثم تأتيك الفترة الزمنية لغيرك وحينها فقط تقرأ بين سطور الأحداث ما الذي أحسنته في فترتك التي خولك الله إياها وما التي فيها أسأت ، فتكون من الله لك فترة استراحة إجبارية تراجع فيها نفسك وتقبل على الله بتوبة نصوح قد يعوضك بها مكانة أرقى وأروح لدينك ولقلبك من سابقتها . إنها سنة الله في التغيير، وسنة الله في التربية ، وسنة الله في تحقيق مصالح العباد ، وإننا ضعفاء لا نملك لأنفسنا ضراً و لا نفعا ، والتداول ذاته علاج ناجع لداء ثبات الأحوال دون تحلحلها من الروتين الممل والضجر والرتابة وانعدام روح الإبداع والتجديد ، إن الحياة أشبه ما تكون بالنهر الجاري أو البحر المتجدد بأمواجه لا يقبل في جوفه الموات ، ولو لا تقلب أحوال الحياة بالناس ما تعلم الجاهل ولا تواضع المتكبر ولا خنع المتغطرس المغرور للحق الذي للناس عليه ، من المحال دوام الحياة دون الموت ، ومن المحال دوام التاجر إلا أن يظهر للناس عجزه في المتعة بالثراء وأن تعبه وهدر حياته فيما يربحه من تجارته على حساب راحته وصلاح باله ، وقد يرزق التاجر المال ويحرم الصحة والأولاد مع تمنيه ذلك ، ويعطى الفقير الصحة والولد ويحرم المال ويذوق شظف العيش ، المهم أن من يعطى شيئا له ذو بال أحرمه مثله أو مثليه ولا يظلم ربك أحدا ، حتى محبة الناس أو لنقل تقدير الناس لك يزيد أياما وينحسر مثلها أو مثليها ، وقد يكون صلة المرء بربه هي محور هذا التحول الذي لا يستقر على حال ، قال بعض الصالحين : إني لأعرف معصيتي لربي من خلق دابتي . وهذا النوع من الفهم يفسر الأحداث ويضع موازين عجيبة ورائعة في فهم أمواج الحياة المتلاطمة ويضمد الجراحات النفسية المتراكمة ، أتصور المثالية حين ينظر كل منا إذا ساء حاله إلى نفسه وأقام لها ميزان محاسبة يأخذ لها ما لها ويأخذ منها ما عليها ، يؤكد هذا المعنى الفاروق عمر رضي الله عنه يوم خاطب رعيته ناصحاً ولا تزال وصيته تتردد مجلجلة في الأجيال تتغلغل في النفوس المؤمنة : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم يوم العرض الأكبر . إنها النفوس تكون رائعة يوم تنصف من نفسها لذوي الحق عليها ، يشير إلى هذا المعنى قول الحق سبحانه ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ) وإنها النفوس الراقية الراضية بالحق كيفما كان لها أو عليها ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) ويروي التاريخ الإسلامي عن رجلين تنازعا على كنز وجداه في أرض أحدهما يقول الآخر للقاضي : سيدي القاضي هذا الكنز له لأنه وجده في أرضه وليس لي ، ويقول الآخر : بل هو له سيدي القاضي أنا اشتريت الأرض ولم أشتر الكنز فهو له . هل مثل هذا النفوس وقد علت عن حطام الدنيا وسفاسفها تطمع في مغنم يأتيها أو تأسف على لعاعة سلب منها ؟ إنها النفوس الكبيرة الطامحة لما عند الله ، يأتيه الناس بأوزارهم وأحقادهم ، ويأتيه هو بقلبه السليم . وإن سنة الله الجارية أن من كان حاله متصلاً بأحوال الآخرين يحسن الله له حاله ويرفع من مقامه إن استغل حاله في تحقيق منافع الآخرين ورفع الضر عنهم ، وأن من تضرر الناس بمقامه وكان سبباً في ذلك هيئا الأسباب القالعة له من مقامه وحاله التي عليها ، ولعل قوماً أطال الله عذابهم على يد ظالم سلطه عليهم ليثوبوا ، فإذا غيروا من أحوالهم وقبل الله منهم رفع عنهم يد الظالم بأيديهم أو بغيرهم ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له ) وإن هذه الثورات الشعبية التي أطاحت بالطواغيت أوضح بيان على ما سبق ذكره ، ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) وأما ما يحدث في سوريا الشام فهو سرٌ الله وحده من يعلم ما تؤول إليه الأحوال ولعل لله مشيئة تفوق طموح الشعب السوري ، يريد أحرار سوريا الأمن والحرية والكرامة لأنفسهم ويريد الله بهم فوق ما يريدون وهي كرامة لهم يدفعون ضريبتها غالياً ، ويجهل سنن الله الغالبة القاهرة من يظن أن أمة مجاهدة مهما قل عددها وعدتها وهي تجاهد لإعلاء كلمة الله ومهما تكالب عليها أعدائها أن تهزم وتستأصل ، فالله وعد ولن يخلف وعده ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) وإن هذا القتل الذريع حجة الله على خلقه ، وإذا أراد الله شيئا هيئا له أسبابه .