الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٧ مساءً

بقايا الصندوق

جمال أنعم
الجمعة ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٠١ صباحاً
صالح والصندوق مسرحية هزلية أجبر اليمنيون على مشاهدتها طويلاً، كانوا دائماً الجمهور المتفرج وموضوع الفرجة، هي بطولة صالح على الدوام، هو كاتب النص والممثل والمخرج، هو الصندوق وكل المخرجات.

الآن تغير الوضع، ثار الجمهور، كف عن الفرجة، سيطر على المسرح وحكم بإنهاء العرض، بدأ فصلاً جديداً، الآن هو البطل، هو المشهد والمشاهد.

يريد الرجل رحيلا يليق به كحاكم ديمقراطي اختار الصندوق 33 سنة متواصلة طريقا وحيدا للوصول الى السلطة لذا لن يرحل إلا كما ظل يجئ عبر الصندوق هذا الالتزام الأهم لا تنازل عنه ولا اعتبار لدورة رئاسية أخيرة لا تنتهي بالصندوق، الأمر لا يتعلق ببقائه حاكما بل ببقاء الصندوق واستمراره مدخلا ومخرجا للمترئسين.

ايمان صالح بالصندوق راسخ كرسوخه في الحكم وهو يقين لا يشاطره فيه احد شأن الكرسي تماما.

صندوق صالح علبة حظه السحرية مغلقُ عليه بإحكام يدخله كثيرون ولا يخرج سواه، هو صندوق عجائب وغرائب صاهلة، يدرك صالح أن الحاكم العربي يجيءُ زوراً عبر الصندوق لكنه لا يرحل أبداً من خلاله

نحن نريد تغيير هذا الصندوق الوقف في حلق الديمقراطية غصة عالقة ترفض أن تزول.

هم الحكام المتفردون لا يتقبلون الانفراد بالرحيل يحرصون على ان نقاسمهم وجع ذهابهم بالقوة يفرضون على الجميع ثمنا باهضا. مقابل خسرانهم، يرون انهم يستحقون اعظم كلفة ممكنة، يستحقون هذه المجازر وهذا الخراب بعدهم، لابد ان تكون خسارة الناس بقدر الزعيم المكسب، انتم لا تواجهون مجرد فرد حاكم بل كائناً تصور نفسه إله معبوداً من دون الله وبقدر أوهام العظمة تجئ نقمة السقوط ، الغيلان التي تركت طويلا ترتع وتنهش لا تغادر بسهولة ترفض الترك بقدر ما تركت تستبد وتفتك وتبطش.

لم يبق في حقل السلطة سوى العائلة المسلحة عصابة أخيرة, تحرس الحصاد بحصد الأرواح.

الأب العجوز في آخر مهماته، خيال مئآته، فزّاعة طيور ثائرة، ما عادت تفزع، يدرك أنها قد أكلت رأسه وأتت عليه بسلام.

يستميت الخطاب الرث لإثبات أن النظام مازال قيد الحياة وأن صالحاً ثابتٌ مكانه، مواصلاً الإمساك بعصا الحكم ومقاليد الأمور، في حين أن خطاب الواقع يفصح عن حالة تحلل مؤكدة واضحة للعيان.

ليس الحرس الجمهوري ولا الخاص ولا الأمن المركزي, حين يرفض المواطنون إستمرارهم كمحكومين ينتهي النظام, هذا ما حدث لليمن, ما عاد هناك شعبٌ يسوسه صالح, الثورة الآن هي الحاكم, هي النظام الجديد, إنفرط العقد وتناثرت حباتُ المسبحة, ما تبقى مجرد هياكل جوفاء لنظامِ أفل، تبدو الدولة بمؤسساتها منهارة نتيجة هذا التلبس الشيطاني بها من قبل الحاكم.

ماذا تبقى؟ هذه الفوهات المصوبة إلى قلب المدائن؟

أم هذه الأفواه المفتوحة على القنوات لتصريف جرائم القتلة وتنظيف فظاعاتهم، ماذا تبقى؟.. مكانس الشيطان هذه؟ ماسحوا القذارات؟.

وسائل الإعلام الخارجي تدركُ جيداً معنى أن لا تجد واجهة محترمة تعرض وجهة النظر الحكومية غير هذه الوجوه المدعوكة التي تطالعنا ليل نهار.

تشق على نفسها الفضائيات وعلينا بالتزامها المهني في عرض وجهات النظر المختلفة، لدرجة ان تقلل وانت الصحفي من هذا الشرط حين يجئ حفاظا على الشكل فقط، المهم رأي آخر، وان كان ممن لا رأي له ولا رؤية، الأمر يستدعي التوقف، ما علاقة موظف في أمانة العاصمة بوجهة نظر الحكومة في كل شئ؟، السلطة لا يعبر عنها إلا أصحابها، لا يصلح للنطق باسمها في كل الأمور موظف بسيط في السفارة ببيروت ما قيمة الرأي حين يصدر عن غير المسئول، هكذا تحصيل حاصل، يكفي ان يكون محسوبا على الحاكم، نجد أشخاصا لا وزن لهم ولا صفة يتصدرون للحديث عن النظام ويتولون الدفاع عن مواقف الحاكم والرد على معارضيه، كما لو انهم حصانه ولسانه وسنانه، وما هم بشئ ولا لهم من الامر ما يبيح هذا الحضور البواح.