الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١١ صباحاً

مجلس النواب المشكلة من قبل ومن بعد

مروان المنصوب
الثلاثاء ، ٢٥ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
المتابع للشأن اليمني يلاحظ أن المسألة السياسية تكاد تطغي على ما سواها من المسائل (الاقتصادية ، الاجتماعية ، الثقافية ، والقانونية) ، ذلك أن الاهتمام بالمسألة السياسية يطغي على غيرها من المسائل ، فمنذ صياغة اتفاقية الوحدة اعطى طرفي الاتفاق اهمية كبيرة للعمل السياسي تجلت في ابرز صورها باعتماد الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وشكلت توازن القوى في تلك المرحلة نوع من التوازن ، الأمر الذي اسهم في اخراج العمل الحزبي الى العلن باشتراط وتأسيس احزاب جديدة ، وحصول ما يشبه الثورة الصحفية فصدرت الصحف الحزبية والمستقلة والأهلية والنقابية ، فأسهمت بتطوير الوعي السياسي بوصول صوت المثقف السياسي الى الشعب ، وصول عدد من المثقفين والقادة الشعبين امثال المثقف المبدع الفقيد الأستاذ/ عبد الحبيب سالم صاحب (الديمقراطية كلمة مرة) والاستاذ/ علوي الزريقي والاستاذ/ سلطان السامعي اصحاب شعاري (من أين لك هذا) و ( تقديم الذمة الماليه) ، وترأس مجلس النواب المعلم البرلماني الدكتور/ ياسين سعيد نعمان صاحب نقطة النظام ، كان له اثرة في الحد من قبح النظام الانتخابي الذي لم يكن معبرا عن إرادة الناخبين فيما يخص خياراتهم الحزبية ، ويتجلى ذلك بأن بعض الأحزاب حصدت عد كبير من اصوات الناخبين وحصلت على عدد أقل من مقاعد مجلس النواب في حين أن احزاب اخرى حصدت عدد أقل من اصوات الناخبين وحصلت على عدد اكبر من مقاعد مجلس النواب في العام 1993 ، ضاق مشايخ الاحزاب والقبيلة ذرعا من ذلك التغير حيث اثارها ما تتعرض له من نقد كونها لم تعتد على المساواة والرقابة الشعبية ، فقامت بتسريع وتيرة التصعيد مستغلة حالة الشك والريبة وحداثة التجربة الوحدوية وما رافقها من أزمات ، فاستطاعة تجير ذلك التحالف السياسي ذو الأغلبية العددية بمجلس النواب للسيطرة ، حيث قامة بحملة علاقات خارجية (اقليمية ودولية) لتخويف الجوار من تأثير التجربة على انظمة الحكم والتعاطي مع رغبات بعض القوى الكبرى بتصفية القوى الاشتراكية ، وعلى المستوى المحلي فقد تبنت خطة تقوم على ممارسة الضغط على شريك الوحدة بتعطيل صلاحيات ممثليه بالسلطة والتحريض ضده والذي نتج عنه اغتيال عدد من قيادات ذلك الشريك العسكرية (ماجد مرشد) والمدنية (وزير الأشغال) والتعرض لموكب رئيس الوزراء والاعتداء على نائب رئيس الوزراء ، وكل ذلك خلق حالة من الخوف والقلق عند باقي القيادات وادى ذلك إلى مغادرة الكثير من القيادات للعاصمة للبحث عن اماكن أمنه ، وكل ذلك أدى إلى اعتكاف نائب الرئيس ، والدخول في أزمة سياسية لم تفلح العديد من محاولات اعضاء البرلمان تهدئتها أو تخفيف من حدتها والحد من اثرها ، وعلى الرغم من وصول تلك المساعي الى التوقيع على وثيقة وطنية (وثيقة العهد والاتفاق) برعاية اردنية ، وبالرغم من وجود تلك الكتلة التاريخية التي تتكون من المثقفين وقادة الرأي والتنوير في مجلس النواب لم تستطيع تلك الكتلة منع الانفجار والحرب أو الحد من تأثيراتها على الطرف الذي تم إقصائه من السلطة ، لتعامل ذلك التحالف بمنطق المنتصر بأن اعتمد في حسم القضايا الوطنية والعامة على معيار الأغلبية العددية متناسين أن تلك الأغلبية تتكون من الطرف المنتصر في حرب صيف 1994 وانه يفترض بها أن تمثل جميع ابناء اليمن وليس الطرف المنتصر (المؤتمر الإصلاح) بأن تحرص على حماية النظام السياسي وتحافظ على مؤسسات الدولة وأن لا تشرعن تقاسم السلطة والدولة وإقصاء ابناء الجنوب من مراكز القرار السياسي والإداري ، وأن تحرص على عدم تدمير التوازن الذي قامت عليه دولة الوحدة ، حيث استمرت ذلك الطرف بالإقصاء الذي طال القوى السياسية المستقلة والحزبية من خارج ذلك التحالف ، حيث قام ذلك التحالف بإقرار قانون انتخابات يحول دون تمكين مرشحي المعارضة من التقدم للترشيح والرقابة الفاعلة على سير الانتخابات كما أن قام ذلك الطرف بإعداد دستور جديد بناء على نتائج تلك الحرب وكل ذلك لضمان التفرد بالسلطة بالسيطرة على مقاعد مجلس النواب ، ولعدم وجود اي ضمانات لانتخابات حرة ونزيهة وافتقاد أي نوع من التوازن لضمان أدارة القوى الناخبة وحفظ حق المرشحين قرر شريك الوحدة الحزب الاشتراكي مقاطعة تلك الانتخابيات بغرض ايصال رسالة بعدم نزاهة تلك الانتخابات وافتقادها لأي ضمانات ، وبالرغم من كل ذلك لم يرتدع ذلك التحالف عن الاستمرار بالعملية الانتخابية العرجاء ، مستغلا الدعم الدولي للعملية الديمقراطية باليمن والتي تعد الانتخابات مظهر اساسي من مظاهرها.

