الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٣ مساءً

لن أكلم اليوم جنيا !

د . أشرف الكبسي
الاثنين ، ٢٤ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
ماذا لو كانت حصة الفرد من (الكلام) محدودة ، كحصته من الأجر الوظيفي الشهري ، على غرار ستين ألف كلمة شهرياً! هل كنا عندها لنتحدث عما نعرف وما لا نعرف ، ونخوض ، كما نفعل ، وبإسراف في الدين والسياسة والمجتمع..؟ وكيف سيكون حينها حال الحكومة ، ورجالات الإعلام والصحافة ، والفصحاء من الدعاة والخطباء وأهل الفتاوى؟ والأهم من هذا كله ، مؤتمر الحوار الوطني الشامل ، والذي يُنفق فيه الجميع كلماتهم ، في آن واحد ، بينما لا يستمع فيه أحد لأحد ..!

الكلمة أمانة ومسؤولية ، وإهدارها على النحو القائم اليوم ، لمجرد أنها هبة إلهية مجانية ، كارثة إنسانية وأخلاقية ، قبل أن تكون دينية ووطنية ، كما أن حرية التعبير وإبداء الرأي ، لا تقاس بالكم وإنما بالكيف ، وقد قيل: "خير الكلام ما قل ودل" ، لا ما ارتفع وذل ، وخلافاً لما قيل ، من أن خير الناس من كف فكه وفك كفه ، ها نحن فككنا فكنا وكففنا كفنا ، ومع أننا نعلم جميعاً أن الإيمان يتطلب قول الخير أو الصمت ، إلا أن أحداً منا لا يصمت ، لاعتقاد كل منا ، واهماً في الغالب ، بأنه (مؤمن) ، وإنما يقول خيرا ، بينما الآخر ليس كذلك ، ويقول شرا..!

ما إن تأخذ مقعدك من ديوان المقيل ، حتى يسارع الجمع ، في غالبهم ، وبنهم ، للحديث عن كل شيء ، وأي شيء ، بلا ترشيد للكلمات ، أو حذر من زيف حقائقها ، أو زور مصادرها ، أو سوء عواقبها ، أو وخيم نتائجها ، وما إن تأخذ مكانك على حائط الفيسبوك ، حتى يسارع القوم في نهم مماثل ، للكتابة عن أي وكل شيء ، فتنطلق الأحكام على غير وجل ، وتنهمر الاتهامات بلا خجل ، دونما إدراك أن المسائلة الإلهية ستطال (المفسبك) يوماً على فسبكته ، سواءً أكانت بلغة الإنس أو الجن !

نترقب بلهفة الخطاب الأول لرئيس الجمهورية المنتخب ، فإذا ما نطق ، قلنا ليته سكت ، كما نحتشد يوم الجمعة لسماع الخطيب ، فإذا ما تحدث ، قلنا ليته صمت..! ونحن لسنا باستثناء ، فكثيراً ما يكون صمتنا خير من كلامنا ، وحديثنا مع أنفسنا ، أجدى منه مع غيرنا ، فليس جنوناً أن تحدث نفسك ، وإنما أن تمضي سنوات دون أن تحدثها أو تستمع إليها ، فحديث العاقل مع ذاته أولى من حديثه مع الجاهل ، وأنفع من حديث الأخير مع الغير.

كما سيسألنا الله يوماً عن أيامنا وأعمارنا وأموالنا ، سيسألنا قطعاً عن كلماتنا ، ولو أننا حددنا يوماً للصمت العالمي ، لكان خير أيام الله .. فهلا جربت أن تنذر للرحمن صوما ، فلا تكلم فيه إنسياً ولا جنيا ؟