أدى ذلك التفرد والسيطرة والاستحواذ على مقاعد مجلس النواب إلى أن اصبحت كل التشريعات والقرارات معبرة عن مصالح ذلك الطرف ، كما أن السيطرة على السلطة والاستحواذ على مناصب الدولة أدى إلى افقاد الدولة مهمتها في حماية مصالح عموم الشعب ، نتيجة لسيادة فكر الاقصاء والتفرد بالسلطة وما افرزته انتخابات العام 1997 من سيطرة حزب المؤتمر الشعبي العام على اغلب مقاعد مجلس النواب تمكنه من توفير الأغلبية المطلقة لاتخاذ أي قرار والتصويت على أي تشريع ، الأمر الذي اغره على الاستحواذ على الوزارات المهمة بالحكومة وعلى للجان المجلس وحرمان شريك الأمس من الامتيازات التي كان يتمتع بها وترتب على ذلك فقدان ذلك الحليف لعدد من المناصب الإدارية التي كان يعتمد عليها في دعم اعضائة والاستقطاب للعضوية (الغاء المعاهد العلمية ومعاهد المعلمين).

عند ذلك أدرك الإصلاح ولو متأخرا خطر الإقصاء والتهميش الذي ساهم فيه ، والتقى في ذلك الإدراك مع قوى المعارضة وبداء حوار بين تلك القوى لتكوين جبهة معارضة للمؤتمر وتمخض عن تلك الحوارات تأسيس اللقاء المشترك الذي خاض أول تجربة تحالف انتخابي في انتخابات العام 2003 البرلمانية والمحلية والرئاسية ، غير أن ذلك التحالف لأسباب مختلفة منها حداثة التجربة وتنوع ايدلوجيات اطراف ذلك التحالف وعدم تقدير ذلك التحالف لمدى تأثير سيطرة المؤتمر على السلطة والدولة والوظيفة العامة والمال العام ، وعدم تقدير التحالف لمدى قدرة وخبرة المؤتمر في إدارة العملية الانتخابية وطبيعة التحالفات التي تتكون منها السلطة ، أدى كل ذلك إلى اخفاق المشترك في الحصول على اغلبية مقاعد مجلس النواب والمجالس المحلية والرئاسية وتحقيق التغير السياسي بواسطة تلك الأغلبية العددية ، فكانت تلك التجربة اكثر من خسارة انتخابات نيابية حيث أن تأثيرها كان سلبيا على جمهور المشترك الذي عزف الكثير منهم عن العملية السياسية ، بل وعلى من استطاع المشترك ايصالهم إلى عضوية الجالس المحلية و مجلس النواب بما حدث من اعلان عدد منهم انضمامه إلى كتلة المؤتمر.

لم يدرك النظام السياسي (الحاكم والمعارض) أن جوهر القضية اليمنية تكمن النظام الذي تدار به الدولة فلم يستطيع التوافق على حل تلك القضية ، وجل ما قامت به تلك السلطة هي مجرد مقاربات من بعيد لآثار ونتائج تلك القضية بأن استمر ذلك النظام السياسي في محاولات حذره لحل المسألة السياسية من خلال الدخول في حوارات وإبرام عدد من الاتفاقات والتفاهمات للوصول إلى تصحيح النظام الانتخابي دون الاتفاق على طبيعة النظام وشكل الدولة ، ودون اقرار ذلك النظام السياسي بحقيقة فشل الدولة وشبه القطيعة الشعبية للنظام السياسي الرسمي والحزبي ودون ادراك لتأثير ذلك على تعاطي الشعب مع حالة الفشل ، الذي كان لربيع العربي العامل المسرع لذلك التعاطي الشعبي فخرج شباب اليمن بحركة شعبية تحت شعار إسقاط النظام ، وكان المفترض بممثلي الشعب في المجالس النيابية والمحلية التفاعل مع ذلك المد الشعبي من خلال تبني هدف الحراك الشعبي بإسقاط النظام ، غير أن ذلك لم يحدث بل أن غالية اعضاء المجلس ظل بعيدا عن تلك التحولات والأحداث ولم يمارس أي سلطة لحماية تلك الحركة الشعبية والجميع يعرف أين وقف اغلب اعضاء المجلس ورئيس المجلس ، الذين اظهروا حرصا على بقاء النظام الحاكم من خلال اصدار قانون الطوارئ والقيام بأعمال واقعية لمساندة استمرار النظام.

شرعية مجلس النواب محددة قانونا بخمس سنوات وتنتهي في فبراير من العام 2008 وأن اتفاق سياسي بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب مدد لمجلس النواب لفترة سنتان تنتهي في فبراير من العام 2011 ، وأن تلك المدة انتهت ولم يتم اعادة انتخاب اعضاء مجلس النواب الحالين كما لم يحصل اتفاق بين الاحزاب على التمديد للمجلس بل أن الثابت حصول الخلاف وقيام ثورة شعبية يفترض أنها انهت كل القوانين بل والدستور وأن تحكم البلد بشرعية ثورية ، ولأن اليمن خاضة تجربة فريدة بأن حسم النزاع وفقا لمبادرة سياسية جنبت البلد الوقوع في حرب اهليه ، بموجبها تم التوافق على مرحلة انتقاليه مدتها سنتين ونصف اتفق بها على منح مجلس النواب شرعية مدتها ايضا سنتين ونصف (الفترة الانتقالية) وأن يحكم المجلس بنظام توافقي بين أطراف التسوية السياسية الموقعة على المبادة بناء على بند المبادرة المتضمن أن تحل بنود تلك المبادرة محل أي ترتيبات دستورية وقانونية ومن تلك الترتيبات دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس نواب بدل المنهية ولايتهم في نوفمبر في العام 2008 ، 2011 والتي بموجبها تم التوافق بين اطراف التسوية السياسية على المرحلة الإنتقاليه لسلطات الدولة الرأسية والتشريعية والتنفيذية وأن تحكم السلطتي التشريعية والتنفيذية بنظام التوافق وأن يكون الرئيس هادي الفيصل في حال عدم الوصول إلى توافق بين ممثلي اطراف التسوية السياسية الموقعة على التسوية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية والياتها التنفيذية ، والتي يصار خلالها (المرحلة الإنتقاليه) انتخاب المرشح التوافقي للرياسة الرئيس / عبده ربة منصور هادي ويصار في نهاية تلك الفترة دعوة الرئيس هادي الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس النواب.

أن الدكتور/ محمد المخلافي يعد بمثابة الفقيه القانوني الذي تناول مرحلة الصراع بين اطراف التسوية السياسية ، كونه من قام بتحليل وتفكيك القضية او المعضلة اليمنية وطبيعة النظام السياسي والسلطة والدولة ، ومن حدد طبيعة التغير المطلوب ووسائل واليات ذلك التغير الديمقراطي بما تناوله من بحثه في كتاب المنشور تحت عنوان التغير - الإصلاح الديمقراطي في اليمن ، بما يوحي به ذلك العنوان من الحاجة إلى التغير والإصلاح وأن تكون الديمقراطية وسيلة واليه التغير من خلال اعتماد معيار التخصص والتنافس الحر والنزيه بين من يسند اليهم مسئولية إدارة الدولة لضمان وصول قيادة متخصصة وذات كفاءات.

ولذلك كانت اجراءات وتصرفات الدكتور/ محمد المخلافي منطلقة من القانون الذي لا يفرق بين تصرف وأخر وبين سلطة وأخرى ولا عجب أن يكون موقفة من عدم نشر أي قوانين وقارات صدرت من أي سلطة تنفيذية أو تشريعية صدرت دون توافق أو لم يحسم عدم التوافق عليها رئيس الجمهورية ، وعلى من يدعي أنه ينتصر الأي سلطة أن ينتصر للقانون أولا فالقانون المرجع الذي يحسم كل تأويل.